إنه كتاب صدر في طبعته الأولى عن دار النشر المغربية بعين السبع الدارالبيضاء سنة 2017. نحن أمام عنوان يحمل جملتين متضادتين، ولكنهما في نفس الوقت متكاملتان.. فهناك فعل محذوف يمكن تقديره كالآتي: (أتحدث قريبا من الخشبات، أتحدث بعيدا عنها).. والحديث هنا لا يشبه أي حديث بل هو حديث ذو شجون، حديث يجعل الكاتب في قلب الحدث، أعني هنا: "فعل المسرح"، سواء كان على الخشبة أم بعيدا عنها، لكنه في نفس الوقت قريبٌ منها لأنه لا ينفك منشغلا بها، يتحدث عنها بطريقة أو بأخرى. صورة الغلاف عبارة عن كولاج، في الخلفية على ما يبدو المسرح الوطني محمد الخامس، أو مسرح محمد السادس بوجدة، تتكون الخلفية أيضا من ستارة المسرح الحمراء في الأعلى والكراسي الحمراء أمام الستارة، كما يبدو انعكاس الإنارة جليا والتي يعاينها المخرج عبد الواحد عوزري في نظرة إلى أعلى وكأنه في حديث مع التقني المكلف بالمسائل التقنية، وإلى جانبه رفيقة دربه في الحياة وفي مسرح اليوم الفنانة الأستاذة ثورية جبران، هذا الثنائي بدوره يعكس الثنائيات المتضادة التي بني عليها العنوان، (رجل/ امرأة) (مخرج /ممثلة) (رئيسة فرقة مسرح اليوم/ مخرج فرقة مسرح اليوم).. كفاتحة لهذا الكتاب نجد الفنانة ثورية جبران أقول – الفنانة – بدل قولي – السيدة الوزيرة – رغم أن الصفتين معا، نالتهما عن جدارة واستحقاق، إلا أن وسام الفنانة يظل لصيقا بها. وتظل هي نفسها لصيقة به، لأن وظيفة المسرح تظل أكثر شموخا وأكثر حمولة لمعنى الحب والحياة والأمل والأفق المشترك، من وظيفة المناصب الوزارية أو الإدارية. أفق مشترك مع رفيق دربها ووالد ابنتها سارة، فهو مشاركها في الحلم، حلم الرقي بهذا الفن الذي عشقاه معا بنجاحاته وكبواته، نشاهد فنانتنا وهي تسمو بنفسها وعنفوانها على الخشبة، وكاتبنا وهو عائد من بلاد الغرب بشهادة جامعية عليا عن أبي الفنون مزودا برِؤاه الفنية التي لا تضاهى في زمن لا يضاهى فنيا وثقافيا.. إنه زمن نهاية الثمانينات. في الكلمة الافتتاحية للفنانة ثورية جبران والمعنونة ب "أفقنا المشترك" استرعتني قولة الفنانة ثورية جبران التي جاء فيها: "وهي نفسها الروح التي جعلتنا نؤسس تجربة مسرح اليوم المتميزة في الرصيد المسرحي الوطني والعربي، بما أرسته من تقاليد على مستوى التدبير والتنظيم والترويج"؛ وأسطر هنا على كلمات : "التدبير والتنظيم والترويج"، ذلك أننا هنا بصدد فرقة محترفة بحق.. ثم تأتي كلمة الأستاذ عبد الواحد عوزري والذي سماها "أما قبل" على غير العادة التي ألفناها في كتابة الرسائل والمقدمات "أما بعد". منذ البداية نجد أنفسنا أمام اختلاف بين وواضح، في وجهة النظر، وهل المسرح إلا اختلاف وجهات النظر وفي الرؤى والأحلام؟ في هذا التقديم أثارتني النقاط الثلاث الآتية: 1 – حديثه عن تشييد المسرح الجديد بالدارالبيضاء والذي يدخل في إطار الأجيال الجديدة من المسارح التي تشيد حاليا في المغرب حسب قول د عبد الواحد عوزري ص 7 . 2 – تساؤله عن السر وراء تشبت المغاربة بنماذج مسرحية دون غيرها (المسرح الفرنسي دون التشبت بالنموذج الإسباني وهو الأقرب لنا وجدانيا (علاقتنا بالأندلس تاريخيا) وجغرافيا أيضا. 3 – النقطة الثالثة تأتي في السطر الأخير من هذه المقدمة إذ يقول د عبدالواحد عوزري "فأنا بدوري أمارس الكتابة لطرح الأسئلة التي تؤرقني ولا أجد لها دائما كل الأجوبة". بعد ذلك نجد الكتاب مقسما إلى خمسة أقسام: القسم الأول يحمل عنوان: (قضايا) وتتفرع عنه أربعة عناوين: الأول يحمل عنوان/ عودة المسرح البلدي بالدارالبيضاء من جديد الثاني يحمل عنوان: المسرح المغربي والمسرح الإسباني (تاريخ مشترك ينتظر ابتكاره) وهي ورقة قدمت في إطار ندوة أقامتها مؤسسة المعهد الدولي لمسرح الأبيض المتوسط والمركز الأندلسي للمسرح تحت عنوان (المسرح المغربي/ المسرح الإسباني) في مدينة ألمريا من: 31 ماي إلى 2 يونيو 2007 الثالث يحمل عنوان: (في اللقاء مع المغفور له جلالة الحسن الثاني (حول وضع المسرح المغربي) في بداية التسعينات. الرابع يحمل عنوان: هل هناك فعلا هوية فرنسية صرفة؟ القسم الثاني يحمل عنوان (قراءات) وتتفرع عنه أربعة عناوين كبرى: الأول يحمل عنوان: الشيطان هو الضجر قراءة في كتاب المخرج الانجليزي بيتر بروك الثاني يحمل عنوان: الكتابة المسرحية الجديدة بالمغرب الثالث يحمل عنوان: كاتارسيس لمحمد بهجاجي الرابع يحمل عنوان: الطيب الصديقي أو (مكانة صاحب مسرح الناس) أما القسم الثالث فيحمل عنوان (شهادات) وتتفرع عنه العناوين التالية: دام لنا غناء ناس الغيوان بالاشتراك مع ثورية جبران لطيفة الجبابدي (امرأة في حجم تطلعاتنا في الماضي .. وفي المستقبل) السلام عليك السي الطيب الصديقي مبدعا خالدا متفرج اسمه فرنسوا ميتران فلسطين التي ….. القسم الرابع فيحمل عنوان( مسارات) ويتضمن هذا القسم مجموعة من المسرحيات التي قدمها مسرح اليوم على خشبات المسارح المغربية وكذلك على مسارح الدول العربية والدول الغربية بدءا بمسرحية "حكايات بلا حدود" والتي قدمت لأول مرة بمسرح محمد الخامس عام 1985 باسم محترف الفن المسرحي وانتهاء بمسرحية "ياك غير أنا" والتي قدمت على خشبة مسرح محمد الخامس لأول مرة بتاريخ 10 يناير 2003 ويختم د عبد الواحد عوزري كتابه هذا بحوار أجراه معه الكاتب المسرحي والنقاد الألمعي ذ محمد بهجاجي .. إنه حوار ذو شجون بين علمين من أعلام المسرح المغربي كتابة ونقدا ورؤية .. مع الإشارة إلى أن هذا الحوار تضمن الحديث عن عدة أعمال مسرحية كانت تحضره معهما في الغالب الأعم الفنانة ثريا جبران.. ما أثارني في هذا الحوار الجريء الغني بأفكاره الثاوية بين سطوره هو جملة قالها الأستاذ عبد الواحد في ص 133 "بالنسبة لاشتغالي في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة منذ سنة 2007 (بالطبع ينبغي أن أنتظر إلى حين انتهاء هذه المهمة للحديث عنها بدون تحفظ تفرضه المسؤولية). وبالمناسبة أود أن أطرح على الدكتور عبد الواحد عوزري السؤال المباشر التالي: الآن وقد انتهت مهمة اشتغالك في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، هل تفكر في الكتابة عن كل الإيجابيات والسلبيات التي واجهتك في عملك وأنت تشرف على قسم المسرح بهذه المؤسسة؟ وفي اعتقادي ستكون سابقة أظنك ستساهم بها في إغناء الخزانة المسرحية والإعلامية، خصوصا وفي حدود علمي ومعرفتي المتواضعة ليس هناك كُتاب سلكوا هذا النوع من الكتابة إذا ما استثنينا المرحوم عبد الله شقروون .