يدشن قرار جلالة الملك محمد السادس بالسماح للمرأة المغربية بولوج خطة العدالة (مهنة "العدول") صفحة جديدة في مسار إصلاح منظومة العدالة وملاءمتها مع الواقع المغربي وكذا مع مقتضيات دستور 2011، خاصة في جانبها المتعلق بالمساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والحريات (الفصل 19). وجاء القرار الملكي الذي أُعلن عنه على إثر انعقاد المجلس الوزاري الأخير، يوم الاثنين الماضي، ليحسم جدلا استمر لسنوات طويلة حول إمكانية دخول النساء لمجال ظل حكرا على الذكور، قبل أن يفكر المشرع المغربي في تعديل القانون المنظم لمهنة العدول بالمغرب الذي يعود إلى سنة 1982، وإقرار قانون جديد تحت رقم 16-03 في سنة 2006، حيث تم إسقاط شرط الذكورة في ممارسة المهنة. هذا التغيير دفع بالعديد من النساء المغربيات إلى محاولة التقدم لمباراة ولوج المهنة في سنة 2010، إلا أن الطلب تم رفضه بالنظر إلى استمرار عدد من الإشكالات ضمن القانون الجديد، والمرتبطة ببعض التدقيقات الفقهية في مسألة خوض النساء في مجال الإشهاد، والتي تستند إلى قواعد ونصوص شرعية. وتجدد النقاش مؤخرا مع إعلان وزير العدل محمد أوجار عن رأيه في الموضوع، والقاضي بعدم وجود موانع لولوج النساء إلى خطة العدالة، وهو ما حدا بهيأة العدول إلى رفع رسالة بهذا الخصوص للديوان الملكي، ثم أحال هذا الأخير النقاش على المجلس العلمي الأعلى، بصفته الهيئة المخول إليها رسميا النظر في المسائل الفقهية من هذا النوع. وكما يفهم من بلاغ الديوان الملكي، فإن رأي المجلس، جاء ليؤيد وجهة نظر الوزير أوجار، حيث افتى بجواز ممارسة المرأة لمهنة عدل، "بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية"، كما جاء في البلاغ. وبناء على ذلك، فقد أصبح أوجار اليوم، مكلفا رسميا باتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لفتح خطة العدالة أمام المرأة. ويضع القرار حدا لحالة استثناء كان قطاع خطة العدالة يمثلها داخل منظومة العدل، من خلال سد بابه في وجه النساء على الرغم من ممارستهن لمهنة القضاء بحيث بلغن منصب رئيسة محكمة، كما أنهن يمارسن مهنة التوثيق منذ سنوات. وحتى في الحقل الديني فإنهن أصبحن يشكلن جزءا لا يتجزأ من منظومة المجالس العلمية ويشتغلن كواعظات ومرشدات في المساجد، ناهيك عن الكفاءة والمهنية التي أظهرنها في ممارستهن لمختلف المهن في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. في هذا الصدد، يشير بوشعيب فضلاوي، رئيس هيئة العدول بالمغرب، في اتصال هاتفي أجرته معه بيان اليوم يوم أمس، أن الأمر لا يرتبط بمسألة الكفاءة بما أن المرأة المغربية، كما يقول، قد أبانت عن جدارتها واجتهادها في مختلف المجالات العلمية والعملية، بقدر ما طرحها الإشكال القانوني والفقهي في القانون 16-03 فيما يتعلق بتصدر المرأة لعملية الإشهاد، وهي العملية المؤطرة بنص شرعي ينص على ضرورة شهادة امرأتين اثنتين في حال غياب الرجل. وبالتالي فإن مهنة العدول ستكون في حاجة إلى تنظيم عملية الإشهاد لتتلاءم مع ولوج النساء للمهنة. "وهو الأمر الذي طلبنا فيه رأي المجلس العلمي الأعلى"، كما يقول فضلاوي. ويعبر رئيس هيئة عدول المغرب عن وجهة نظر مناصرة لحق المرأة في ولوج المهنة، من خلال تأكيده على أن "المرأة المغربية شغلت منصب مستشارة للملك ووزيرة وسفيرة وعميدة الكلية وأستاذة جامعية وربان وغيرها من المهن، كما أنها أضحت موثقة تبرم جميع العقود المسماة، ومنها البيع والشراء والرهن والهبة وغيرها من العقود، فكيف لها كعدل ألا تبرم عقود الزواج والطلاق؟". ويضيف أيضا أن "القاضية المغربية تقضي في الجنايات وفي الجنحي والتلبسي والإداري والتجاري والمدني والشرعي، وحينما نتحدث عن الشرعي، فإننا لا نقصد هنا دعاوى الكفالة أو النفقة أو غيرها، بل نقصد دعاوى التطليق، التي تبت فيها المرأة منذ سنين، فكيف للمرأة أن تكون قاضية تبت في دعاوى التطليق، ولا يسمح لها أن تكون عدلا يوثق عقود الزواج والطلاق؟"، وبذلك يكون قرار ولوج النساء لمهنة العدول هو فقط بمثابة "تحصيل حاصل" على هذا المستوى. وأشار رئيس هيئة العدول كذلك أن مباراة ولوج المهنة التي كانت مقررة في شهر أكتوبر الماضي، قد تم تأجيلها خصيصا لحين النظر في الموضوع ومن تم اتخاذ قرار حاسم في مسألة قبول طلبات النساء لخوض المباراة من عدمه. عدا ذلك، يضيف المتحدث، فإن الهيئة ترحب بهذا القرار الذي يرى فيه فضلاوي مدعاة للأمل والتفاؤل بفتح آفاق جديدة أمام مهنة العدول وتغيير صورة نمطية معينة كانت سائدة في المجتمع المغربي عن المهنة وممارسيها. كما أنه يفتح الباب أيضا للمزيد من التحديث والتنظيم للمهنة لملاءمتها مع مختلف المستجدات التي تطرأ على القطاع وعلى المجتمع ككل. وعبر فضلاوي عن تفاؤله أيضا بالمشاورات التي تقرر إجراؤها مع وزارة العدل حول الموضوع خلال الأسابيع المقبلة، وذلك في أفق السماح للنساء بخوض المباراة المقبلة لولوج خطة العدالة، والتي سيتم إجراؤها في غضون بضعة أشهر. فيما يمكن استغلال فترة تكوين وتدريب الوافدات الجديدات على القطاع (حوالي 18 شهرا)، كما يقول، لإعادة النظر في القانون المنظم للمهنة وتعديل بعض مقتضياته التي يتوقع أن تكون جاهزة لتدخل حيز التنفيذ مع بدء الممارسة الفعلية للنساء لمهنة العدول. وكانت هيئة عدول المغرب، قد رفعت، أول أمس الثلاثاء، برقية إلى جلالة الملك، أكدت فيها على ترحيبها بقرار فتح خطة العدالة في وجه المرأة المغربية. واعتبرت الهيئة أن هذا الإجراء يعكس اهتمام الجالس على العرش بالخطة، وحرصه على تجديد مقوماتها. ومما جاء في نص برقية رئيس هيأة عدول المغرب أنه "كان لقراركم الحكيم، يا مولاي، لفتح خطة العدالة في وجه المرأة المغربية، أثر بالغ في نفوس عدول مملكتكم الذين يعبرون، بلسان واحد، عن تثمينهم لهذه الخطوة المباركة، التي كرستم بها نهجكم القويم ودأبكم المستديم في إنصاف النساء وإكرامهن، تأسيا بسنة جدكم المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي جعلهن شقائق الرجال في الأحكام"، تقول البرقية. كما أعلن عدول المغرب عن عزمهم تجسيد التوجيهات الملكية، حتى تحظى المرأة العدل "بكامل الرعاية ضمن هيئة العدول وتتمتع بكافة الصلاحيات التي يمنحها إياها القانون دون أدنى جنف أو حيف"، حسب تعبير البرقية التي أكدت على تسهيل ولوج المرأة مهنة العدالة ب"سلاسة تامة وفق ما تقتضيه الإرادة الملكية". شروط ولوج مهنة العدول لا تختلف شروط ممارسة مهنة العدول بالنسبة إلى النساء عن تلك المطلوبة للرجال. ولذلك يشترط في المرأة الراغبة في ممارسة مهنة العدول أن تكون مسلمة، وحاملة للجنسية المغربية، وحاصلة على الإجازة في القانون، أو الشريعة الإسلامية، أو اللغة العربية، وأن يترواح سنها بين 25 و45 سنة، ولم يسبق لها أن حكم عليها بالسجن أو الغرامة النافذة، أو موقوفة التنفيذ. كما يفترض في النساء والرجال الراغبين في ممارسة مهنة العدول، أن يكونوا حاصلين على شهادة الإجازة، وأن يدلوا بنسخة منها ومن وثيقة حسن السيرة والسلوك، ونسخة من بطاقة التعريف الوطني، لدى وزارة العدل، من أجل اجتياز مباراة الولوج إلى مهنة العدول. وبعد النجاح في المباراة سوف تتلقى المرأة أو الرجل سنة من التدريب بقرار من وزير العدل.