احتل الارتفاع القياسي في أسعار الأغذية قمة جدول أعمال صانعي السياسة بفعل مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى انفلات التضخم واتخاذ إجراءات حمائية واندلاع قلاقل واضطرابات وتراجع طلب المستهلكين في اقتصادات ناشئة رئيسية. وقالت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) يوم الأربعاء إن أسعار الغذاء سجلت ارتفاعات قياسية الشهر الماضي متجاوزة مستويات 2008 حينما أثارت احتجاجات في دول في مناطق مختلفة من العالم مثل مصر والكاميرون وهايتي. وفي آسيا أشارت بيانات رسمية وتقديرات محللين إلى ضغوط تضخمية. وارتفع أسعار الفلفل الحار خمسة أمثالها في تايلاند في العام الماضي ودعا رئيس اندونيسيا مواطنيه لزراعة الأغذية في حدائقهم الخاصة. وقال الرئيس سوسيلو بامبانج يودويونو في اجتماع لمجلس الوزراء انه ينبغي على المواطنين المبادرة بزارعة النباتات وتولت وزيرة التجارة ماري بانغستو زمام المبادرة بزراعة الفلفل الحار في منزلها. وقالت بانجستو في كلمة ألقتها اليوم الخميس «لدي 200 نبتة من الفلفل الحار في أصص الزهور». وأضافت «تقوم وزارة الزارعة بتوعية المزارعين بكيفية زراعة الفلفل الحار وتشجع أيضا المستهلكين على زراعته في حدائق منازلهم». وأثار ارتفاع أسعار الأغذية غالبا احتجاجات في المناطق المدنية في الدول الفقيرة حيث تشكل الأغذية المستوردة الجزء الأكبر من مشتريات الأسر. وقال محللون إن الاقتصادات في أفريقيا والكاريبي التي تعتمد على تصدير الأغذية قد تتضرر بشدة على وجه الخصوص مما يساعد على إثارة احتجاجات ويدفع الحكومات نحو فرض حظر على التصدير ومصادرة الأراضي الزراعية المملوكة للأجانب. وإذا اضطر المستهلكون في آسيا واقتصادات ناشئة أخرى لإنفاق مزيد من دخلهم على الغذاء فسيتراجع إنفاقهم على مشتريات أخرى وقد يشكل ذلك أنباء سيئة للاقتصاد العالمي الذي يضع كثيرا من آماله على انتعاش الاستهلاك في الاقتصادات النامية. وحث روبرت زويلك رئيس البنك الدولي في مقال صحفي الحكومات على تفادي اتخاذ إجراءات حمائية مع ارتفاع أسعار الأغذية ودعا مجموعة الدول العشرين التي تضم اقتصادات متقدمة وناشئة على اتخاذ خطوات للتأكد من حصول الفقراء على إمدادات كافية من الغذاء. وقال مصدر مطلع إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي طلب من البنك الدولي إجراء دراسة عاجلة على تأثير ارتفاع أسعار الغذاء قبل اجتماعات قمة العشرين في أواخر هذا العام. وكانت الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الغذاء من بين العوامل التي أدت إلى سقوط حكم سوهارتو في اندونيسيا في عام 1998 وكان الغضب من قيام شركة دايو الكورية الجنوبية بشراء أراضي زراعية في مدغشقر في وقت ارتفعت فيه أسعار الغذاء عاملا وراء انقلاب عام 2009. وأظهرت بيانات اليوم ارتفاع معدل تضخم أسعار الغذاء في الهند إلى أعلى مستوى له في عام بما يزيد عن 18 في المئة في العام المنتهي في ديسمبر. ويتوقع محللون أن يؤدي ذلك مع زيادة أسعار الوقود إلى قيام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة هذا الشهر. واتخذت الحكومة الهندية سلسلة من الإجراءات منذ أعوام لتحقيق استقرار أسعار الغذاء لكنها قامت منذ العام الماضي بدعم بيع المخزونات الوطنية من الحبوب وتعهدت باستمرار إعفاء واردات الزيوت الخام النباتية من الرسوم الجمركية. وفي الصين فرضت عدة مدن قيودا مباشرة للحد من ارتفاع أسعار الغذاء وتعهدت الحكومة المركزية بالقضاء على المضاربات في أسواق السلع الأولية في البلاد. وارتفعت نفقات الغذاء 7ر11 في المئة في العام حتى نوفمبر تشرين الثاني بينما ارتفعت منتجات غير غذائية 9ر1 في المئة فقط. لكن أسعار منتجات استهلاكية ونفقات الإسكان قفزت أيضا مذكية المخاوف من أن التضخم يزحف متجاوزا الغذاء إلى الاقتصاد الكلي. وقال فو بينجتاو الخبير الاقتصادي بالبنك الزراعي الصيني في بكين في تقرير إن أسعار الحبوب وهي أهم غذاء في البلاد سترتفع عشرة في المئة في 2011 إضافة إلى صعود بلغ 7ر11 في المئة في 2010. وأضاف «ربما تستمر المضاربات في الاتجار وعمليات اكتناز منتجات زراعية معينة». وقالت الفاو إن أسعار السكر واللحوم سجلت أعلى ارتفاعات منذ بداية تسجيلها في عام 1990. وسجلت الأسعار أكبر صعود منذ أزمة 2008 بالنسبة للقمح والأرز والذرة والحبوب الأخرى. غير أن الأسعار القياسية للأرز في آسيا تشير إلى اتجاه مختلف. فالغذاء الرئيسي في المنطقة يبلغ سعره 535 دولارا للطن أي نحو نصف سعره في عام 2008 البالغ أكثر من ألف دولار للطن والذي دفع العديد من الحكومات في ذلك الوقت إلى فرض حظر على الصادرات لحماية السوق المحلية. لكن يتوقع معظم الخبراء استمرار الضغوط التي تدفع الأسعار نحو الصعود وبصفة خاصة إذا اتجهت الدول نحو فرض حظر على الصادرات ومزيد من تقييد الإمدادات وبدأ المستثمرون على الأمد القصير مجددا شراء السلع الأولية الزراعية مثلما حدث في 2008.