تعتمد التشكيلية السعودية غادة الحسن على بعض مقومات فن الكولاج بوسائط مختلفة، باعتبارها وحدات بنائية لتثبيت أسس الفضاء الفني في أعمالها، فعملية البناء لديها تقوم على الرمز والعلامات والأشكال المباشرة التي تنتج تعدد الدلالات، وهي توفر لذلك جملة من المواد والوسائل والآليات بتصورها المخالف للمألوف، عن طريق إنشاء نظام طبقات الخامات المتداخلة مع الأشكال والعلامات المثبتة بتقنيات عالية ومهارات كبيرة، تروم التوليف والانسجام بين كل العناصر. إنه تطبيق عملي وفق رؤى وتخييلات المبدعة التي تتخذ من مختلف عمليات التوظيف أشكالا جمالية تتيح للبناء البصري صياغة تصويرات تتفاعل مع مقومات أعمالها وتستنطق مخزوناته الإبداعية، وهي تعتمد أسلوبا ممنهجا تختزل ضغط اللون وتبرز من خلاله قيما جمالية بأبعاد غير محدودة. إنها بذلك تصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف الوسائط التعبيرية المُستخدمة في العملية الإنتاجية. لتشغل حيّزا من الفراغ بدون حدود للمكان، لكن القيمة الزمنية حاضرة تؤكدها حركية العناصر المكونة لمنجزها الفني وتتحكم فيها معظم المفردات التشكيلية المتناغمة في ما بينها، ويؤطرها ارتباط الواقع العنائي بالحاضر والمستقبل في سياق توليفي يمتزج فيه التعبير الرؤيوي التصوري والتعبير الحسي بالمجال السيميائي، المعتمد على الرؤية البصرية، لتصنع مجالا تعبيريا رمزيا علاماتيا أيقونيا دلاليا، بأشكال هندسية منظمة ومترامية، في فضاء غير محدود، بمهارات فنية وأداء عالي الجودة، قوامه التجريد المعتمد على التبسيط، والتقنية العالية، وكلاهما – التجريد والتقنية – يرومان هدفا مسبقا للمبدعة التي تجعل النص قابلا لتعدد التأويلات، ما يجعله ينطق بقيم فلسفية وفكرية وجمالية.. فضلا عن تعدد الاحتمالات والتأويلات التي يصنعها اللون بالضربات الخفيفة بمعية مختلف العناصر المكونة لأعمالها، والمفردات الفنية، والتوظيفات التقنية التي تستخدم الصور والتسلسلات اللونية، وفق مسلك فني معاصر، ما يصنف الفنانة في خانة الحركة التجريدية المعاصرة، لكن عملا بالقاعدة النقدية؛ فإن أعمالها تنقصها الصناعة الضوئية اللازمة، وهي أحد المطالب في أعمالها الفنية المميزة، لكن على الرغم من ذلك فإن تشكل اللون وفق الوسائل والوسائط والأشكال الهندسية، ووفق تصوراتها ورؤاها المتفردة، في إطار الفن المفاهيمي المعاصر، القائم على إشراك القارئ في الموضوع، وتأسيس الأنموذج المنفتح على المحيط المجتمعي والواقع السوسيو ثقافي، واستعمال الوسائط الجديدة في كل ما يخص الصورة في إنجاز العمل الفني، والاشتغال على المنظور الثقافي، بعيدا عن مجال التناسق المورفولوجي كنسق جمالي واحد ووحيد، يمنحها القوة التعبيرية اللازمة، في نطاق الرؤية البصرية التي ترقى بالفن البصري إلى فن سوسيو ثقافي وعلمي، حيث يعد أحد المقومات التي تغذي التجربة الكولاجية المعاصرة لغادة الحسن، التي تزاوج بين الحس والمنطق. ويعد هذا ملمسا في أعمالها. وإن تطعيمه بالصيغ الضوئية سيزيد أعمالها متعة قرائية ودلالية أخرى.