يخلد المغرب ذكرى ثورة الملك والشعب "20 غشت"، وهي من أقوى محطات الكفاح الوطني دلالة وإلهاما و… راهنية. لقد اندلعت هذه الثورة المتفردة في السير النضالية للشعوب من أجل استقلالها، في 20 غشت 1953، وذلك حينما تجرأت سلطات الاستعمار الفرنسي على نفي المغفور له محمد الخامس وأسرته الملكية وإبعاده عن عرشه ووطنه، وبات حينها الهدف الوحيد والمطلب المتفرد للحركة الوطنية وكل الشعب المغربي هو عودة السلطان وأسرته، وهو ما رضخ له المستعمر وتحقق في: 16 نونبر 1955. إن هذه المحطة الكفاحية في المسار النضالي الوطني لشعبنا من أجل الحرية والاستقلال تمثل درسا بليغ المعنى، وهو أن الملكية في المغرب ليست طارئة أو وافدة أو بلا شرعية، وإنما هي راسخة ومتجذرة، بالإضافة إلى أن التلاحم بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية الحقيقية المعبرة عن تطلعات الشعب المغربي هو ما يحقق لبلادنا كل انتصاراتها ونجاحها، ولذلك فشل الاستعمار في القضاء على هذا التلاحم العميق، وعلى الارتباط المتين بين الملك وشعبه والقوى الوطنية ذات المصداقية والتاريخ. الدرس البليغ المشار إليه يمتلك إلى غاية اليوم راهنيته، ويفرض علينا كلنا ضرورة استحضاره باستمرار، وبالتالي تمثل عمق المعنى فيه واستلهام دلالاته. ولا شك أن الكل يتفق اليوم على أن التحديات المطروحة على بلادنا تتجسد في ضرورة تطوير الحكامة وتدبير الشأن العام وترسيخ أسس دولة القانون والمؤسسات، وأيضا في توطيد بناء الديمقراطية وإنجاح الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديمقراطية، وتحقيق التنمية وتحسين ظروف عيش مختلف فئات شعبنا بكل جهات ومناطق المملكة، علاوة على أهمية ترسيخ الوحدة الترابية للمغرب وتقوية أمنه واستقراره، وتنمية اقتصاده الوطني، وتمتين انفتاحه وأفقه الحداثي المتنور… وإن إنجاح كل هذه الرهانات هو مطلب المغاربة اليوم، ويجسد انتظارهم وتطلعهم، كما أن ذلك هو، في نفس الوقت، ما تعكسه، باستمرار، خطب جلالة الملك منذ توليه العرش، وتعبر عنه إرادته القوية من خلال أكثر من إشارة ورسالة. يعني ذلك أن الأمر هو إرادة الملك ومطلب الشعب، أي هو المعنى المستمر في زمننا المغربي الراهن لثورة الملك والشعب. إن تخليد ذكرى "20 غشت" اليوم يجب أن يكون من خلال خوض ما أسماه المغفور له محمد الخامس "الجهاد الأكبر"، أي معركة بناء المغرب الموحد والقوي والمتقدم والديمقراطي، أي ضخ نفس إصلاحي جديد وأقوى في المسار الديمقراطي والمؤسساتي والتنموي والعام لبلادنا، هنا والآن. يفرض المعنى الراهن لثورة الملك والشعب كذلك تقوية الهدوء اليوم في أجوائنا السياسية والمؤسساتية والمجتمعية العامة، وتعزيز ثقة شعبنا وشبابنا في بلادهم ومستقبلها، وفي السياسة والأحزاب والعمل من داخل مؤسسات النضال الديمقراطي، وأيضا تفعيل التوافق السياسي الإيجابي والمنتج داخل مؤسساتنا الوطنية بين مختلف الأحزاب والقوى الوطنية الجدية، ومن ثم الانكباب على بلورة أجوبة ملموسة وحقيقية لانشغالات المغاربة المرتبطة بواقعهم اليومي ومستقبلهم داخل وطنهم. وإن تزامن تخليد ذكرى ثورة الملك والشعب "20 غشت" مع الاحتفال بعيد الشباب، الذي يقترن بعيد ميلاد جلالة الملك "21 غشت"، يؤكد أن الانتظارات والتحديات المطروحة اليوم أمام بلادنا وشعبنا تقتضي التفكير العاجل في قضايا ومطالب الشباب، ومن ثم اعتبار قضايا مثل: التعليم والشغل وكامل المسألة الاجتماعية على رأس الأولويات الوطنية في هذه المرحلة التاريخية من المسار العام لبلادنا. وفضلا عما سبق، فإن هذا التزامن المشار إليه بين عيدين وطنيين، يعبر عن الضرورة المحورية للاهتمام بقضايا الديمقراطية ومحاربة الفساد والريع، وترسيخ الحريات ومرتكزات دولة القانون والمؤسسات، أي تمتين رسوخ ممارستنا الديمقراطية الوطنية العامة في منظومة الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه كونيا، والتفاعل، بالتالي، مع قيم الزمن الحديث كما يتمثلها جيل اليوم، ومع أفق انتظار الشباب، والوعي بفرص المقارنة المتاحة أمامهم بفضل انتشار التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل المتعددة. إن ما تحياه بلادنا منذ فترة يفرض علينا إذن ومن جديد إعادة قراءة وتأمل درس ودلالة ذكرى ثورة الملك والشعب، ومعنى الارتباط الوطني والنضالي بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية الحقيقية والتاريخية، وكيف ينجح المغرب دائما بفضل هذا الارتباط المتفرد في كسب مختلف المعارك الوطنية والسياسية والتنموية. ثورة الملك والشعب، هي راهنية اليوم أكثر من أي وقت آخر، وهي أيضا التجسيد الأكثر بلاغة لمطلب وانتظار الشعب المغربي في هذه الظرفية الوطنية والخارجية بالذات. الحاجة ملحة إذن لقراءة شجاعة ومتبصرة وموضوعية وممتلكة لبعد النظر لمعنى "ثورة الملك والشعب" في الزمن المغربي الحالي، ولاستحضار واقع شبابنا ومطالبهم وانتظاراتهم والدلالة الحقيقية وراء الاحتفال ب: "عيد الشباب" المقترن بتخليد ذكرى ميلاد جلالة الملك.