أدى اكتشاف إسرائيل لمخزونات من الغاز الطبيعي في حقول بحرية شرق البحر المتوسط إلى إجبار العديد من الأصدقاء والأعداء في المنطقة إلى إعادة النظر في إستراتيجيتهم للطاقة, حسب ما يرى محللون. فاليونان التي استقبلت وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان في زيارة استمرت ثلاثة أيام هذا الأسبوع, هي واحدة من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة التي بدأت في التخطيط لخطواتها المقبلة. وأدى اكتشاف الحقول العام الماضي وأهمها حقل ليفياثان البحري الذي يعتقد انه يحوي نحو 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي, إلى انفراج دبلوماسي بين إسرائيل وقبرص تمثل في ترسيم الحدود المائية بينهما. وصرح ثانوس دوكوس المدير العام للمؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والأجنبية لوكالة فرانس برس أن «اكتشاف حقل ليفياثان أدى إلى تسريع التطورات. فما يجري الآن هو إعادة ترتيب للأوراق». إلا انه أشار إلى أن هذا الاكتشاف أدى إلى خلاف الدول الخمسة المعنية به وهي إسرائيل وقبرص وتركيا ولبنان واليونان. وقال إن الاتفاق الإسرائيلي مع قبرص في ديسمبر لتسهيل التنقيب المستقبلي لحقول الغاز الطبيعي أغضبت تركيا التي لا تعترف بالحكومة القبرصية اليونانية, بينما تشكك لبنان في حقوق إسرائيل البحرية في المنطقة. وقبل أشهر, اندلع التوتر بين تركيا وإسرائيل بسبب غارة شنتها القوات الإسرائيلية على سفينة تحمل نشطاء أتراك كانوا متوجهين إلى قطاع غزة مما أدى إلى مقتل تسعة منهم. ولم ترسم إسرائيل رسميا حدودها البحرين مع لبنان. ولا تقيم تركيا علاقات مع الحكومة القبرصية اليونانية ولا تعترف سوى بالحكومة التركية القبرصية المنشقة التي لا يعترف بها المجتمع الدولي. ووقعت قبرص اتفاقيات ترسيم مياه مع كل من مصر ولبنان اللذين وافقا على الاستكشاف المشترك لمخزونات الهيدروكربون الواقعة على الحدود المشتركة بينهما. ولا تمتلك اليونان حليفة قبرص, أي حصة في المنطقة التي تم اكتشاف الغاز فيها, ولم ترسم حدودا للتنقيب مع أي من جاراتها. إلا انه من المؤكد أنها ستستفيد من ذلك الاكتشاف إذ إنها تقع على طريق عبور الغاز إلى القارة الأوروبية كما أن علاقاتها مع إسرائيل تحسنت كثيرا خلال الأشهر الماضية. وتعاني اليونان من أزمة اقتصادية كادت أن تؤدي بها إلى الإفلاس العام الماضي وتحتاج إلى استثمارات كبيرة للتغلب على الركود المستمر الذي أدى إلى خسارة الآلاف لوظائفهم. كما يراقب الاتحاد الاوروبي الذي واجه صعوبات بسبب توقف إمدادات الغاز بسبب خلافات بين روسيا وأوكرانيا, التطورات باهتمام. وقال محلل الطاقة ثيودور تساكيريس مدير السياسات في المركز الهيليني للدراسات الأوروبية إن «احتياجات اوروبا من واردات الغاز يتوقع أن ترتفع من ستين بالمائة حاليا إلى تسعين بالمائة بحلول 2025». وبعد الاتفاق بين اسرئيل وقبرص, تزايدت الدعوات في اليونان للتنقيب عن حقول يشتبه في احتوائها على الغاز والنفط في المياه اليونانية. وقال تساكيريس «يسود شعور بان لدينا كنز تحت المياه قبالة جزيرة كريت (...) لكن المشكلة هي انه ليست لدينا أية فكرة عن ما هو موجود» هناك. وعززت الحكومة اليونانية التكهنات بتسريعها خططا لتشكيل هيئة تنظيم حكومية للتنقيب عن مخزونات النفط والغاز بحلول العام المقبل. والشهر الماضي قال نائب وزير الطاقة اليونانية إن عمليات التنقيب الأولية أسفرت عن رصد مصادر هيدروكربون في كافالا وابانومي شمال شرق اليونان, وفي كاتاكولو في البيلوبونيز, وفي البحر الأيوني وفي المياه جنوب جزيرة كريت. إلا أن أثينا اختارت حتى الآن التقليل من أهمية هذه التقديرات. وصرح رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو للصحافيين في 2009 «ليس لدينا نفط أو على الأقل لم نعثر على أي نفط حتى الآن». وقال وزير الخارجية ديميتريس دراوتساس الاثنين الماضي إن «الحديث عن تحول اليونان إلى قطر ثانية غير صحيح». وتنتشر شائعات كذلك بان بحر إيجه يحتوي على مخزونات من النفط. إلا أن احتمالات توصل اليونان إلى اتفاق مع تركيا بشان التنقيب عنه قليلة للغاية. فالدولتان بينهما خلافات عميقة حول المجال الجوي فوق بحر إيجه وحول قاع البحر, وواجهت الحكومات اليونانية رفضا شعبيا لتقديم أية تنازلات لانقرة. فعندما زار باباندريو تركيا الأسبوع الماضي وعقد محادثات مغلقة مع نظيره رجب طيب أردوغان, اتهمته أحزاب المعارضة والعديد من وسائل الإعلام بأنه يجري «دبلوماسية سرية» مع تركيا حول المسالة. إلا أن دراوتساس اكد ان بلاده تجري محادثات مع ليبيا ومصر وتركيا. وقال إن «ترسيم المناطق البحرية هو هدف استراتيجي ومركزي لهذه الحكومة والحكومة (المحافظة) السابقة». وقال الوزير اليونان لإذاعة ريال «نحن على اتصال مع الدول المجاورة ونجري محادثات. ولكن ليس من الضروري آن يجري كل ذلك في العلن».