شيع ألاف الأشخاص أول أمس الأربعاء الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي توفي مساء الثلاثاء متاثرا بحروق أصيب بها حين حاول الانتحار احتجاجا على مصادرة بضاعته, ما أدى إلى إطلاق احتجاجات اجتماعية واسعة في تونس. ونقل جثمان المتوفى بعد ظهر أول أمس الأربعاء إلى مقبرة «قلعة بن نور» التي تبعد نحو تسعة كيلومترات من منزل محمد البوعزيزي وسط اجراءت أمنية. ولم تسمح السلطات للمشيعيين بالوقوف أمام مقر محافظة سيدي بوزيد, المدينة التي خيم عليها الحزن بسبب الوفاة. وكان سالم شقيق محمد البوعزيزي قال لفرانس برس بلهجة غاضبة إن «الموكب سيجوب وسط سيدي بوزيد وسيمر من أمام مقر الولاية (المحافظة) قبل أن يدفن الجثمان في مقبرة» المدينة. وشارك في الجنازة ألاف الأشخاص رافعين شعارات من بينها «محمد شهيد الله» و»لن نستسلم لن نبيع...دم محمد لن يضيع», و»سنبكي من أبكاك, يا محمد لن ننساك». وقال مهدي الحرشاني خال المتوفى لفرانس برس «نودع اليوم إنسانا ضحى بنفسه من اجل وضعه وأوضاع الآخرين», راجيا أن «تتمكن والدته من تجاوز هذه المحنة والمعاناة». وكان الحرشاني وصف رحيل محمد بال»مصيبة» مؤكدا انه «تلقى العديد من المكالمات من فئات اجتماعية مختلفة للتعبير عن تعاطفها وتألمها وتأسفها اثر رحيله وهو في مقتبل العمر».وكان محمد البوعزيزي (26 عاما) وهو بائع متجول في مدينة سيدي بوزيد الواقعة على بعد 562 كلم عن العاصمة تونس وسط غرب البلاد, أقدم على إحراق نفسه احتجاجا على منعه من إيصال شكواه إلى المسؤولين في المنطقة اثر مصادرة البضاعة التي كان يبيعها على عربته لعدم امتلاكه التراخيص اللازمة. وكانت هذه الحادثة تسببت في اندلاع صدامات في 19 ديسمبر في المدينة, لتتسع في ما بعد ليشمل الاحتجاج على البطالة وغلاء المعيشة مدنا تونسية عدة. والبوعزيزي هو الشخص الرابع الذي يقضي منذ انطلاق الاحتجاجات قبل ثمانية عشر يوما, بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس. ففي 31 ديسمبر الماضي توفي شوقي الحيدري (34 سنة) متأثرا بجروحه اثر إصابته بالرصاص خلال المواجهات العنيفة التي وقعت في 24 ديسمبر في منزل بوزيان التي تبعد ستين كلم عن سيدي بوزيد, كما أعلن شقيقه بشير الحيدري. كما توفي متظاهر آخر يدعى محمد العمري (52 سنة) وهو جامعي قضى خلال نفس التظاهرة برصاصتين في الصدر. كذلك توفي حسين ناجي (42 عاما) اثر إصابته بصدمة كهربائية أمام مقر البلدية في سيدي بوزيد. ورجحت مصادر نقابية أن تكون وفاته ناجمة عن عملية انتحار. وأكد مصدر حكومي وفاة الشاب من دون تأكيد هذه الفرضية. كما تسببت الاحتجاجات في إقالة محافظ ولاية سيدي بوزيد وتعيين محافظ جديد مكانه, وذلك غداة تعديل وزاري أطاح أيضا بوزير الاتصال الذي تعرض لانتقادات شديدة على خلفية المعالجة الإعلامية للأحداث. غير أن الحزب الديمقراطي التقدمي (معارض مرخص له) دعا أول أمس الأربعاء إلى «حل وزارة الاتصال» التي «ترمز إلى الخلط بين النشاط الحكومي والقطاع العمومي للإعلام الذي تعود إدارته إلى المجتمع بكافة هيئاته في كنف الموضوعية والحياد والتعدد». ودعا الحزب إلى «التشاور عاجلا مع كافة هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بهدف بعث هيئة مستقلة للإعلام». وإزاء التشنج الذي تشهده البلاد على خلفية معدلات البطالة المرتفعة وغلاء المعيشة والشعور بالتهميش في بعض المناطق المحرومة, أكد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في خطاب لمناسبة العام الجديد على «التوجه لمزيد من الإحاطة للفئات الضعيفة وذات الاحتياجات الخصوصية». كما أكد الرئيس على «تسريع نسق النمو بالمعتمديات التي تحظى بأولوية خاصة», مشددا على دعم «برامج التشغيل وإحداث موارد الرزق لفائدة حاملي الشهادات العليا خاصة».