لنفترض أنك رجل أعمال تصنع سلعة معينة ولنقل إنها قارورة زجاجية. يأتيك زبون ويطلب 100 قارورة. ستطلب سعرا ولنقل إنه 3 دولارات للقارورة. سيقول لك ماذا إذا كانت الطلبية 1000 قارورة، ستقول إن السعر دولاران ونصف الدولار. ويقول ثانية ماذا إذا كانت 100 ألف قارورة، سيكون ردك أن السعر دولاران ونصف الدولار أيضا. فمهما فعلت وأنتجت بكفاءة، فإن ثمة حدّ أدنى للسعر لا يمكنك تجاوزه آخذا بالاعتبار ما تنفقه على اليد العاملة والمواد الأولية والنقل وهامش ربح محدود. هذه الحقيقة هي في قلب إشكالية شركات التكنولوجيا، تلك التي تصنع أجهزة والأخرى التي تنتج برامج للكمبيوتر. هذا بالضبط السبب الذي يجعل شركة مثل مايكروسوفت تناطح شركة أبل، على الرغم من شهرة أبل الرنانة وعلى الرغم من أنها كانت الشركة الأولى في العالم التي فازت بسباق تجاوز قيمة الترليون دولار. فمهما حاولت أبل، سيبقى عليها أن تنفق جزأين أساسيين على إنتاج هاتفها أيفون مثلا. الجزء الأول قائم على البحوث والتطوير. والجزء الثاني قائم على التصنيع. ومهما وفرت في عمليات التصنيع، في الصين أو غيرها، فإن عليها أن تنتج جهازا فيه شاشة وسماعات ومعالج وأجهزة إرسال وبطاريات وحاوية معدنية. هذه مكونات تحتاج إلى معامل وموردين وشركات مساندة، وكل من هذه الأجزاء بكلفة دنيا محددة لا يمكن تجاوزها مهما اعتصرت ومهما وفرت. قد تكون أبل طماعة بعض الشيء لأنها تقدم منتجا راقيا، لكن المنافسة ستدفعها إلى الوصول إلى الحدّ الأدنى من السعر في مرحلة ما، ولن تتمكن من تجاوزها إلا بالخسارة. ما الفرق بين أبل ومايكروسوفت إذًا؟ مايكروسوفت تنفق على البحوث والتطوير ولا تنفق شيئا عمليا على التصنيع. فيما سبق كانت مايكروسوفت تنفق على المنتج رقم واحد، نسخة الويندوز الأولى، ثم تصنع الملايين من النسخ على أسطوانات رقمية. صحيح أن كلفة إنتاج الأسطوانات قليلة، لكنها تبقى كلفة. اليوم لا شيء من كل هذا. النسخة رقم واحد موجودة على خادم في خدمة سحابية في مكان ما، وهي نفسها النسخة 100 و1000 و100 مليون. إنتاج مرة واحدة قائم على البحوث والخبرة المتراكمة. طريقة الإنتاج، بحسب ما يسميها علماء الاقتصاد، هي طريقة فيروسية. نسخة فيروس واحدة في الطبيعة كافية لإنتاج مليارات الفيروسات التي تتكاثر وتنتشر من دون جهد أو استهلاك. عقلية الفيروس الذي يولد ملايين الفيروسات هي ما تجعل مايكروسوفت شركة متينة قادرة على تحمل هزات السوق وتغير مزاج المستخدم. عقلية الفيروس لا تقال عن غوغل مثلا التي تعيش على الإعلانات أو أمازون التي سرقت زبائن المتاجر. تقف أبل وتراقب عالم مايكروسوفت وتفكر بالبدائل في مستقبل قادم. سبق لأبل أن شهدت الانهيار من قبل ولا تريد أن تكرر التجربة المرة.