وجهت مجموعة من المؤسسات والجمعيات الثقافية المغربية العاملة في مجال صناعة الكتاب والنشر، من بينها اتحاد الناشرين المغاربة واتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر، رسالة إلى وزير الثقافة والاتصال، في شأن برنامج الدعم الخاص بقطاع النشر والكتاب الذي ترعاه الوزارة، تشير فيها إلى أن هذا البرنامج "شهد، منذ تقلد السيد محمد الأعرج لمسؤولية وزارة الثقافة والاتصال، ارتباكا غير مفهوم، وهو ما يتعارض مع مبدأ استمرارية المرفق العمومي، ويهدد في العمق مصالح العديد من المؤسسات والجمعيات الثقافية، والتي أبرمت مع الوزارة مشاريع للدعم تهم الدورة الأولى لسنة 2017، لا يزال البعض منها ينتظر صرف دفعات مستحقة برسم سنة 2016 فضلا عن متأخرات سنة 2015 على الرغم من كونها أنجزت المشاريع الثقافية الموكولة لها وفق ما هو محدد في العقد المبرم بينها وبين الوزارة سواء تعلق الأمر بنشر كتب ومطبوعات أو القيام ببرامج ثقافية ذات صلة بالتحسيس بأهمية القراءة والترويج لها في أفق الوصول لمغرب قارئ..". وأشارت الرسالة إلى أن برنامج دعم النشر والكتاب الذي ترعاه وزارة الثقافة والاتصال ( قطاع الثقافة)، وبرنامج الدعم المخصص للتظاهرات الأدبية لسنتي 2016 و2017، هي برامج يستفيد منها الكتاب والناشرون ومكتبات البيع والجمعيات والمقاولات الثقافية في شكل طلبات عروض، وذلك وفق كناش تحملات وطبقا لمقتضيات المرسوم رقم 2.12.513 الصادر في 2 رجب 1434 الموافق ل 13 ماي 2013. وتؤكد رسالة الناشرين أن "هذه البرامج، بالرغم من بعض الملاحظات التي يمكن إبداؤها حولها، استطاعت أن تخلق دينامية ملحوظة في دورة صناعة الكتاب والنشر، وهو ما يعكسه عدد الملفات المترشحة المقدمة برسم كل دورة في محاور تنظيم التظاهرات ونشر الكتاب والمجلات الثقافية وإحداث المواقع الثقافية الإليكترونية والتحسيس بأهمية القراءة العمومية وتجويد توزيع الكتاب المغربي وتثمين حضوره في المعارض الوطنية الدولية… وطالب موقعو الرسالة وزير الثقافة والاتصال "بالإسراع بإيجاد حل للمشاكل العالقة الخاصة بهذه البرامج والتعجيل بتنفيذ الوزارة لالتزاماتها من حيث تسوية الملفات إداريا وماليا وصرف المستحقات برسم الدورة الثانية من سنة 2016 والدورة الأولى من سنة 2017". وأشارت المؤسسات والجمعيات الثقافية المتضررة من هذا الارتباك، في ختام رسالتها، إلى أنها تحتفظ لنفسها بالحق في "اتخاذ المبادرات الكفيلة بحماية حقوقها مع استعدادها للتحاور مع الوزارة خدمة لمصلحة ثقافتنا المغربية". في هذا السياق قال مراد القادري، رئيس بيت الشعر في المغرب، وهو من الهيئات الموقعة على رسالة الناشرين والجمعيات، إن الرسالة تكتسي أهمية خاصة، ذلك لأنها تشكل المبادرة الأولى من نوعها التي تجتمعُ عليها أطراف من مشارب مختلفة. فهناك، من جهة، اتحاد الناشرين المغاربة الذي يضم في عضويته أكثر من 40 مؤسسة تعمل في مجال صناعة الكتاب، وهناك، من جهة ثانية، المؤسسات الثقافية الوطنية كاتحاد كتاب المغرب؛ وبيت الشعر في المغرب؛ وشبكة القراءة؛ ورابطة كاتبات المغرب، وهناك جمعيات أخرى كرابطة أدباء الجنوب؛ وجمعية الفكر التشكيلي، ونادي الهامش القصصي.. وغيرها. كل هذه الهيئات المهنية والثقافية المعنية بمجال صناعة الكتاب والنشر والعمل الثقافي، يضيف مراد القادري في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أجمعت أنّ ثمة شيئا غير طبيعي يحصل داخل قطاع الثقافة في وزارة الثقافة والاتصال. وهو ما يمكن ملاحظته من خلال توقيف صرف المستحقّات المالية للهيئات الثقافية ومقاولات النشر برسم سنتي 2015 و2016، وذلك على الرغم من أن هذه الهيئات قامت بإنجاز المشاريع التي وقّعت عليها سواء في مجال الطبع والنشر أو في مجال العمل والتنشيط الثقافي. وهو ما يهدّد، بحسب مراد القادري، المصالح الاقتصادية والاجتماعية للعديد من المقاولات ويجعل بعضها على حافة الإفلاس، كما أن هذه الوضعية، يضيف المتحدث، "تضيّق الخناق على الجمعيات والهيئات الثقافية التي تعاني مشاكل كبيرة في مجال توفير الموارد المالية لبرامجها وأنشطتها؛ جراء توقيف أو تجميد عمل لجنة الدعم الخاص بقطاع النشر والكتاب برسم الدورة الثانية من سنة 2017، وذلك على الرغم من أنّ عمل هذه اللجنة محكوم بالقرار رقم 3664.16 الصادر في 23 ربيع الأول 1438(23 دجنبر 2016) بتعيين رئيس وأعضاء لجنة دراسة طلبات عروض المشاريع المرشحة للدعم في قطاع الكتاب، والذي يجعل عملها محددا زمنيا في سنتين، وأربع دورات. والمؤسف في الأمر أنّ وزارة الثقافة لم تكلّف نفسها عناء التواصل مع الفاعلين المعنيين، وذلك من خلال توضيح خلفيات هذا القرار، بل ظل الغموض هو سيد الموقف، وهو ما نتج عنه انتشارُ الإشاعات والأقاويل التي أساءت إلى صورة الوزارة وإلى واحد من أهم برامجها الثقافية. بل إن الإساءة والتشكيك ستطال محكمي لجان الدعم والجمعيات والهيئات الثقافية والفنية المستفيدة من برامج الدعم، ويقدمها كطفيليات تجري وراء الريع، يقول رئيس بيت الشعر في المغرب، مؤكدا أنّ عملية الدعم في كافة المجالات: كتاب، مسرح، تشكيل وموسيقى وجمعيات.. كانت تتمّ وفق مقتضيات قانونية ينظمها دفتر تحملات واضح ودقيق..".وأضاف القادري أنه "ستكون هناك مبادرات أخرى، من أجل الدفاع على مبدإ استمرارية المرفق العمومي، فالجمعيات والهيئات المهنية المذكورة استفادت من برنامج للدعم وفق آلية قانونية وإدارية معروفة، وتم الإعلان على استحقاقها لهذا الدعم من خلال بيانات رسمية صادرة من وزارة الثقافة ومنشورة بموقعها الرسمي".واعتبر الشاعر مراد القادري، في ختام تصريحه لبيان اليوم، أنه "يمكن لأي مسؤول حكومي أن يغير ما يحلو له من برامج داخل القطاع المكلف بإدارته، لكن ليس من حقه تعطيل قرارات صادرة عن آلية متفق حولها ومصادق عليها. وحتى لو أراد أن يغير، فيتعين أن يقوم بذلك بمشاركة الهيئات التمثيلية للمثقفين والفنانين والمؤسسات العاملة في المجال وليس بصفة انفرادية… سننتظر ما ستقوم به الوزارة ردا على هذه الرسالة، وعلى ضوء ذلك سنتخذ المبادرات اللازمة الكفيلة بالدفاع عن حقوقنا وخاصة حقّ بلادنا في أن تكون لها سياسة ثقافية قارة ومتفق حولها يقوم بصياغتها كافة المعنيين بالشأن الثقافي، وهو ما من شأنه القضاء على مثل هذه الظواهر السلبية التي تعمّق من هشاشة المجال الثقافي والفني وتجعله عرضة لتدبير الأمزجة والأهواء بدل إقرار حكامة شفافة". من جهته اعتبر كريم سليكي، مدير دار النشر سليكي إخوان، التي يوجد مقرها الرئيسي بمدينة طنجة، أن التأخر في الحصول على الدعم دخل عامه الثاني، وهو ما وضع مؤسسته في مأزق حقيقي وقد يؤدي إلى الإحباط… باعتبار أن دار النشر "سليكي إخوان" من بين أكثر الناشرين نشاطا على مستوى عدد المشاريع التي تستفيد من دعم وزارة الثقافة. وأكد سليكي، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، على أنه بالرغم من عدم التوصل بأي شطر من الدعم، فقد حرصت دار النشر سليكي على الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤلفين وعملت على طبع منشوراتهم في الزمن المحدد. وفي سؤال لبيان اليوم حول ما إذا كان ذلك يشكل مغامرة حقيقية، أكد المتحدث أن ما يجعلهم يشعرون بشيء من الاطمئنان، هو أن الوزارة كانت قد وافقت على المشاريع التي قدموها لها ووقعوا معها عقد الاستفادة من الدعم، وأنه بالتالي لا يمكن التراجع عن ذلك، بقوة القانون.. غير أنه يضيف مستدركا أن "الإشكال الحاصل اليوم هو أن التأخير في صرف دفعات الدعم، قد يطول ولا نعرف متى سيتم الوفاء به، فعندما نتصل بالجهة المعنية، أي وزارة الثقافة، لا نحصل على أي خبر بخصوص تاريخ الإفراج عن منحة الدعم، إنهم لا يمدوننا حتى برأس الخيط". لكن رغم ذلك – يضيف المسؤول عن دار النشر سليكي- فنحن نتحرك ولن نظل مكتوفي الأيدي، ونحن منخرطون في اتحاد الناشرين المغاربة، وننسق في ما بيننا، ونتمنى أن يتم تجاوز البلاغات للقيام بفعل ملموس، وفي اعتقادي أن هذا الملف بحاجة إلى تدخل جهات عليا من أجل تصفيته. وفي اتصال أجرته بيان اليوم برئيس اتحاد كتاب المغرب، وهو من الموقعين على الرسالة، أوضح عبد الرحيم العلام أنه "لا أحد ينكر أن سياسة دعم الكتاب والنشر التي سنتها وزارة الثقافة منذ سنوات وتم تطويرها، كانت لها نتائج وآثار إيجابية على مستوى تحريك عجلة النشر ببلادنا، عبر استجابتها لطلبات ومقترحات دور النشر وبعض المؤسسات الثقافية الفاعلة، على مستوى دعم الكتاب والمجلات وغيرها، دون أن ننكر أن لها بعض السلبيات التي لا داعي للتعرض لها، وإن ساهمت في إثارة ردود فعل معاكسة، ما مس بقيمة سياسة الدعم والغايات والأهداف النبيلة التي وضعت من أجلها، فاختلط الحابل بالنابل، والثقافي بالتجاري، فتركت مؤسسات ثقافية ترزح تحت وطأة الديون والمشاكل الموازية. وحتى أتحدث، هنا، انطلاقا من واقع ملموس، أي انطلاقا من تفاعلنا مع سياسة الدعم في دورات سابقة، أي قبل أن نتوقف عن طلب الدعم إذ وجدنا أنه يورطنا أكثر في ديون وفي مشاكل مع المطبعة ومع كتابنا المرشحة كتبهم، ما جعل العديد من الكتب الجاهزة للنشر تبقى عالقة في المطبعة إلى اليوم، ما كان له تأثير كبير بعد طول انتظار، علما بأن الاتحاد لا يتوفر على ميزانية تمكنه من تغطية نفقات طباعة الكتب المتراكمة في المطبعة، ولا إصدار أعداد مجلة آفاق الجاهزة، ولا غيرها من المخطوطاتالمرسلة..". واقترح العلام أن تعيد وزارة الثقافة النظر في سياسة الدعم التي سنتها، وفق معايير جديدة ومناسبة، حتى تستفيد منها الكتب والكتاب الذين يحتاجون ذلك، لكون الغاية من هذه السياسة تكمن أساسا في تحفيز الكتاب على الكتابة والإنتاج ودعم عملية النشر والقراءة، بما يستجيب لانتظارات الكتاب والقراء على حد سواء. ومتى أغرقنا هذه السياسة في الوحل التجاري وفي الريع، فهنا سنصبح أمام سياسة تنتصر لقيم أخرى غير تلك القيم النبيلة المرتبطة بفعل الكتابة والقراءة، فيصبح الخاسر الأكبر هو المجتمع..".