الفنان عبد الهادي بلخياط يختار الدورة التاسعة لتوديع جمهوره العريض الموسيقى لغة كونية تتخطى الاختلافات وتلغي الحدود، وسيلة لمخاطبة المشترك الإنساني، تضييق الهوة بين الشعوب، وتدعيم قيم المحبة والسلام، هذا ما أكدته الدورة التاسعة من مهرجان موازين إيقاعات العالم، التي اختتمت ليلة السبت الماضي. بعد أيام يمكن تشبيهها بلوحة زاخرة بالألوان المتنافرة أحيانا، لكن داخل نسق عام منسجم. مهرجان موازين الذي يمنح سنة بعد أخرى الصفة الكونية لعاصمة المغرب من خلال استقطابها لألمع النجوم العالميين، الأفارقة والعرب، بثقافاتهم المختلفة، وتعبيراتهم الموسيقية والإيقاعية المتنوعة والمتباينة، حدث فني كبير تواصل على مدى تسعة أيام غنية بالتواصل وتسوق للعالم صورة عن مغرب منفتح على مختلف الثقافات الإنسانية ويسود ربوعه الاستقرار والسلام وعن حضارته الغنية والمتنوعة، وكذلك تقديم صورة عن الإنسان المغربي العاشق للفن، واستعداده الكبير لفهم واستيعاب ثقافة الآخر والانفتاح عليها. هذه بعض من الأهداف التي تتوخاها جمعية مغرب الثقافات من خلال الإصرار على تكريس هذه التظاهرة الفنية والثقافية السنوية، وفي نفس الوقت منح مدينة الرباط حدثا فنيا متميزا يليق بخصوصياتها التاريخية والحضارية، وإخراجها من صرامة الجدية لمنحها لحظات من هياج الفرح والسعادة. قال عازف الغيتار المكسيكي الكبير كارلوس سانتانا بأن الفن يصنع ما تعجز عنه السياسة، خلال ندوة صحفية عقدها بالرباط، معتبرا أن الموسيقى هي ملامسة القلوب، وهذا بالفعل ما جسده رفقة فرقته على خشبة السويسي، ليلة الجمعة الماضي، حيث أشعل حماس جمهور قدر ب 60 ألف متفرج، تجاوبت مع أوتار غيتارته السحرية، واهتزت على إيقاعات من أمريكا اللاتينية، وألوان موسيقية متنوعة كالبلوز والجاز روك، وبالموسيقى أيضا منح الدليل على صدق قوله من خلال لحظة لقاء رائعة وقوية تجسدت في حوار موسيقي جمع بينه وبين الفنان الكناوي المغربي لمعلم مصطفى باقبو، والعناق الأخوي الذي أعقب الانسجام على مستوى الأوتار عناق حضاري وثقافي دون شك. سانتانا العازف الساحر ليس سوى عضو ضمن مجموعة متكاملة حضرت ليلة الجمعة بالسويسي بعازفي الإيقاع الشهيرين كارل بيراسو وراوول ريكو وعازف الباص بيني ريتفيلد والمغني طوني ليندساي لكن وللحقيقة نقول أن المجموعة كانت في اقل من مستواها، لغياب أحد أعمدتها الأساسية وهو عازف الكيبورد شيستر طومسون. كما تميزت ليلة الختام وفوق نفس المنصة بحفل موسيقي كبير أحياه الجوق الملكي السمفوني بمعية الفنان البريطاني غوردون ماثيو سامنر توماس المعروف فنيا ب ستينغ، وتأكد أن لهذا الفنان بالمغرب عشاق كثر، حجوا إلى السويسي بالمناسبة، حيث أتحفهم بأجود المقطوعات من ريبرتواره الغنائي منذ تجربته مع مجموعة ذا بوليس، إلى لقاءه مع أحد روافد التراث المغاربي، الشاب مامي في "ديزرت روز"، مرورا بأغاني مثل "روكسان" و" إنغليشمان إن نيويورك"، وغيرها.. فنانون كبار استقبلناهم في بلدنا بفخر واعتزاز كبيرين باعتبار حضورهم إلى مهرجان موازين يشكل حدثا كبيرا ولحظة ستبقى عالقة في الذاكرة الفنية للعالم، كان من بينهم هذه السنة البريطاني المتألق التون جون، بأسلوبه المتميز في العزف والغناء و بي بي كينغ أسطورة البلوز الأمريكي الأسود ، كما لم يفت المهرجان أن يجد لإرضاء جميع الأذواق باستدعاء أشهر النجمات العربيات من أمثال ماجدة الرومي، أليسا، أو الفنانين المصريين مثل تامر حسني أمل ماهر وغيرهم، كما كان للشباب من عشاق الموجة الجديدة حظهم الوافر من الفرجة بمنصة شاطئ سلا ومنصة يعقوب المنصور. بينما حازت الموسيقى المغربية حصة الأسد من مجموع البرمجة، اختلط فيها الغناء العصري بالشعبي بغناء الأجيال و المجموعات الشبابية. ولعله يتوجب الذكر أن من أنجح الحفلات المغربية السهرة التي أقامها قيدوم الأغنية المغربية الفنان عبد الهادي بلخياط، هذا الفنان الذي قال في تصريح للصحافة أن الحفل المذكور الذي احتضنته منصة حي النهضة يعتبر وداعا ولقاء مباشرا أخيرا مع جمهوره العريض، خطوة بررها بإفساح المجال للشباب، واقتصاره على غناء اللون الاجتماعي والابتهالات الدينية، ومعلوم أن حفل عبد الهادي بلخياط استقطب جمهورا قدر ب 50 ألف متفرج وهو لاشك يطرح السؤال عريضا عن هذا الانسحاب المفاجئ بينما بدا أن فناننا الكبير لم يفقد شيئا من تألقه أو شبابه وأنه ما يزال صاحب قاعدة جماهيرية كبيرة. عبد الهادي بلخياط الذي اعتبر لسنوات طويلة سفيرا للأغنية المغربية خارج الحدود عبر حفلاته التي شملت العديد من الدول العربية وغيرها أيضا والمغني الذي وطئت أقدامه خشبة الأولمبيا بباريس، فارضا أسلوبه الغنائي، فناننا المغربي الكبير اختار الدورة التاسعة لمهرجان موازين لكي يودع الخشبة والأضواء، كان متألقا وانتزع تصفيقات متواصلة من طرف الجمهور وبدا أن السنوات لم تنل من حيويته ومن حب الجمهور المغربي لأغانيه.