قال مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، الجمعة الماضي، بمراكش، إنه إذا كانت السلطة القضائية المستقلة هي الضامن للحقوق والحريات، فإن مستقبل الوطن الآن أمام رهان الجهوية المتقدمة كنموذج للتدبير الإداري، هدفها إشراك المواطنين في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم اليومية، من خلال توفير فضاءات وآليات دائمة للحوار والتشاور، بما يتيح تملكهم للبرامج، والانخراط في تنفيذها. وأضاف قاضي القضاة، في مداخلة له، في ندوة وطنية حول موضوع: "الرقابة على تدبير الجماعات الترابية"، احتضنتها المركب الثقافي والإداري للأوقاف والشؤون الإسلامية بمراكش، والمنظمة يومي 29 و 30 شتنبر الماضي، تلاها الأستاذ حسن فتوخ المستشار بمحكمة النقض، أن المنظومة القانونية المتعلقة بالتنظيم الترابي للمملكة، ومهما تضمنت من مستجدات تشريعية متقدمة للرفع من مستوى أداء الجماعات الترابية، وضمان إنجاز المشاريع المجتمعية الكبرى، فإن دقة المرحلة وراهنية الأوراش الكبرى التي انخرط فيها المغرب كبلد صاعد تطرح العديد من التحديات على مستوى الحكامة المحلية، وفي طليعتها إيجاد آليات رقابة ملائمة، هدفها المحافظة على الوحدة الوطنية، وعلى سيادة النظام والقانون، وحماية الحقوق والحريات وضمان حسن تدخلات الجماعات الترابية. وأكد أيضا، أنه إذا كانت الحكامة المحلية كأسلوب تدبيري يحيل على النجاعة والفعالية، ويجعل المواطن في صلب التنمية المحلية، فإن تحقيق ذلك يتوقف على دعم التكوين، وتأهيل النخب وتطوير الكفاءات، وتعزيز الوعي الفردي والجماعي بالحقوق والواجبات، وإشاعة قيم المواطنة، وثقافة التفاني، المصداقية، الجدية والضمير المسؤول، باعتبارها مدخلا أساسيا لتقوية اللامركزية الترابية، وتحسين أدائها في جميع المجالات. وأوضح أيضا، أن الطموح النبيل لكسب رهان النموذج التنموي المتميز لبلادنا، رهين باستثمار كل الإمكانات المتاحة، والانخراط الجاد والهادف في تعزيز الديمقراطية ودولة الحق والمؤسسات، وإرساء المفهوم الجديد للسلطة على أرض الواقع، وفق رؤية مواطنة، تروم تبسيط النظام الرقابي على الجماعات الترابية، وتحسين تدبيره، والرفع من مردوديته، لتحقيق مزيد من التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير بيئة آمنة للاستقرار والاستثمار. واعتبر القاضي فارس، أن فتح أي نقاش موضوعي حول سبل تجويد الرقابة على الجماعات الترابية، رهين بمكاشفة صريحة وجريئة بين الحقوقيين والباحثين والمهتمين والفاعلين، ترتكز في بعدها العلمي على قراءة نقدية دقيقة للمزايا والنواقص، ورؤية استشرافية بحمولة حقوقية تراعي المكتسبات الدستورية والتنظيمية للجماعات الترابية، وتنهل من مبادئ وقيم المجتمع المغربي، بما يساهم في تطوير الشفافية والمساءلة، وضمان حسن سير المرافق المحلية وتخفيف العبء على مركز القرار، والانخراط في مسلسل التنمية المحلية. وعرفت هذه الندوة تقديم مجموعة من المداخلات من قبل ثلة من الأساتذة والباحثين ورجال القانون تتناول بالخصوص "دور السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية في المراقبة على تدبير الجماعات الترابية" و" الرقابة على أعمال الجماعات الترابية من خلال آليات الديمقراطية التشاركية " و" تجليات الرقابة على أعمال الجماعات الترابية في ضوء اختصاصات المجالس الجهوية للحسابات " و" دور القضاء الإداري في خلق التوازن بين الأجهزة المكلفة بتدبير الجماعات الترابية " هذا، وتم مساء نفس اليوم، التوقيع على اتفاقية إطار للشراكة والتعاون بين جهة مراكشآسفي ممثلة بدار المنتخب والودادية الحسنية للقضاة حول دعم قدرات المنتخبين والموظفين الترابيين بالجهة في مجال التطبيقات القانونية والادارية المتعلقة بتدبير الجماعات الترابية. وتروم هذه الاتفاقية، التي وقعت خلال حفل افتتاح أشغال الندوة الوطنية حول موضوع "الرقابة على تدبير الجماعات الترابية"، تحديد الوعاء التعاقدي للشراكة والتعاون بين الطرفين في إطار برنامج عمل واضح ودقيق بالنظر الى خبرة الودادية الحسنية للقضاة، يأخذ بعين الاعتبار المحاور المسطرة في برنامج عمل دار المنتخب لجهة مراكشآسفي في التكوين المستمر لمنتخبي وموظفي الجماعات الترابية ومواكبتها . كما تهدف هذه الاتفاقية إلى تنظيم دورات تكوينية وفق برنامج سنوي في مجال التطبيقات القانونية والادارية المتعلقة بتنظيم وتدبير الجماعات الترابية، وتنظيم منتديات وأيام دراسية ومناظرات في مجال تجويد ومهننة علاقة الجماعات الترابية بمؤسسات الرقابة الادارية والقضائية والافتحاصية. كما تنص هذه الاتفاقية على تقديم الاستشارات القانونية والادارية من لدن الودادية الحسنية للقضاة لفائدة مجلس الجهة، بالإضافة الى انجاز دراسات وأبحاث في مجال الاهتمامات المشتركة بين الطرفين، واصدار ونشر مشترك لأبحاث وأعمال القضاء الاداري في مجال تنظيم وتدبير الجماعات الترابية. وبموجب هذه الاتفاقية، تلتزم الودادية الحسنية للقضاة بوضع القضاة والخبراء أعضاء الودادية رهن إشارة دار المنتخب لجهة مراكشآسفي من أجل تأطير وتنشيط الدورات التكوينية والندوات المسطرة في برنامج العمل، فضلا عن الاشراف على الجانب العلمي لهذه التظاهرات، وتعيين خلية جهوية لقضاة وخبراء من اجل تقديم الاستشارات القانونية والادارية لمجلس الجهة. أما التزامات دار المنتخب لجهة مراكشآسفي، فتتمثل على الخصوص في الاشراف على الجانب التنظيمي واللوجستيكي للدورات التكوينية والندوات المسطرة في البرنامج العمل، والتنسيق مع الجماعات الترابية بالجهة من اجل الاستفادة من هذه التظاهرات. وتأتي هذه الندوة، المنظم من قبل مجلس جهة مراكشآسفي بشراكة مع الودادية الحسنية للقضاة والمجلس الجماعي لمراكش وجامعة القاضي عياض وهيئة المحامين بمراكش، في إطار تفعيل اتفاقية الشراكة بين مجلس الجهة والودادية الحسنية للقضاة .