دعت حركات حديثة التشكل للتظاهر غدا الأحد، وأطرت مبادرتها بمطالب هي في بعض تجلياتها ليست بعيدة عما عبر عنه في تونس ومصر والبحرين، وقد لقي هذا التحرك تأييد بعض المنظمات السياسية والجمعوية الوطنية، مقابل تحفظ الكثيرين، وأسس بالتالي للحظة نقاش وطني، من المهم تطويرها. لسنا هنا في موقع التذكير بأن الحراك الشعبي لا تصنعه عمليات إسقاط الوقائع والصور التي تنقلها وسائل الإعلام من بلدان أخرى ومن سياقات مختلفة، وبالتالي الإصرار على التماهي معها ولو بالعسف، وأن التشديد على محورية السياق والشرط التاريخيين مسألة ضرورية، وهي من مميزات المدرسة السياسية التي نستند اليها في هذه الجريدة منذ عقود، ولذلك فإن المغرب ليس هو تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو البحرين أو الجزائر. والتميز هنا ليس عنادا مرضيا، إنما هو واقع أفضى إليه مسارنا السياسي والمؤسساتي ونضالنا الشعبي وما راكمته بلادنا من تجارب عبر تاريخها، وليس من حق أحد اليوم أن يجرنا من ظهورنا لنبدأ من الصفر، ولنعود إلى البدايات وإلى أخطاء البدايات. بلا شك شعبنا تسكنه رغبة كبيرة في التغيير، وفي تطوير حياته وبلاده، وبلاشك من حق كل أحد التعبير عن رأيه، ولو كان لا يمثل سوى نفسه، لكن من حق هذا الشعب أيضا أن تكون المسلسلات النضالية التي تخاض باسمه واضحة الرؤية والأهداف. إننا عندما نقول بأن بلادنا تحيا ظرفا وطنيا لا يخلو من حساسية، فهذا أمر حقيقي وليس ديماغوجية أو إحباط عزائم، وبلادنا أيضا تتفاعل مع محيط لا يخلو من دقة، وفي مثل هذه الظرفية تطلب الشجاعة السياسية من الفاعلين السياسيين الحقيقيين، ويطلب إبداء الرأي ولو كان ضد التيار. المغرب اليوم يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى تقوية جبهته الداخلية وتحصينها، ويحتاج إلى تأمين استقراره السياسي والاجتماعي والمؤسساتي، ويحتاج إلى أن تعتلي الحكومة بقوة جبهة الإصلاح من دون تردد، وتعتبر القرارات الأخيرة مقدمة جيدة في هذا الإطار، تتطلب المواصلة عبر الشروع في جيل جديد من الإصلاحات بغاية ضخ نفس جديد في مسلسلنا الديموقراطي القائم على دولة قوية بمؤسساتها الديمقراطية واحترامها لحقوق الإنسان. إن الجيل الجديد من الإصلاحات، صار اليوم شعار ومطلب معظم الفاعلين في البلاد، ومن المصلحة تحويل هذه القناعات إلى مبادرات سياسية قوية، وإجراءات ملموسة يلمسها الناس في حياتهم اليومية وفي المشهد السياسي والمؤسساتي الوطني. لقد أصبح الإصلاح اليوم ضروريا، ولا يمكن التعامل معه ب»كم حاجة قضيناها بتركها»، خاصة أن العالم يتحرك إلى الأمام بإيقاع سريع وأحيانا لا يخلو من عنف، ومن ثم فإن من لا يتقدم، أو يبقى متجمدا في مكانه، فإن الأرض تهتز من تحت قدميه. وبالنسبة للأحزاب الجدية، فهي مدعوة لتقوية ذواتها أولا، وتطويرعملها الميداني وقوتها الانتخابية والشعبية، بما يؤدي إلى تغيير موازين القوى على الأرض، ويضغط من أجل الإصلاح، أما النضال عبر إسقاط الصور التلفزيونية والسياقات المختلفة، فهذا لن يخدم شعبنا بتاتا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته