أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أول أمس الأربعاء تحت ضغط الشارع التخلي عن تعديلات دستورية تسمح له بالترشح لولاية جديدة وأكد رفضه «التمديد» أو «توريث» الحكم إلى ابنه، وذلك في إطار سلسلة من التنازلات إلى المعارضة التي ناشدها وقف التظاهرات. وردا على ذلك، اعتبر قيادي في المعارضة البرلمانية لوكالة فرانس برس أن الدعوة إلى وقف التظاهرات «غير مقبولة»، موضحا في الوقت نفسه أن المعارضة ستدرس هذه الخطوات مع أنها «جاءت متأخرة»، فيما أكد مسؤول معارض آخر الإبقاء على الدعوة للتظاهر يومه الخميس. ورحبت الولاياتالمتحدة بما أعلنه الرئيس اليمني وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي «نرحب بكل القرارات التي اتخذها الرئيس صالح والتي من شأنها أن تحقق تقدما سياسيا في اليمن بسبل غير عنفية وديموقراطية». وأضاف كراولي «إنها تصريحات ايجابية. كما شهدنا في مصر (...) من المهم ان تقرن حكومات المنطقة (...) أقوالها بأفعال وان تجري إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية». وأكد صالح أيضا التخلي عن إجراء الانتخابات التشريعية في ابريل المقبل راضخا بذلك لمطالب المعارضة البرلمانية التي تنظم تحركات شعبية مناوئة له. ودعا صالح المعارضة البرلمانية المنضوية تحت لواء «اللقاء المشترك» إلى العودة إلى الحوار وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتجميد التظاهرات. وقال صالح أمام مجلسي النواب والشورى اللذين استدعاهما بشكل طارئ وقاطعت أحزاب المعارضة جلستهما «لا نريد أحدا أن يصب الزيت على النار (...) ولا يجب أن نهدم ما بنيناه في 49 عاما». وتأتي تصريحات صالح بينما تتصاعد التحركات الاحتجاجية المطالبة بسقوط النظام اليمني وتخلي الرئيس عن السلطة التي يمسك بها منذ 32 عاما. وقدم الرئيس اليمني مبادرة قال إنها «من اجل مصلحة الوطن»، تشمل استئناف الحوار بين الحزب الحاكم والمعارضة البرلمانية ضمن ما يعرف باللجنة الرباعية. كما أعلن «تجميد التعديلات الدستورية لما تقتضيه المصلحة الوطنية»، وهي تعديلات يريد الحزب الحاكم الذي يتمتع بأغلبية مريحة في البرلمان إقرارها. والتعديلات كانت ستسمح لصالح بالترشح لعدد غير محدد من الولايات وإجراء الانتخابات التشريعية في أبريل المقبل، وهي خطوة تعتبرها المعارضة أحادية وترفضها. وأكد صالح ضمن مبادرته القبول بفتح سجلات الناخبين أمام من بلغوا السن القانونية، وهي خطوة تطالب بها المعارضة ومن شأنها أيضا أن تؤجل الانتخابات التشريعية. وبعبارات واضحة, قال صالح «لا تمديد ولا توريث»، في إشارة إلى عدم السعي إلى أي تمديد أو تجديد لولايته الحالية التي تنتهي في 2013، أو إلى توريث الحكم إلى نجله احمد الذي يقود الحرس الجمهوري في اليمن. كما دعا صالح المعارضة البرلمانية إلى «تجميد المسيرات»، وذلك عشية «يوم الغضب» الذي دعت إليه. وردا على مبادرة صالح, قال القيادي في المعارضة البرلمانية احمد صبري لفرانس برس «سندرس خطاب الرئيس ولو أن النقاط التي طرحها جاءت متأخرة». لكنه اعتبر ان «الدعوة لوقف التظاهرات غير مقبولة»، مؤكدا استمرار المعارضة في تنظيم تجمع شعبي. ومن جهته أيضا، أكد المسؤول في حزب الإصلاح الإسلامي محمد قحطان لوكالة فرانس برس ان «التظاهرة الخميس ستتم كما كان مقررا بحسب جدول أعمال المعارضة». وكانت صنعاء شهدت خلال الأسابيع الماضية عدة تظاهرات مطالبة بسقوط النظام, استلهمت شعاراتها من «ثورة الياسمين» في تونس التي انتهت بسقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما أن المعارضة كانت تستعد لتصعيد تحركاتها الاحتجاجية. وقال صالح «لن أكابر وسأقدم التنازلات تلو التنازلات من أجل المصلحة الوطنية»، مؤكدا «سأقول لبيك» لما يتم التوصل إليه عبر الحوار مع المعارضة. وتأتي تنازلات صالح للمعارضة في وقت تشهد فيه المنطقة حركات شعبية ضخمة مطالبة بالتغيير، خصوصا في مصر حيث يتظاهر مئات الآلاف من أجل إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك. وجدد صالح دعوته لتشكيل حكومة وحدة وطنية ووعد بإجراء إصلاحات في نظام الحكم المحلي لمواجهة «دعاة الفدرالية» على حد قوله. وقال انه «سيتم إجراء إصلاحات شاملة للحكم المحلي»، كما سيتم انتخاب المحافظين بشكل مباشر وذلك «لسحب البساط من تحت أقدام دعاة الفدرالية». كما أكد فتح قطاع الاسمنت والنفط والاتصالات والبنوك «للاكتتاب وتوفير فرص عمل للشباب» مشيرا إلى أن «شبكة الضمان الاجتماعي ستغطي 500 ألف حالة» في المرحلة المقبلة. وطلب صالح من الحكومة توظيف الشباب في القطاع العام ودعا مجموعة أصدقاء اليمن التي يفترض أن تعقد مؤتمرها المقبل في الرياض في مارس المقبل، إلى إنشاء صندوق لإنماء اليمن وان تتولى المجموعة بنفسها مشاريع التنمية في اليمن الذي يعد من أفقر دول العالم. وأكد صالح «لن نسمح بالفوضى». ودعا كل مواطن إلى الدفاع عن «عرضه وماله» وهي دعوة أثارت تساؤلات حتى في أوساط نواب حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. وكانت دعوة الرئيس الانتخابات في أبريل المقبل والتعديلات الدستورية التي طرحها الحزب الحاكم, جعلت الحوار مع المعارضة ينهار، ما بدد الأمل في انفراج في اليمن الذي يشهد اضطرابات على عدة مستويات. ويشهد جنوب اليمن حركة انفصالية تعاظمت بشكل كبير على مدى السنوات القليلة الماضية، وتحولت من حركة احتجاجية مع مطالب معيشية إلى حركة مطالبة بالانفصال والعودة إلى دولة الجنوب التي كانت مستقلة حتى العام 1990. وفي الشمال، يشهد اليمن حركة تمرد شيعية خاضت معها الحكومة منذ 2004 وحتى فبراير 2010 سلسلة من الحروب التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتهجير عشرات الآلاف. كما يواجه اليمن خصوصا تعاظم نشاط تنظيم لقاعدة الجهاد في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن معقلا له، ما حول هذا البلد الفقير إلى نقطة ساخنة في «الحرب على الإرهاب».