قال الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مصطفى فارس، أول أمس الخميس بالرباط، أن المغرب يتوفر على ترسانة دستورية وتشريعية متقدمة واجتهاد قضائي رصين راكمته محكمة النقض ومحاكم الموضوع ذي بعد حمائي وردعي في مجال مكافحة العنف ضد المرأة والطفل. وأبرز فارس في كلمة تليت نيابة عنه، ألقاها الدكتور محمد الخضراوي، خلال ندوة نظمتها الودادية الحسنية للقضاة حول موضوع ” المعالجة القانونية لمظاهر العنف ضد المرأة والطفل بين المستجدات التشريعية والممارسة القضائية على ضوء قانوني محاربة العنف ضد النساء ومكافحة الاتجار في البشر”،( أبرز) أن هذا العمل القضائي الرصين يجب مواكبته تشريعيا ومؤسساتيا وتنظيميا من أجل الرفع من سقف الضمانات وتكريس ثقافة مجتمعية جديدة ترتكز على قيم الحوار والإنصات والمسؤولية والمحاسبة.واعتبر أن ظاهرة العنف ضد النساء والأطفال معقدة وتتجاوز المحددات القانونية والقضائية، كما تستدعي مقاربة شمولية يتحمل فيها كل الفاعلين مسؤوليتهم لمكافحتها والحد من آثارها، مضيفا أن السلطة القضائية واعية بالمسؤولية الدستورية والقانونية والأخلاقية كضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات وصون السلامة الجسدية والمعنوية للمجتمع، خاصة المرأة والطفل. وسجل فارس أن هذه المسؤولية لن تؤتي أكلها إلا بتفعيل خطة استراتيجية مضبوطة ومحكمة، وبفتح كل قنوات الحوار الجاد والعمل المشترك مع مختلف السلط والمكونات المجتمعية، والحرص على توفير كل الآليات القانونية والإمكانات المادية والبشرية والتنظيمية الواجبة. وأضاف أنه لا مجال للتساهل أو الاستهتار بحقوق المرأة والطفل في شموليتها وكونيتها في مغرب يبني مستقبله بكل مكوناته وافراده، ويطالب بتكريس القيم والأخلاق وبصون الأسرة وحماية الأفراد والجماعات، ويرفض بكل حزم كافة أشكال العنف ومصادره. ومن جهته، أكد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط، عبد العزيز وقيدي، أن المشرع المغربي قام خلال السنوات الخيرة، بإدخال تعديلات على مجموعة من النصوص القانونية التي لها علاقة بقضايا المرأة والطفل، والتي حرص على ملاءمتها مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي انضم أو صادق عليها، وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مبرزا أن القضاء المغربي عمل تفعيل هذه النصوص باعتمادها في الإجراءات والأحكام والقرارات القضائية تكريسا منه لمبادئ العدالة والمساواة. واعتبر أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام تنمية المملكة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا، مسجلا في هذا السياق، أن الترسانة القانونية في مجال مكافحة العنف ضد المرأة تعززت من خلال صدور قانون الاتجار في البشر، وقانون محاربة العنف ضد النساء. من جانبه، أبرز رئيس الودادية الحسنية للقضاة عبد الحق العياسي، فاعتبر في كلمة تلين نيابة عنه، أن موضوع مكافحة العنف ضد النساء والأطفال يعتبر من المواضيع الحقوقية الآنية الهامة التي تحظى بمناقشات قانونية فقهية مستفيضة على الساحة الحقوقية بالمغرب، مسجلا أن هذه الندوة ستشكل قيمة مضافة لإغناء النقاش.وأشار العياسي إلى أن المغرب أرسى منظورا جديدا يتوخى من خلاله توفير تكفل حقيقي للنساء والأطفال، مذكرا في هذا السياق بالمقتضيات الدستورية التي كرست حماية المملكة لهذه الفئة وكذا الاتفاقيات والمقتضيات الدولية. أما رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالرباط، السيد الداكي، فقال: إنه تأكيدا للمقاربة المتكاملة التي ينهجها في مجال الحماية من كل أشكال الاتجار في البشر والعنف ضد النساء والأطفال، عمل المغرب على إرساء دعائم العمل المشترك بين مختلف القطاعات الحكومية إلى جانب السلطة القضائية وباقي الشركاء والفاعلين الاجتماعيين، عبر تجاوز أحادية المقاربة الزجرية وتبني الجانب التكفلي الحمائي، من خلال إشراك اللجنة الوطنية الاستشارية المكلفة بتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار في البشر والوقاية منه. وأبرز أن المشرع أناط بهذه اللجنة اختصاصات متنوعة، تصب في بلورة سياسة عمومية كفيلة بوضع البرامج الوطنية المتعلقة بهذا المجال، مضيفا أن الحديث عن الحماية القانونية للنساء والأطفال من أشكال العنف الممارس ضدهم يقتضي الإحاطة بمختلف الجوانب، بدءا من الخطوط الموجهة كاستراتيجية وطنية قائمة على تلبية الحاجيات الحقوقية للنساء والأطفال، مرورا بالآليات الموضوعة تنفيذا لهذه الاستراتيجية. من جهته، أكد نقيب هيئة المحامين بالرباط، محمد بركو في كلمة تليت نيابة عنه، أن إشكالية العنف ضد النساء والأطفال وإشكالية الاتجار في البشر تؤرق الضمير العالمي، مضيفا أن المجتمع الدولي دأب على سن مجموعة من التشريعات الدولية يعتبر المغرب من الدول القلائل التي انخرطت فعليا في تفعيلها وقدم تقارير بشأنها، مشيرا إلى الدور المحامين والقضاة الأساسي في تفعيل هذه التشريعات. وابرز أن هذه الإشكاليات دفعت المشرع إلى إقرار قانون العنف ضد النساء ومكافحة الاتجار في البشر، معتبرا أن التشريعات والقوانين مهما كانت جودتها، يبقى المحك الأساسي لتفعيلها هو الاجتهاد القضائي الذي يبين نقط قوتها وضعفها، ليتدخل المشرع من جديد من أجل تعديلها، مؤكدا أن القضاة والمحامين مطالبون ليس فقط بتفعيل القوانين الوطنية، ولكن أيضا بسد ثغراتها ونقائصها بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب. وناقشت هذه الندوة العلمية، التي عرفت مشاركة ثلة من الباحثين والحقوقيين والقضاة وجامعيين وفاعلين من المجتمع المدني، عدة محاور تهم على الخصوص ” استراتيجية التصدي لأشكال العنف في حق المرأة والطفل”، والحماية القانونية للمرأة والطفل على ضوء قانون الاتجار في البشر”، و” الضمانات القانونية والمؤسساتية لحماية النساء والأطفال ضد العنف”.