أقر الأديب المغربي أحمد المديني بأنه لأول مرة يحس فعلا بالفوز بجائزة، رغم أنه سبق له أن حظي بهذا النوع من التتويج في مناسبات سابقة، كان ذلك بمناسبة تسليمه جائزة محمد زفزاف للرواية العربية في إطار الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي، مساء الجمعة الماضي، وأبى إلا أن يهدي هذه الجائزة التي بلغت دورتها السابعة إلى روح الأديب الذي تحمل اسمه (محمد زفزاف)، وعيا منه بأن هذا الأديب لم يسبق له أن فاز بأي جائزة رغم أنه يعد قامة كبيرة في الإبداع الروائي والقصصي، أكثر من ذلك أنه كان يجد صعوبة في طبع أعماله الأدبية. كما تحدث الفائز بهذه المناسبة عن الوضع الراهن للرواية المغربية، معتبرا أنه بالرغم من عدد الإصدارات في هذا المجال وبالرغم من الجوائز المرصودة له، فإن القليل من هذه الروايات ما يكون ناضجا، كما أن الجادين في كتابة الرواية يشكلون الندرة، ففي اعتباره أنه لا ينبغي أن نكتب من أجل الفوز بجائزة ما، وأن الرواية التي تكتب من أجل نيل الجوائز عادة ما تكون دون المستوى، رغم اعترافه بضرورة هذا النوع من المكافآت، بالنظر إلى أن الكاتب يتوق إلى العيش بكرامة ويحتاج بالإضافة إلى ذلك الاحتفاء به ولو بشكل رمزي، والإحساس بأن كتاباته تحظى بالاحترام وبأنه جدير بالإبداع. وتحدث عن العلاقة الخاصة التي كانت تجمعه بالراحل محمد زفزاف ما دامت أن هذا الجائزة تحمل اسمه، حيث قال عنه إنه كان يعيش باختلاف عن مجتمع مألوف وأنه دشن الكتابة عن الطبقة المهمشة، وأضاف أنه لأجل فهم المجتمع المغربي يمكن الرجوع إلى كتابات محمد زفزاف السردية، كما ذكر أنه كان متقشفا في عيشه ولباسه، وفي مقابل ذلك كان مقبلا نهما على الحياة، كما تحدث عن الفترات الأخيرة من حياته، حيث طرأ تحول ملحوظ على سلوكه، فصار ميالا إلى العزلة والاندماج في الطقوس الصوفية كما تحدث عن تجربة معاناته من الداء الخبيث. وبمناسبة تسليم الجائزة، تحدث الأمين العام لمنتدى أصيلة محمد بنعيسى عن الفائز بها هذه السنة، مذكرا بأنه قامة أدبية وأكاديمية كبيرة، متفرد بأسلوبه الخاص في الكتابة السردية والنقدية، وأنه مشجع للمواهب الشابة، واعتبر هذه الجائزة مكافأة لمبدع جعل من الكتابة قوته اليومي، كما ذكر أنه كان صديقا للراحل محمد زفزاف الذي تحمل الجائزة اسمه، حيث خصه بكتابين على الأقل. وتحدث رئيس لجنة تحكيم جائزة محمد زفزاف للرواية العربية الإماراتي صالح العريمي عن القيمة الرمزية للجائزة، حيث اعتبر أن لها انعكاسا إيجابيا على الثقافة وعلى إنتاج مجتمع أكثر فهما لذاته وارتباطا بوجوده، انتقل إلى الحديث عن الفائز بها أحمد المديني، حيث ذكر باتساع العالم الإبداعي في أعماله السردية، وتفردها بالتقاط روح المجتمع وتحولاته، من خلال التعبير عن أزمات الذات الفردية والجماعية، فهذه التجربة الأدبية بالنظر إلى أصالتها وتفردها، كان من الطبيعي جدا أن تحظى باهتمام جهات متعددة على مستوى القراءة والتتبع والترجمة. ومن جهته، ذكر منسق الجائزة، الأكاديمي المغربي شرف الدين ماجدولين، أن الفائز بها هذه السنة، يعد روائيا بارزا وأكاديميا مرموقا وصديقا لموسم أصيلة، وأن تتويجه بها هو بمثابة اعتراف بتجربة أدبية استثنائية ذات حساسية سردية خاصة على الصعيدين المغربي والعربي، كما ذكر أن هذه التجربة خصبة ومسترسلة في الزمان، ذات جمالية خاصة، وأن تتويج هذه التجربة هو انحياز لأسلوب مختلف في الكتابة وانتصار للتجديد الروائي ببصيرة كاشفة، إذ يختصر زمننا وفضاءاتنا وينطقها ويخلق لها شخصياتها، كما أكد على أن الفائز بهذه الجائزة ربط مصيره بالكتابة، وأن كل المهن التي زاولها هي عبارة عن تنويع على شغف راسخ بالكتابة، كما تحدث عن تعدد التيمات في كتاباته القصصية والروائية، وكيف أنها تنم عن انشداده إلى نداء خفي لا منتهى له، كما لم يفته التذكير بالعلاقة التي كانت تربطه بالأديب الذي تحمل الجائزة اسمه، حيث كتب عنه العديد من النصوص وطبعها في أكثر من كتاب. كما تحدثت بهذه المناسبة الأساتذة فاتحة الطايب وحسين حمودة وفاطمة كدو وأمين الزاوي، باعتبارهم أعضاء لجنة تحكيم الجائزة، مذكرين بأن كتابات أحمد المديني ساهمت في إعادة النظر في مفهوم النص، حيث أن القارئ الذي يبحث عن المعنى في كتاباته، يجد نفسه مطالبا بامتلاك جهاز مفاهيمي خاص، كما تم التذكير بأن نصوصه تكشف عن عوالم مجهولة بخطابات مختلفة وأن صاحبها يولي عناية كبيرة بأداة الكتابة، حيث تتمظهر برصانتها وتجددها الدائم وطابعها المشاكس، وتمت الإشارة كذلك في هذه المداخلات إلى أن روحه مدسوسة في كل ما كتب، وأنه مسكون بقلق الكتابة، تجربته الإبداعية غنية ومستكشفة لأرض مجهولة، قيمتها مرتبطة بالمغامرة والوعي الإبداعي انطلاقا من ضمير إنساني يسائل الإنسان، وتم التركيز في بعض هذه المداخلات عن قيمة الوفاء في تجربته، خاصة الوفاء لإنتاجات الكتاب الراحلين، وأعطي نموذج عن ذلك بكاتباته عن المرحوم محمد زفزاف. وتمت الإشارة كذلك إلى أن كتابات الفائز بالجائزة ساهمت في إثراء الحياة الثقافية والعربية، وأنها مدروسة في البحوث الجامعية أكثر من غيرها من الكتابات، نموذج الجامعة بالجزائر، وتم التذكير كذلك بأن كتاباته اخترقت كل الأجيال، اعتبارا لأنه كاتب متجدد يوميا، ينوع في كتاباته، ما بين السرد القصصي والروائي والشعر والنقد وأدب الرحلة وغير ذلك. وبالمناسبة تم تسليم الفائز بجائزة محمد زفزاف للرواية العربية في دورتها السابعة أحمد المديني، درع وشهادة الجائزة. ولأحمد المديني العديد من الإصدارات الروائية، نذكر من بينها مع الإشارة إلى تواريخ صدورها: "زمن بين الولادة والحلم" (1976)، "وردة للوقت المغربي" (1983)، "الجنازة" (1987)، "حكاية وهم" (1993)، "طريق السحاب" (1994)، "مدينة براقش" (1998)، "العجب العجاب" (1999)، "الهباء المنثور" (2001)، "فاس لو عادت إليه" (2003)، "المخدوعون" (2005)، "رجال ظهر المهراز" (2007)، "هموم بطة" (2009)، "ممر الصفصاف" (2015).. بالإضافة إلى إصدارات في مجالات أخرى متعددة.