حين مراجعة المجاميع القصصية المغربية وكذا الأجنبية التي صدرت على امتداد عدة عقود، سواء للرواد أو للكتاب الجدد على حد سواء، من النادر أن نعثر على نموذج منها يتناول الموضوع الذي له ارتباط بشهر رمضان. هل معنى هذا أن الشهر الكريم لا يوحي للأدباء بأي شيء؟ الملاحظة الأخرى التي يمكن تسجيلها ونحن بصدد إعداد سلسلة من النصوص القصصية للنشر في هذا الفضاء الرمضاني، هو أن أغلب هذه النصوص تتطرق إلى يوم بعينه من رمضان، ألا وهو يوم السابع والعشرين، أو ليلة القدر بالأحرى، وهذا ليس مفاجئا، على اعتبار ما تحبل به هذه الليلة من رموز وإيحاءات. إننا نفتقر إلى أنطولوجيات في مختلف فنون الأدب، تخص موضوعات بعينها. إن عملية جمع النصوص الخاصة برمضان، بقدر ما هي متعبة؛ فهي كذلك ممتعة ومفيدة، ولا شك أن مكتبتنا بحاجة إلى هذا النوع من الأنطولوجيات التي تتيح لنا الإحاطة الشاملة بالنصوص التي تتناول موضوعا أو قضية بذاتها، بأصوات متعددة. السابع من رمضان خرجت من الغرفة متسلسلة خوفاً من استيقاظ علي. كنت أعلم أن أمي تعد "السحور". في المطبخ .. مررت عليها وألقيت عليها التحية. نظرت إلي باستغراب: – استيقظت؟ بل لم أنم! تمتمت في نفسي: وكيف يحلو لي النوم في هذا اليوم .. إنه السابع من رمضان. توجهت إلى مائدة الطعام .. أخذت مكاني .. نظرت إليه. كان يجلس إلى جانبي كعادته. كانت عيناه تبتسمان ووجهه مشرق كما لم أعهده من قبل. – إذا بقيت تنظرين إلي هكذا ستسمعين صوت الآذان قبل أن تأكلي لقمة واحدة. – وجهك مشرق اليوم. تصنع الغضب قائلاً: وهل كان مظلماً؟! ضحكت .. وضحك.. وبدأنا الأكل. هممت بالقيام عندما انتهيت. لكنه أمسك بيدي وأجلسني. بدأ يتحدث: – أوصيك بنفسك وبعلي .. لا يزال صغيراً ويحتاج الكثير من التربية والتعليم. حفظيه القرآن وأرسليه إلى المسجد. وقاطعته: – وأنت؟ – دعيني أكمل كلامي. صمتت على مضض. – أخي محمد له نصف الدكان فكما تعلمين هي ورثنا عن أبي وهي مناصفة بيننا .. وأدين لأبي عمر بمائة دينار. صرخت: – لا تكمل .. لا تكمل .. وهرعت إلى المطبخ. لم أستطع حبس دموعي. أحسست به يربت على كتفي. مسح دموعي وضمني إلى صدره قائلا: الدنيا حياة وموت ولا بد أن تعرفي بهذه الأمور – مع أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتحدث بها عماد بهذا الأسلوب إلي. شعرت بشعور غريب. صلى الفجر لكنه لم ينم. بقي مستيقظاً يقرأ القرآن. ألا تنام؟ أمامك نهار طويل من العمل الشاق – منذ بدأ رمضان وأنا مقصر بتلاوة القرآن. لم يقنعني كلامه.. فأنا أعلم أنه لم يترك القرآن يوماً. خرج إلى عمله صباحاً كعادته .. وأنا انشغلت بترتيب البيت وإكمال أعمالي الناقصة. مر النهار سريعا كنت منشغلة بتحضير الطعام حين رن الهاتف عصرا. – أهلا عماد. كان على عجلة من أمره. لم يرد التحية، قال: – لن آتي الآن سأتأخر قليلاً لدي عمل. أعددت الطعام ووضعته على مائدة الإفطار. لم يبق سوى دقائق على الآذان. كان لساني يلهج بالدعاء بتلك اللحظات وعلي يسأل عن أبيه بين الحين والآخر. رن الهاتف من جديد .. كان المتحدث أخو عماد.. كان يتحدث بارتباك. صمت قليلا ثم قال: عماد استشهد. – لم تحملني ساقاي. انهرت ساقطة على الأرض.. كان الخبر كالصاعقة. كنت أتوقع خبر استشهاده كل وقت. لكن لحظة الحقيقة ووقع الحدث أصعب من التخيل. انخرطت في موجة بكاء عارم. لا أدري بعدها ماذا حدث. فقد أغمي علي. أحسست بشيء ناعم يلامس خدي. كانت يد أمي تمسح دموعي .. ضمتني إليها .. همست في أذني: الله يرحمو ويتقبلو شهيد. –