مرة أخرى، يظهر حزب التقدم والاشتراكية صموده وتمكنه من تجاوز ارتدادات الأزمة التي هبت على العمل السياسي الوطني، فقد نجح في تجاوز اختبار عصيب عبر استعمال الآلية الديمقراطية من خلال التئام برلمان الحزب، ممثلا في لجنته المركزية في دورة استثنائية، والتي حسم أعضاؤها، طبقا للقوانين المنظمة للحزب، بالتصويت لفائدة اعتماد قرار الاستمرار في المشاركة في حكومة سعد الدين العثماني. كانت الأجواء، صباح أول أمس السبت، بمنطقة الولجة بسلا، حيث اختار الحزب إحدى القاعات لعقد أشغال اللجنة المركزية، غير عادية، بالنظر لاستشعار دقة المرحلة التي يمر منها الحزب من قبل أعضاء اللجنة التي فرضت التئامها المستجدات التي تشهدها الساحة السياسية الوطنية، على خلفية قرارات الإعفاء التي مست وزراء الحزب بالحكومة ارتباطا بتقرير المجلس الأعلى للحسابات بشأن مشروع منارة المتوسط الحسيمة، وبذلك كان الترقب يطبع صفوف عدد من أعضاء الحزب حول مضمون التقرير الذي سيقدمه الأمين العام للحزب، بل وكان هذا الترقب يطبع أيضا صفوف عدد من المراقبين خاصة المنتمين لمختلف وسائل الإعلام الذين توافدوا بكثافة لمتابعة أطوار هذا الاجتماع المفتوح أمامهم. لكن، كما هو عهد أعضاء حزب التقدم والاشتراكية، الذي هبت عليه، مرارا، خلال مساره منذ بدايات النشأة، رياح عاصفة، وتمكن من الصمود أمامها ورفع رأسه عاليا مشرئبا نحو مستقل أفضل، أظهر مناضلوه ومناضلاته داخل برلمان الحزب، بعد الاستماع إلى تقرير المكتب السياسي الذي قدمه الأمين العام، محمد نبيل بن عبد الله، درجة عالية من المسؤولية، وروحا نضالية وطنية ورفاقية رفيعة، بإجماعهم، خلال التدخلات على دقة المرحلة التي يمر منها الوطن وليس الحزب فحسب، مؤكدين مواصلة النضال خدمة للقضايا العليا للبلاد، والالتحام داخل الحزب لتجاوز مختلف المعيقات. وخلال النقاش الذي أعقب كلمة الأمين العام للحزب، تميزت مختلف التدخلات بارتفاع في منسوب الرفاقية، حيث أبدت تضامنها المطلق مع الوزراء أعضاء الحزب الذين طالتهم قرارات الإعفاء، وأكدت على مواصلة مسار النضال الذي بدأه الرعيل الأول للحزب. وأكد عدد من المتدخلين في هذا الصدد، على ضرورة تقوية الذات الحزبية، بخلق دينامية جديدة داخل الحزب، والعمل في صفوف الجماهير، مشددين على ضرورة تكثيف النقاش في هذا الجانب خلال اجتماعات مستقبلية، تحضيرا للمؤتمر القادم للحزب، والاستمرار في ذات الوقت داخل الحكومة للتأثير على مسار التنمية والإصلاحات التي ينبغي مواصلة أوراشها، مشيرين إلى أن الواجهتين مطلوبتان في ظل هذه المرحلة، ذلك أن مصلحة الوطن تقتضي البقاء في الحكومة ومصلحة الحزب أيضا على أساس أن يلعب دوره السياسي والتأطيري كاملا، وأن يدفع في اتجاه استنهاض الطاقات الفكرية داخل الحزب، وتجاوز حالة الركود الفكري والسياسي التي أصبحت عامة داخل الساحة السياسية الوطنية، كما وصفها تدخل عضو اللجنة المركزية عبد العالي دومو. واعتبر سعيد فكاك، عضو الديوان السياسي للحزب، أن حزب التقدم والاشتراكية الذي ناهز عمره 74 عاما، ساهم طيلة هذا المدى الزمني، ولازال، في البناء الديمقراطي، مشيرا إلى أن وزن الحزب لا يقاس بعدد برلمانييه، بل بنوعية خطابه السياسي، منبها إلى أن الحزب، منذ مشاركته في حكومة التوافق سنة 1998 والحكومات التي أعقبتها، لم يسجل على أعضائه من الوزراء، أي ممارسة تخل بمبادئ النزاهة أو التخاذل، بل أدوا واجبهم الوطني بكل تفان وإخلاص. وأبرز الفكاك أن الحزب مر، خلال مساره التاريخي، بسنوات جد عصيبة، مذكرا، في هذا الصدد، بمرحلة سنوات الرصاص، والتي كان فيها الحزب في المعارضة، مشيرا إلى أن الحزب لم يولد للوجود في المعارضة بصفه دائمة أو للتواجد الدائم في الحكومة، داعيا إلى تبني موقف الاستمرار في الحكومة، وهو موقف سياسي محض وليس من أجل الحصول على امتياز كما يردد ذلك البعض من خارج الحزب. وسجل أحمد الوهاجي، عضو اللجنة المركزية، أن المحطة التي يمر منها الحزب حاليا تشكل منعطفا تاريخيا، واعتبر أن المشهد السياسي بات يعرف ما يمكن تسميته بنهاية التوافق السياسي وانسداد الآفاق، مشيرا إلى أنه يجب وضع قرار الإعفاء في إطار السياق السياسي، الذي طبع مرحلة ما قبل إقرار دستور 2011 إلى حدود اليوم، حيث تتميز هذه الحقبة بتدخل الدولة في الصراع السياسي بشكل مباشر تارة، وغير مباشر، تارة أخرى، انتهى إلى خلق حكومة ملغومة والتحكم في جميع آليات الإصلاح. وأثار الحسين الشعبي، في تدخله، العديد من الاستفهامات التي بات يحبل بها المشهد السياسي، داعيا إلى التحلي بنوع من الجرأة بتسمية الأمور بمسمياتها، وتجديد الخطاب السياسي الذي ينبغي أن يتسم بالكثير من الوضوح والصراحة بتحديد المسؤوليات في كافة المستويات المؤسساتية، وذلك من أجل إعادة الثقة للعمل السياسي الذي بات يرهب النخب ويبعدها عن المشاركة في الحياة العامة. وأبدى الشعبي، تضامنه مع الوزراء المعفيين، واصفا ما قام به كل من وزير الصحة، الحسين الوردي، ووزير الثقافة، محمد أمين الصبيحي، بالعمل الهائل والجبار على رأس قطاعيهما، من خلال بلورة استراتيجيات وبرامج تعد من أحسن ما شهده هذان القطاعان خلال الحكومات المتعاقبة، ناهيك عن الدور السياسي الدقيق والوازن الذي يلعبه الأمين العام داخل الحكومة. داعيا في نهاية تدخله إلى إعادة قراءة وتحليل تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي اعتبر أن المعطيات الواردة فيه لا تقود بالضرورة إلى القرارات المعلومة. ومن جانبه، أكد عبد الحفيظ ولعلو، عضو اللجنة المركزية، على أن المرحلة تعتبر محكا يجتازها الفعل السياسي، مشيرا إلى أن سؤال البقاء في الحكومة أو الخروج منها، المطروح على أشغال هذه الدورة، لا يشغل فقط أعضاء الحزب بل المجتمع برمته، لافتا إلى أن قرار الحسم ستكون له تبعات سياسية. وجدد ولعلو التذكير على أن حزب التقدم والاشتراكية حينما اتخذ موقفا تاريخيا بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية كان ذلك على أساس برنامج سياسي وليس على أساس فكري أو إيديولوجي، قائلا "رغم تحفظ البعض على هذا التحالف الذي ينعتونه بالتحالف الهجين"، اتخذ الحزب الكثير من المواقف الجريئة التي أبانت عن استقلالية قراره السياسي، وخدمة مصالح الوطن أولا ثم بعده الحزب". ومن جهته، اعتبر بدر السلامي، عن القطاع الطلابي لحزب التقدم والاشتراكية، أن القرارات التي طالت وزراء الحزب، هي محصلة مضايقات بدأت خلال الاستحقاقات الانتخابية، وأن التقرير بشأن سير مشروع منارة المتوسط، كان مجرد ذريعة لا غير. ودعا في هذا الصدد، إلى جعل الاستمرار في الحكومة قرارا مرحليا، على أن يعمل الحزب، في المقابل، على التجذر حقيقة وسط الجماهير، بالعمل الميداني لإعادة الثقة في العمل السياسي، وذلك لاستقطاب الشباب ولتقديم خدمات القرب. أما حميد المعطى عضو اللجنة المركزية، فقد اعتبر أن ما وقع يعد استهدافا للحزب، وعدد أكثر من عشر نقط كملاحظة ينبغي للحزب اتباعها من أجل تقوية الذات الحزبية، معلنا عن دعوته للحزب للخروج للمعارضة بدل البقاء في حكومة متحكم فيها بشكل علني وسري. ومن بين الخطوات التي يقترح على الحزب اتباعها، العمل من أجل استعادة الهوية الحقيقية للحزب، كهيئة تنتمي لأسرة اليسار، واسترجاع المصداقية التي افتقدها منذ الدخول للحكومة، حسب ذكر المتحدث، واسترجاع الدينامية وإزالة الكسل الفكري، وكذا استرجاع الريادة لليسار المغربي الذي يعيش أياما حالكة، وبناء معارضة بناءة بعيدا عن الغوغاء والشعوبية، وإرجاع الممارسة السياسية إلى مفهومها الحقيقى بدل تمريغها في الوحل. فيما نادى محمد بولعيون إلى العمل الحزبي على واجهات متعددة، واجهة الاستمرار في الحكومة والنضال من داخل المؤسسات التنفيذية، وكذا التشريعية، عبر مجموعته النيابية، والعمل على نهج سياسة القرب في صفوف الجماهير، عبر الفروع والمنتمين للحزب في الجهات والأقاليم. واعتبر مصطفى الرجالي، عضو المكتب السياسي، أن الوضع الحالي للمغرب يعرف تراجعا وانقلابا على حركة 20 فبراير ودستور 2011، حيث تتم محاولة خنق الحياة السياسية وزعزعة الأحزاب وترويضها، مسجلا أن المغرب عرف تقدما وتحقيق مكاسب على عدة مستويات، لكن هناك ممارسات، وصفها بالخطيرة، قد تعصف بذلك. ودعا الرجالي، في هذا الصدد، إلى تقوية الحزب بتجديد الخطاب، والعمل إلى جانب الجماهير، وتأطير الأجيال الجديدة حتى يبقى الحزب مدرسة متميزة في البلاد.