في أول مباراة ضمن البرنامج الإعدادي للفريق الوطني لكرة القدم، قبل خوض نهائيات كأس العالم 2018 بروسيا المقرر انطلاقته شهر يونيو القادم، انتصر "أسود الأطلس"، مساء يوم الجمعة الماضي، على منتخب صربيا الذي يستعد هو الآخر للمشاركة بالمونديال، بهدفين لواحد. المباراة احتضنها ملعب طورينو المعقل الحالي لنادي تورينو كما سبق استقبل فيه نادي يوفنتوس مبارياته، قبل أن يتحول إلى ملعبه الجديد الخاص به، والذي أنشاه مؤخرا بمواصفات حديثة حتى يتماشى مع طموحاته وأهدافه المستقبلية. وقع الاختيار على المنتخب الصربي بحكم قرب طريقة لعبه مع أسلوب البرتغال وإسبانيا خصمي "أسود الأطلس" بالمونديال، كما أن الاختيارات على المستوى الأوروبي، كما صرح بذلك المدرب هيرفي رونار خلال الندوة الصحفية التقديمية قبل المباراة، ليست كبيرة، بعد أن وجدت إدارة جامعة كرة القدم صعوبة كبيرة في إيجاد خصم من القارة العجوز لإجراء مباراة إعدادية في المستوى العالي. منتخب صربيا الذي حقق تأهيله للمونديال عن المجموعة الأوروبية الرابعة، بعد منافسة قوية على بطاقة التأهل المباشر إلى جانب منتخبي ويلز وأيرلندا، حكمت عليه القرعة بالتواجد بمونديال روسيا ضمن المجموعة الخامسة إلى جانب منتخبات البرازيل وسويسرا وكوستاريكا. هذا المنتخب سيخوض المونديال بتشكيلة شابة لا تعانى حقيقة من أي ضغوط، وإن كانت تراهن على تسجيل حضور لافت، بعدما سبق أن وصل إلى أول بطولة كبرى في تاريخه منذ 8 سنوات كدولة مستقلة. يضم الفريق الصربي ثلاثة لاعبين مخضرمين من تشكيلة كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، حيث أقصيت آنذاك من دور المجموعات قبل أن تفشل في التأهل بعد ذلك لأي بطولة كبرى في ثلاث مناسبات متتالية. ضد صربيا وبالرغم من الطابع الودي، حافظ المدرب هيرفي رونار على التشكيلة الأساسية التي لعب بها اللقاءات الأخيرة الحاسمة والتي استطاعت تحقيق التأهيل للمونديال، باستثناء عودة كل من مروان داكوستا وحمزة منديل، الأول غاب طويلا، وكان ظهوره في آخر لحظة ضمن التشكيلة، بعدما ضمنت ورقة المباراة اسم رومان سايس، إلا أن هذا الأخير تعذر عليه -حسب ما تسرب من أخبار- خوض المباراة بسبب ارتفاع غير عادي في درجة الحرارة، أما منديل العائد بعد غياب طويل بسبب الإصابة، فقد عوض مصابا آخر ألا وهو اشرف حكيمي في الرواق الأيسر. باستثناء هذين التغييرين، حضرت الأسماء المعروفة بنفس النهج التكتيكي، وطريقة اللعب بعمقها ومرتكزاتها، وكالعادة كان الثقل بوسط الميدان بالاعتماد على الثلاثي الدائم كريم الأحمدي ومبارك بوصوفة ويونس بلهندة، وهي المنطقة الأكثر اطمئنانا بتركيبة المنتخب المغربي، بينما تلاحظ مجموعة من الاختلالات على باقي الخطوط. على المستوى حراسة المرمى، لاحظ الجميع الخرجات غير المحسوبة للحارس الرسمي منير المحمدي، وهذا راجع بالضرورة لافتقاده التنافسية، نفس الملاحظة بالنسبة لخط الدفاع، فباستثناء المهدي بنعطية صاحب المستوى الثابت منذ سنة ونصف تقريبا، فإن البقية غير مستقرة على حال، بما في ذلك نبيل درار في الجهة اليمنى الذي فاجأ الجميع بكثرة أخطائه، أما منديل وداكوستا فلم يقدما كالعادة أي قناعات تذكر، بل شكلا نقط ضعف واضحة في الدفاع المغربي. في الخط الأمامي، ظهر نور الدين لمرابط بنفس السخاء البدني والقتالية والرغبة في تقديم الأفضل وكان ناجعا في أغلب تدخلاته، نفس الملاحظة يمكن أن نصف بها الدور الذي لعبه خالد بوطيب، في حين لوحظ أن حكيم زياش بكثرة استعراضه، يضيع على المنتخب الكثير من الفرص المتاحة، ورغم ذلك يبقى عنصرا ضروريا، لكن كان من الأفضل أن يتجرد من الأنانية في اللعب، وأن يحترم أسلوب اللعب الجماعي. منتخب صربيا وبالرغم من الهزيمة بهدفين خادعين للمنتخب المغربي الأول من ضربة جزاء وقعها زياش والثاني من هجمة خاطفة قادها بوصوفة وأنهاها بوطيب بعد تمريرة محكمة من زياش، ظهر الصربيون بمستوى لافت وشكلوا ضغطا قويا على أصدقاء العميد بنعطية، ولعل الطريقة المدروسة التي سجل بها اللاعب دوشان ناديتش هدف منتخب بلاده تؤكد قيمة اللاعبين ودرجة انسجامهم، ومن الممكن أن يحققوا نتائج إيجابية خلال نهائيات كأس العالم. وكما كان منتظرا، فقد حضرت أعداد كبيرة من الجمهور المغربي جاءت من مختلف المدن الإيطالية، كما جاء أفراد من باقي الدول الأوروبية، وأيضا من المغرب، ليشكل الجميع عرسا مغربيا حقيقيا منح الدعم الضروري للعناصر الوطنية التي خاضت المقابلة، وكأنها تلعب بالدار البيضاء أو مراكش أو أكادير، بينما غاب الجمهور الصربي عن المباراة، بالرغم من التوقعات التي تتحدث عن إمكانية حضوره بأعداد لافتة، إلا أن العكس هو الذي حصل، وغياب الطرف الثاني ألغى المخاوف التي كانت تروج حول إمكانية اصطدام بين الجمهورين، مما جعل الأمن الإيطالي يتردد في الترخيص بإجراء هذه المباراة على أراضيه، خوفا من حدوث اصطدامات بين أنصار المنتخبين. ورغم غياب الجمهور الصربي الذي حضر بأعداد قليلة جدا، فإن الأمن اتخذ مجموعة من الترتيبات والإجراءات الاحترازية، ومنها مطالبة الصربيين بعدم مغادرة الملعب بعد نهاية المباراة، إلا بعد التأكد من إخلاء الجمهور المغربي للمكان، والذي قدر عدده بأكثر من 20 ألف متفرج. انتصار معنوي للمنتخب المغربي يمكن أن يحفز أكثر كل مكوناته، لكن الطاقم التقني مطالب بمعالجة مجموعة من الاختلالات التي ظهرت خلال هذه المباراة، خاصة على مستوى خط الدفاع، مع العلم أن قيمة الخصوم خلال المونديال وجودة لاعبيهم، تقتضي درجة كبيرة من الإعداد البدني والذهني وتفادي تقديم الهدايا المجانية، مع ضرورة التجرد من العاطفة في عملية اختيار اللاعبين وكيفية الاعتماد عليهم خلال المباريات، صحيح أن المهمة صعبة، نظرا لكثرة اللاعبين المؤهلين للدفاع عن القميص الوطني، لكن المصلحة تتطلب الاعتماد على الأصلح للمنتخب بكل تجرد وكثير من الإنصاف.