ترأست سمو الأميرة لالة حسناء، مساء الجمعة الماضي، بفاس، حفل افتتاح الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان الموسيقى العالمية العريقة، الذي ينعقد هذه السنة، تحت شعار "معارف الأسلاف وتجديد مدينة فاس". وقد كان يتقدم الحاضرين عدد من الشخصيات الفنية والرسمية بينهم وزير الثقافة والاتصال محمد أعرج. وتستقطب هذه الدورة، التي تستمر حتى الثلاثين من شهر يونيو الجاري، مجموعات وفنانين، أثبتوا علو كعبهم في الإبداع الغنائي والموسيقي في تجلياته الروحية، من شتى أنحاء العالم. ومن مميزات حفل الافتتاح أن وقع اختيار المنظمين على عرض شعري/ موسيقي يحتفي بالصنعة كموروث ثقافي عن الأسلاف وعلاقته بالمقدس. وحسب بلاغ للمنظمين فإن التقاليد الإسلامية والعربية تربط الحرفية بإلهام إلهي أوتوجيه نبوي، معبرة بذلك عن الرغبة في إدماج الحرفة في حكمة وروحانية مناسبة ويومية، فالصانع الذي يخدم المادة، كالمتصوف أو المثقف الروحاني، الذي يعيد تشكيل الروح كي ينتج صورة عن الكون بأشكاله وألوانه، والحركة الحرفية هي جزء من نشاط الروح المبدعة للكون، وقد مثل هذا العمل الإبداعي استحضارا شاعريا وموسيقيا، جسده فنانون موهوبون، مغاربة ومن العالم العربي، كما شكل لحظة استثنائية، سافر من أثناءها الحضور، لاكتشاف معالم الغنى الحضاري، المغربي، عبر الموروث الثقافي اللامادي. وستضم البرمجة الموسيقية للمهرجان هذه السنة أزيد من عشرين بلدا: من بينها الهند وباكستان وإيران ومن بين أهم فقراتها، من التضامن الدولي مع غوران بيرغوفيتش ورسائله إلى سراييفو، إلى النسيج الموسيقي المنظم من طرف جوردي سافال في عرضه "ابن بطوطة، رحالة الإسلام"، إلى غوسبيل دو سوفيتو من جنوب إفريقيا "إلى قلب إفريقيا الصوفية"، مع مجموعة متندوني مولد زنجبار، ومجموعة مصر العليا وغناء الخضر الصوفي من السنغال، والبرمجة الموسيقية لشتات طائفة السيفراد. ككل سنة يستدعي المهرجان إليه كوكبة من الفنانين الجديرين بقيمة المدينة، وقيمة الحدث الثقافي الكبير، الذي تم تصنيفه سنة 2001 من طرف الأممالمتحدة كواحد من التظاهرات الهامة التي تساهم في حوار الحضارات. هذا، وقد سبق لدوراته السالفة أن استضافت نجوما لامعة في سماء الموسيقى العالمية، نذكر من بينهم دجون بايز، باتي سميث، بيورك، بن هاربر، باكو دي لوسيا، رافي شانكار، ويليام كريستي، باربرا هندريكس، راندي ويستون، يوسو ندور وساليف كيتا. ويبدو أن هذه الدورة لن تشذ عن القاعدة، حيث تعرف مشاركة أسماء كبيرة، وفق برمجة متنوعة من التعبيرات الفنية لمختلف عادات وثقافات شعوب العالم، مع تقديم هوية المدينة وموروثها الثقافي والإبداعي، الخصوصية والاختلاف. ولكي لا يكون الاحتفاء بالموسيقى حكرا على فئة بعينها برمج المهرجان العديد من الحفلات الموسيقية المجانية والمفتوحة في وجه العموم فضلا عن أنشطة متنوعة أخرى. وتتوزع أنشطة الدورة على العديد من المواقع، أهمها باب المكينة التاريخي، ودار اعديل، وساحة بوجلود، وحديقة جنان السبيل. المنتدى: ومن جهة أخرى أطلق منتدى مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، الذي يقام بالتوازي مع الفقرات الفنية، أشغاله أول أمس السبت، على أن يختتم يومه الاثنين، وعرف مشاركة العديد من الباحثين، الكتاب والفلاسفة الذين سلطوا الضوء على روح التسامح والتعايش من خلال الفنون والموسيقى. وتمحور حول قضايا متنوعة من قبيل "التراث المكتوب في زمن التحولات التكنولوجية"، و"المعمار الأندلسي كمصدر إلهام للهندسة المعمارية المعاصرة"، و"الموسيقى المقدسة في العالم.. تراث لا مادي لحوار الثقافات". وتروم هذه الدورة العمل على استدامة روح المدينة، وذلك بفضل التقاطعات الموجودة بين مختلف العادات الثقافية التي تشكل بوتقة تاريخ المغرب، ولكن أيضا الحرفية التي تعد أصل النسيج الاجتماعي الذي يؤلفها. وأوضح رئيس مؤسسة "روح فاس" عبد الرفيع زويتن ، أن هذا المنتدى يتناول موضوع معارف الأسلاف، لكون العاصمة الروحية تعرف تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس "تجديدا استثنائيا"، و"تغيرا عميقا"، لاسيما بفضل برنامجها لتأهيل وإعادة تجديد المدينة. وقال زويتن إن هذا البرنامج لا يهم فقط "تجديد المعالم الأثرية لكنه يهدف أيضا إلى بعث الحياة من جديد في هذه الأماكن المميزة"، مضيفا أن المنتدى الذي يجمع ثلة من الباحثين والأكاديميين من جميع أنحاء العالم، ناقش العديد من المواضيع المتعلقة بمعارف الأجداد اضافة الى الاحتفاء بمواهب الحرفيين والمعلمين بفاس. من جانبه، يرى إدريس خروز، المدير العام لمؤسسة "روح فاس" المنظمة للمهرجان، أن المعارف التقليدية لا تعني فقط الموروث والتراث والمعارف، بل تعني أيضا الثقافات والممارسات والخبرات والفنون والحرف التي تشكل السلوكيات اليومية وأنماط الحياة، وقبل كل شيء، العلاقات التي تنتقل من جيل إلى آخر. ويعتبر المهرجان نقطة ضوء من حيث تركيزه على الفنون الحقة والخالدة والأفكار، عكس أغلب التظاهرات الموسيقية التي تحتفي بموجات الموضة العابرة، التي سرعان ما تخبو ولا يبقى لها أدنى أثر ممتد، وهذا لا يختلف مع روح مدينة فاس الراسخة في قلب التاريخ العميق، لبلادنا والتي ازدهرت بها الحرف والصنائع، والأفكار، وبديع القول وفن العيش. مبعوث بيان اليوم إلى فاس: