الامتحانات المدرسية موضوع يستحق التوقف عنده، فالامتحان عدا كونه نواة مرحلة التعليم والمعيار الأساسي الذي تتبلور في إطاره كفاءة الطلاب، فهو أيضا المحور المقلق بالنسبة الى كل طالب. إن الخوف من الامتحان شعور محبط، يشتت الفكر ويهز الثقة بالنفس ويجعل الطلاب يتخبطون في عجز معنوي وإرادي نتيجته الفشل والإخفاق. ولعل الخوف من الامتحان هو أبرز مشكلة يعانيها الطلاب. فالخوف يؤدي الى فقدان التوازن الفكري ويسبب ارتباكا ذهنيا يؤثر سلبا على التركيز والذاكرة والذكاء ويتحكم في الإرادة. وعموما، الخوف والقلق ميزة سلبية ودليل وجود ثغرة عميقة تهدد أساس البناء المعنوي الذي يستوعب كل طاقة مثيرة للنشاط الفكري والذهني ويغذيها لتثمر. والقلق من الامتحانات يؤكد وجود أزمة معنوية يعيشها الطالب، وهو ليس محصورا بعمر معين وأسبابه متعددة، فما هي العوامل التي تحرك نوازع القلق؟ وكيف نساعد أولادنا ليتجاوزوا هذا الشعور المحبط بسلام؟ الفترة الأصعب فترة الامتحانات هي الأصعب بالنسبة الى الطلاب، فما إن يقترب موعدها حتى يبادروا الى الانكباب على الدرس والمذاكرة، فنجد الطالب يستنزف كل مدخراته الفكرية والذهنية وتصبح كتبه شغله الشاغل، علما أن الطالب الناجح يطاله التوتر تماما كالطالب الذي سبق له أن سجل رسوبا وإخفاقا وفشلا. ومن إيجابيات القلق أنه يحث الطلاب على المثابرة والتركيز ومضاعفة الجهد في سبيل تأكيد نقاط النجاح. فالكل يدرك أن الإهمال لا يورث إلا الفشل، وأكثر ما يقلق الطلاب في فترة الامتحانات وعلى مدى العام الدراسي هو قطف ثمرات التفوق. واللافت أننا نجد البعض يراهن على تفوقه على زملائه فيتحدى الأوائل منهم وكأنه يدخل في منافسة معهم، فيكثف الجهد ويكون شديد الحرص على التركيز والاستذكار، ويستغل كل وقته للاستعداد للامتحان وكأنه يواجه حربا لا امتحانا ويطمح لأن يسجل انتصارا. أن يراهن الطالب على نجاحه، أمر جيد، فالمنافسة تدعم النجاح وترفد موطن القوة وتحث الطالب على تهميش الفوضى من قاموسه. وإذا كانت التربية الأسرية والمدرسية إعدادا للحياة السوية المتكيفة، فلا بد أن يكون لها دور إيجابي في وقاية الطلاب من المشاعر السلبية التي تكمن وراء كل أزمة نفسية تساهم في هبوط الروح المعنوية وتأتي ردود فعلها مبددة لطاقات الطالب لتترك بصمات سلبية في نفسيته ومزاجه وسماته الشخصية بشكل عام. القلق من الامتحان أن تكون الامتحانات من المواقف المثيرة للقلق أمر طبيعي، فالقلق كما يقول هبنر (Hepner)، عبارة عن استجابة انفعالية لموقف معين، وإذا كان القلق له ما يبرره فلا يعد مشكلة، خصوصا إذا كانت أسبابه معلومة ولا تشكل تهديدا لاستقرار الشخص وتوازنه الانفعالي، فالموقف الذي لا يجعل من القلق سمة دائمة لا يكون حالة مرضية يصعب علاجها. ولكن حين يكون القلق عنيفا ويجعل صاحبه ينظر الى الحياة نظرة ضبابية يصبح حالة مرضية معقدة. وتأتي حالات القلق متفاوتة من طالب الى آخر من حيث الشدة. فالطالب الواثق من نفسه لا يهاب الامتحان ويكون مطمئنا وهادئا في انتظار النتائج المدرسية، وبمنأى عن التوتر والمزاج الاكتئابي حتى لو صاحَبه شعور بالقلق، غير أن القلق هنا يكون عاديا ومحتملا ويمكن تصنيفه على كونه نوعا من الحماسة والرغبة في النجاح. أما الطالب الذي يكون مهملا وسلبيا في الاستيعاب والفهم والاستذكار وعاجزا عن التزام قواعد التعلم، ولا يتحلى بالوضوح والحزم والتكيف الايجابي مع الدراسة، فيستبد به القلق الشديد ويسيطر عليه التفكير الإنهزامي ويختلط الشعور باليأس بشعور الرفض ليولّد حالة ضياع نفسي وفقدانا للتوازن الايجابي. وتصبح حالة الطالب مقيدة في إطار مأسوي فيعاني الصراع والقلق الحاد لشدة خوفه من الرسوب وإحساسه بفشله الحتمي. إن مثل هذا القلق المقرون بالتشاؤم والإحباط ينذر بالسوء بيدَ أنه يزيد من إمكان تعرض الطالب للانهيار، وما يعقبه من شعور بالندم لأنه عجز عن كسر طوق الفشل ليواجه مشكلة أخطر ما فيها أنها تشل إرادته وتعرضه للإحباط. أسباب الفشل أو الرسوب يرى اختصاصيون في علم النفس التربوي أن الإحساس بعقدة النقص، والخوف والحرمان والضغوط يمكن ان تحدث تصدعا في كيان الطالب وترجح فشله. ومن الأمور السالبة المرتبطة بإثارة القلق إزاء الامتحانات، الاعتماد على الحفظ الآلي، وتكدس المواد وازدحام المناهج والمقررات الدراسية بما يفوق قدرة الطالب الذي احيانا ولشدة تحمسه للنجاح يعيش حلم التفوق مسبقا، فالامتحانات الفصلية تضعه امام استحقاق حاسم ومقلق، والخوف من التراجع أو الرسوب قد يجعله يجد في عملية الاستذكار مسألة مربكة، والبعض منهم قد يتوقع الأسوأ ويلوذ الى التشاؤم، ولذلك يجب تهيئة الطالب ليكون مستعدا لخوض الامتحان مدعوما بمعنويات عالية. ويعاني بعض الطلاب حالات القلق المحبط التي قد تحول بينهم والنجاح وأكثرها نابع من التلميذ نفسه، ومنها: نظرته السلبية نحو قدرته، فعندما ينظر الطالب الى نفسه نظرة دونية يتملكه الإحساس بعقدة النقص وتساوره أفكار سوداوية تبرر الافتراض لديه بأنه ليس جديرا بكسب النجاح وتنقصه القدرات التي تعطيه التهيئة اللازمة والتي تشمل الذاكرة والذكاء، وهذا الشعور السلبي ليس في مصلحته ويكون مصدرا للقلق ولكل فشل يعرفه. فالإحساس بالنقص والقصور وفقدان الثقة بالنفس وغير ذلك من المشاعر الهدامة، يمتص الطاقة ويتسبب في هبوط الروح المعنوية وانخفاض مستوى الطموح نحو الإنجاز والتحصيل السويّ. في المقابل، البعض ينظر الى قدراته نظرة مبالغ فيها، ويرسخ لديه اعتقاد أن مستواه يفوق مستوى رفاق الصف، ويرى في نفسه كفاءة عالية ويملك صفات الطالب الناجح بامتياز، وفي الواقع، تكون هذه الصورة التي يرسمها لنفسه زائفة، وفي هذا ضرر له، لأنه ينصرف الى الإهمال وتفتر همته، فيتجاهل واجباته ويتغرب عن واقعه المفروض أن يكون فيه أكثر عمقا ومسؤولية، ويحتم عليه المذاكرة والاسترجاع الذي عن طريقه يستحضر من ذاكرته ما سبق أن مر بخبرته من مهارات تعلمها وتقوم على أساسها خاصية الامتحان… وبطبيعة الحال، تقوده لامبالاته الى مشاركة عديمة الجدوى في الامتحان ويظل متأرجحا بين حبال القلق حتى ظهور النتائج… والمؤسف أنه إذا حدث أن أصاب تراجعا أو تلقى خبر رسوبه يعاني صدمة قاسية، فعدا إحساسه بالذنب والندم لأنه غالى في إهماله، وما توقعه في نواحي قدراته لم يكن منطقيا. وهنا يشعر أنه عاجز عن تجاوز الصدمة حيث يصبح الموقف بالنسبة اليه مهددا لاحترامه لذاته، فيبحث لنفسه عن حجة يتعلق بها للتهرب من المسؤولية ويدفعه قلقه لإسقاط اللوم على طرق التدريس وأسلوب مدرسيه ولا يستثني من حساباته أبويه، فيشتكي إما من تقصيرهما أو من تأنيبهما وكثرة ملاحظاتهما له والضغط عليه ليضاعف مجهوده تجنبا لأي فشل. ويعتبر أن أزمته مع مجتمعه المدرسي مردها الى عوامل خارجة عن إرادته تحدث عطبا في نشاطه، وفي كل ذلك يظهر جليا قلقه الذي يقترن غالبا بعلاقة متأزمة مع واقعه اليومي. كونوا متفائلين لا شك أن الاتصال بالواقع بنفسية متفائلة ضروري. فالتفاؤل من العناصر المحفزة إيجابا فهو يرفع الطاقة ويوجهها للإنجاز الموضوعي – البناء، ولكنه ليس كافيا لتحصيل النجاح، فالنجاح يرتكز على الجهد والمثابرة ومستوى الانتباه والتركيز والتقدير العقلاني والإرادة والذكاء، وعندما يكون التفاؤل مدعوما بهذه المعطيات يمكن للطالب ضمانة تفوقه… أما عدم الاكتراث والخمول والتسلح بقناعات تهمش قدرات التلميذ فيجعل تفاؤله يذهب أدراج الرياح ليحل مكانه التشاؤم والقلق والإخفاق. من الثابت أن أسباب القلق عديدة، ولكننا نستطيع أن نتقي خطر الإصابة به وهذا يشترط مراعاة عوامل متعددة، أبرزها: توفير المناخات المشجعة والمناسبة التي تساعد التلميذ على الانطلاق في الحياة المدرسية بنفسية متكيفة وذهنية صافية لا تشوبها أية شائبة، وكي لا يجد نفسه وسط دائرة تتجاذبه فيها تيارات القلق والإحباط. على الأهل والمدرسين معرفة سبب قلق الطالب فإذا عرف سبب العلة سهل علاجها.. وأيضا يجب إشباع الحاجات الملحة من الحب والدفء بعيدا عن المغالاة قدر الامكان. عدم زج الطلاب في المشاحنات العائلية ومشكلات الأسرة، وفي المدرسة يجب تشجيعهم على الابتكار، فذلك يعزز ثقتهم بنفسهم التي تشكل حافزا مهما وضروريا لمواجهة المواقف بمرونة وجدية، والابتعاد عن تكليف الطالب بما يفوق مستوى طاقته لئلا يخلق ذلك لديه نوعا من عدم الثقة بالنفس. قد تعمل السلطة العائلية والمدرسية على زرع الخوف من التعبير عن الرأي وطرح الأسئلة وممارسة النشاطات أو الهوايات التي تثير حماسة الطالب للاختبار والإبداع، وهذا يؤدي الى خجل الطالب والإحساس بصعوبة التواصل مع مرحلة التعلم، والقلق من العجز عن المشاركة الموضوعية، وتوقع الفشل باستمرار، وطبعا، هذا الاتجاه من قبل الأهل والمدرسين غير مقبول لأنه يؤسس لتكوين مشاعر القلق والتوتر العصبي ودمجها في سلسلة الحياة النفسية والوجدانية ليصبح القلق بمرور الوقت شعورا متمكنا في ذاتية الطالب من الصعب استخراجه بسهولة. المفروض أن يتسم الطالب بقوة الإرادة والثقة العالية بالنفس، وألا يستجيب بسرعة للمثيرات التي تبعثر القدرة الذهنية وتشتت التفكير والقدرة على الاستيعاب، وأن يتجنب الاستهتار والتهور وألا يتأثر بالمظاهر المرضية المعقدة التي تنعكس على أدائه سلبا وتوسمه بسمة الفاشل. نصائح عملية يفضل إعطاء الطلاب فترة للتنفس وفترة راحة بين الحين والآخر (بعد 2-3 ساعات من الدرس)، مع الابتعاد عن اللعب الأجهزة الالكترونية، لأنها لا تساعد على الاسترخاء بل بالعكس ترهق الطالب أكثر. وإذا كان لا بد من استخدام، على الأهل إجراء اتفاق مع أبنائهم بتخصيص فترة الاستراحة المسائية مثلا لحصة لعب محدودة. وينصح الطلاب عوض ذلك باللجوء إلى الرياضة كالمشي الذي ينشط الدورة الدموية ويحفز الدماغ ويحسن المزاج. ومن المهم أن يعمل الطالب وفق برنامج محدد وضعه بنفسه يتماشى مع قدراته وطاقته. وعند الوصول إلى موعد الامتحان، على الطالب أن يتوقف عن الدرس قبل يوم من الامتحان وتجنب الدراسة في الساعات الأخيرة قبل الامتحان لأنها ستضاعف الضغوط وترهق دماغه وتفاقم خوفه أكثر. لذلك وتفاديا لأي ضغوط نفسية، يمكنه الاعتماد على ملخص عام أعده بنفسه بوقت سابق لسيساعده على التذكر في وقت أسرع. لكن هذا ليس كل شيء، فعلى الطالب أن يهتم بنومه وغذائه كما يهتم بدروسه، لأنهما يساعدانه على التركيز أكثر مع الابتعاد عن المواد المنبهة والمنشطة أواستهلاكها بأقل قدر ممكن. فالحرص على اتباع نظام غذائي سليم مهم جدا، وينصح الطالب بتناول ما يحبه قبل يوم الامتحانات ليشعر بالسعادة والراحة. إذا، أمور بديهية مترابطة بينها، فمن النمط اليومي والعادات الغذائية إلى الراحة النفسية، مما من شأنه أن يؤثر على قدرات الإنسان وواجباته، لذلك من المهم عدم إهمالها أو الاستخفاف بها. لكن تبقى القاعدة الأساسية والأهم وقوف الأهل إلى جانب أبنائهم في هذا النهار المصيري والذهاب معهم إلى مكان الامتحان، خاصة إذا كانت أو لتجربة لهم، فهم بحاجة إلى الشعور بالأمان والتماس الدعم المعنوي لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتأمين راحتهم.