أسدل الستار، ليلة الأربعاء الماضي عن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للمعاهد المسرحية الذي نظمته بالرباط جمعية إيسيل للمسرح والتنشيط الثقافي بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال، والذي شاركت فيه هذه السنة 14 فرقة مسرحية تمثل 18 معهدا عاليا للمسرح من بلدان مختلفة من أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي. وتميز الحفل الختامي الذي احتضنه المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط بتوزيع الجوائز على المدارس المتميزة التي تفوقت في التشخيص والأداء والسينوغرافيا والإخراج بالإضافة إلى جائزة المهرجان الكبرى. وتوجت مدرسة “كلوز اب Close up” الألمانية بالجائزة الكبرى للمهرجان، فيما عادت جائزة التشخيص فئة الإناث لكل من “شارلوت ويت” من ألمانيا، فيفر من بولنيا، ولياه لابيوير من فرنسا، بينما عادت جائزة التشخيص ذكور لكل من مصطفى مصيلحي من مصر، وإيدوارد بونكود من فرنسا. إلى جانب ذلك، توجت كل من فيفر “Fever” من بولنيا، ومسرحية les prétendants” aux dents aux dents d'or” عن الكونغو بجوائز المهرجان الخاصة، فيما حظيت مدرسة أليسيا من إسبانيا بجائزة أفضل سينوغرافيا، فيما عادت جائزة أحسن إخراج لبيناسيوس ماشين من روما، ونالت فرقة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالمغرب جائزة المسرح الوطني محمد الخامس. محمد الأعرج: وزارة الثقافة أدخلت المهرجان الدولي للمعاهد المسرحية ضمن خريطة امهرجاناتها السنوية إلى ذلك كان الحفل الختامي قد انطلق بكلمة محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال الذي نوه فيها بالمبادرة التي اتخذتها جمعية إيسيل التي دأبت على تنظيم هذا المهرجان بمشاركة الوزارة وإدارة مسرح محمد الخامس، مشيرا إلى أن هذا من شأنه أن يخلق إشعاعا للمسرح المغربي. وقال الأعرج إن وزارة الثقافة والاتصال وضعت، منذ الثمانينات من القرن الماضي، التكوين المسرحي في صلب اهتماماتها، حيث أنشأت المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الذي أوكلت له مهمة التكوين الأكاديمي، حيث تخرج منه مئات الفنانين المتميزين على مدى عقود. وأوضح الأعرج أن المسرح المغربي استطاع أن يصنع لنفسه مكانة متميزة في المشهد المسرحي العربي من خلال تتويج الأعمال المغربية بالجوائز الكبرى لعدد من المهرجانات، بما فيها جائزة المسرح العربي التي عادت للمغرب لسنتين متتاليتين. وانطلاقا من هذه الدورة، كشف الأعرج إدخال المهرجان الدولي للمعاهد المسرحية ضمن خريطة المهرجانات الموكولة للوزارة، مبرزا أهمية هذه المحطة الثقافية التي من شأنها أن تجعل المغرب منصة دولية للتعريف بمستوى التكوين المسرحي لعدد من الدول وفرصة للشباب للتعبير الأكاديمي والاحتفاء بصناع الفرجة المسرحية. تكريم الفنان والمخرج المتميز عبد الواحد عوزري إلى ذلك، تميز الحفل الختامي للمهرجان الدولي بتكريم المخرج المسرحي والباحث الدكتور عبد الواحد عوزري الذي حملت هذه الدورة اسمه، حيث قدم كل من وزير الثقافة محمد الأعرج ورشيد منتصر مدير المعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي ذرع المهرجان وبورتريها تذكاريا للمحتفى به من إبداع الفنان السينوغراف عبد الحي الشغروشني. في هذا السياق قالت ثريا جبران وزيرة الثقافة السابقة والمسرحية المتميزة، في شهادة لها عن رفيق دربها المكرم، إن عبد الواحد عوزري ساهم بقوة في النهوض بالوضع المسرحي عبر مجموعة من المقاربات، سواء بالنظر لكونه الإعلامي المتميز الذي ساهم في إشعاع المسرح الوطني، أو بصفته أحد مؤسسي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ومن أوائل المؤطرين الذي كونوا أجيالا من المسرحيين. كما ذكرت جبران بما قدمه الدكتور عوزري للمسرح المغربي وعمله من أجل النهوض به في شقه الإبداعي والأكاديمي، مشيرة إلى أن تكريم هذه القامة المسرحية تكريم ووفاء لشخصية قدمت للفن مجموعة من التضحيات، مشيرة إلى أنها تقاسمت معه كزوج وكرفيق وصديق مجموعة من الانتصارات والانكسارات، مسجلة أنه ظل رغم كل ذلك وفيا الدائم للمسرح المغربي بنسائه ورجاله ومختلف حساسياته، سواء ببرنامجه “أنفاس مسرحية” الذي قدمه على شاشة التليفزيون أو على مستوى المسرحيات التي يقوم بإخراجها، وكذا بحوثه الأكاديمية في المجال. من جانبه أشاد ادريس الإدريسي مدير الإنتاج بالتلفزة المغربية بالتضحيات التي قدمها عوزري من أجل المسرح المغربي، مذكرا بالمحطات التي عاشها إلى جانب عوزري بالتليفزيون والاهتمام الكبير الذي كان يوليه لقضايا المسرح بالمغرب. وذكر بالمسار المتميز الذي طبعه عوزري في عدد من رفاقه وزملائه، خصوصا في الفترة التي قضايا بالتليفزيون وهو يقدم برنامج أنفاس مسرحية، مشيدا بالاختيار الذي قامت به إدارة المهرجان وهو تكريم أحد أعمدة المسرح المغربي الأستاذ عبد الواحد عوزري. وقال الإدريسي أن المخرج عبد الواحد عوزري شكل بتجربته في فرقة مسرح اليوم علامة فارقة في تاريخ المسرح المغربي بحيث كان أعاد بعث الروح في المسرح الاحترافي الذي كاد أن ينهار في أواخر الثمانينات.. بدوره، قال الحسين الشعبي الكاتب المسرحي والإعلامي إن الحديث عن عوزري لا يستقيم بمعزل عن الفنانة الرائدة ثريا جبران.. كما لا يجوز الحديث عنه دون ربطه بتجربة فرقة “مسرح اليوم” الاستثنائية.. وكذا بعلاقاته الإنسانية والاجتماعية والثقافية متعددة الأبعاد التي نسج من خلالها عددا هائلا من الصداقات في الداخل والخارج، ولا سيما تلك التي أثرت فيه وتفاعل معها”. وجرد الشعبي في كلمته أهم الخصال التي يتمتع بها الفنان عبد الواحد عوزري من قبيل الصرامة والرصانة والالتزام والاتزان، مشيرا إلى أنه أصر أن يشتغل على نصوص مسرحية منبثقة من التربة المغربية، معتبرا أن “نخبة من خيرة المؤلفين الدراميين المغاربة مروا من مجهر المخرج عوزري” بالإضافة إلى كونه “مهندسا ثقافيا”. افتتاح بطعم التنوع ومعلوم أن المهرجان أعطيت انطلاقته مساء الجمعة الماضي بمسرح محمد الخامس بالرباط، وكان وزير الثقافة محمد الأعرج قد أوضح في كلمة تليت نيابة عنه، في حفل الافتتاح، أن هذا المهرجان سيمكن من رصد التجربة الدولية في ميدان المسرح بصيغها التربوية والبيداغوجية، مؤكدا أن هذه التظاهرة الثقافية تشكل أيضا مناسبة للشباب لنسج علاقات جديدة وتبادل تجاربهم ومعارفهم للنهوض بالإبداع والممارسة الفنية. وقال إن المسرح يمثل أداة عميقة للتكوين ونقل القيم بغية بناء مجتمع سليم، مشيرا إلى أن النهوض بهذا الصنف الأدبي والفني يقع في صلب تدخلات التدبير المجتمعي. من جهته، أبرز محمد الصديقي عمدة الرباط الأهمية البالغة التي يكتسيها الفن في المنظومة الثقافية، مذكرا بأن عاصمة المملكة ومدينة الأنوار تقدم حدثا استثنائيا ونوعيا لسكانها وضيوفها وزوارها. أما رئيس لجنة تحكيم هذه الدورة مولاي أحمد بدري، فيرى بأن هذا المهرجان يكتسي طابعا خاصا على اعتبار أنه يتيح الاطلاع على المراحل التي قطعها التكوين المسرحي في العالم، كما يجمع ثلاث قارات في نفس الآن وهي إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. وأضاف أن المهرجان يتناغم، وطنيا، مع الاختيارات الأساسية التي تم اتخاذها على مستوى موقع المملكة الجيو ثقافي والجيو سياسي، الذي هو بلد إفريقي ومتوسطي منفتح على باقي القارات. وتألفت لجنة التحكيم، التي ترأسها الأستاذ الجامعي والناقد المسرحي مولاي أحمد بدري، من مديرة المعهد الوطني العالي للفن الدرامي بباريس (فرنسا) كلير لاسن- داغكوي ورئيس قسم الأداء الدرامي بأكاديمية المسرح بميونيخ (ألمانيا) جوشن شولش ومدير المركز الجامعي الوطني المستقل بالمكسيك ماريو إيبينوسا، والممثلة المسرحية وأستاذة التعليم الفني حسناء طمطاوي (المغرب). ومن بين أهداف جمعية إيسيل للمسرح والتنشيط الثقافي، التي تأسست عام 2007 من طرف خريجي وأساتذة المعهد العالي للمسرح الدرامي والتنشيط الثقافي، النهوض بالفعل الثقافي والفن الدرامي كوسيلة للتطور الشخصي والمجتمعي، وأيضا، النهوض بثقافة حقوق الإنسان باستعمال تقنيات التنشيط الثقافي كآلية لتغيير العقليات. جدير بالذكر أن المهرجان الدولي للمعاهد المسرحية تنظمه جمعية إيسيل للثقافة والفنون بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال ومسرح محمد الخامس بالرباط، ومجلس مدينة الرباط ومجلس جهة الرباطسلاالقنيطرة وعدد من الشركاء.. ويستقطب سنويا عددا من المدارس المسرحية التي تقدم عروضا على مدى أسبوع وتتنافس على جوائز المهرجان التي تعلن عليها لجنة التحكيم. محمد توفيق أمزيان تصوير: رضوان موسى *** مدير المهرجان سعيد آيت باجا: المهرجان يخطو بخطوات ثابتة نحو العالمية تميزت هذه الدورة بمشاركة 14 مدرسة تمثل 18 دولة من مختلف القارات وأصقاع العالم، همها الوحيد هو التكوين المسرحي والإبداع، والتعريف بما أنجزته طيلة هذه السنوات، فالمهرجان يخطو بخطوات ثابتة نحو العالمية، وهو مهرجان يجمع بين ما هو ثقافي وعلمي، وبين ما هو فني وفرجوي.. وفضلا عن كل ذلك فنحن في جمعية إيسيل نسعى لأن يكون هذا المهرجان منصة للديبلوماسية الثقافية بما هي ديبلوماسية موازية لتحقيق المزيد من الإشعاع لبلدنا وثقافتنا وفنوننا الوطنية.. فالمسرح المغربي اليوم صار يحقق نجاحات تلو أخرى من خلال تتويج مجموعة من الفرق والتجارب في مختلف المحافل المسرحية العربية والدولية، سواء تعلق الأمر بالأساتذة والنقاد الذين برزوا في مجال البحث العلمي في الفنون الدرامية أو تعلق الأمر بالفرجات والعروض التي يقترحها فنانون ومخرجون وفرق مسرحية محترفة أبانت عن علو كعبها.. بهذا المعنى فمهرجان المعاهد يحتفي بهذا التفوق المغربي ويفتح المجال للمزيد من التلاقح والتبادل بحب وأريحية من خلال تقديم وخلق فرجات فنية طيلة أسبوع في المسرح الوطني محمد الخامس والمسارح الأخرى بالمدينة وفي الشارع العام، والجديد والمتميز هذه السنة هو تأسيس الرابطة الإفريقية للمعاهد المسرحية التي تروم تكثيف الورشات والتكوين في بلدان إفريقيا. إلى جانب ذلك فرهاننا اليوم هو جعل الرباط قبلة دولية يحج إليها فنانو العالم من مختلف الآفاق الثقافية والمشارب الجمالية.. *** مولاي أحمد بدري رئيس لجنة التحكيم: المهرجان كان مجرد فكرة بسيطة وأصبح اليوم حقيقة ما يمكن أن نلاحظه هو تطور المهرجان الذي كان فكرة – حلم، بينما أصبح اليوم حقيقة وتطورت حتى أصبح يتلقى طلب المشاركة فيه بشكل كبير من مختلف دول العالم، فهذه السنة كما لاحظتم هناك انفتاح على بلدان أخرى، وكان لا بد من انتقاء أولي بالنظر لأنه لا يمكن قبول طلب جميع المشاركات، وكان توجه المهرجان نحو جعل هذه الدورة تستقطب مدارس متنوعة ومختلفة باختلاف مناهج التكوين، فأساس المهرجان يقوم على التكوين في الميدان المسرحي، لذا اخترنا التنوع والاختلاف في المناهج، انطلاقا من مناهج متوسطية إلى مناهج اسكندينافية، إلى مناهج لاتينية ومناهج إفريقية، وهذا خلق نوعا من الدينامية جد مهمة، لكن مقابل ذلك فإن هذا الاختلاف والغنى جعلانا نحن في لجنة التحكيم نسقط في الحيرة، فمن ناحية لا بد من احترام التعدد والاختلاف وفي نفس الوقت نحاول أن نتوجه ما أمكن في توصياتنا واختياراتنا إلى التمكن من خصوصية اللغة المسرحية.. وبطبيعة الحال المسرح فرجة لكنه لا يكتفي فقط بذلك وإنما له خصوصيات أخرى، ومن هنا كانت قرارات لجنة التحكيم تنحو نحو اختيار الأعمال التي تضمنت «ابتكارات» وفي نفس الوقت فيها تمكن وتحكم باللغة والتقنيات المسرحية. أظن أن الدورة نجحت وتطورت بالمقارنة مع الدورات السابقة، ونعمل على التطلع للمستقبل والسير في هذا الاتجاه ومحاولة استقطاب مدارس أخرى من أمريكا وروسيا وهما بلدان لهما خصوصيات أخرى، فخلال هذه الدورة كما قلت استطعنا استقطاب مدارس مختلفة وذلك ما سنكرسه في الدورات المقبلة، وبالحديث عن المدرسة الأمريكية فلها خصوصية كبيرة ولها نوع من المسرح والتمثيل، وكذلك مدرسة «ستالينستافسكي» الروسية التي تتميز بنوع مسرحي خاص ومنهاج مختلف، وربما أن المنظمين سيفكرون في هذا التوجه، من خلال جعل قاعدة «التنوع» تميز كل دورة من دورات هذا المهرجان المتميز.