تشهد العلاقات الروسية الأميركية توترا على خلفية تصويت الكونغرس الأميركي على قرار بفرض المزيد من العقوبات على موسكو، التي ردت بطرد 755 دبلوماسيا أميركيا من أراضيها. ويتوقع أن يتصاعد هذا التوتر بعد مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول أمس الأربعاء على مضض على قانون العقوبات، الذي قال عنه عقب التوقيع إنه "يعاني من عيوب". ولطالما كانت العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا خاضعة لتقلبات كثيرة في ظل تضارب المصالح والأهداف بينهما، وقد كان هناك اعتقاد سائد بأن هذا الوضع قد ينتهي أو ينحسر مع إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، بيد أن مجريات الأمور في الآونة الأخيرة تؤكد أن التصعيد يبقى سيد الموقف بينهما. ويخشى كثيرون من أن يؤثر هذا التصعيد على جملة من الملفات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها الملف السوري الذي سجل في الأشهر الأخيرة تعاونا لافتا بين الجانبين من نتائجه التوصل إلى اتفاقيتين لخفض التصعيد في كل من الغوطة الشرقية والجنوب. وهناك اليوم مفاوضات تجري بين مسؤولين عسكريين من الطرفين لتعميم هذه الاتفاقات في أكثر من بقعة ساخنة في سوريا ومنها ريف حمص (وسط). ورغم أن محللين يرون أن التصعيد الدبلوماسي بين روسياوالولاياتالمتحدة لن يؤثر على التعاون الجاري بينهما في سوريا الذي هو من صالحهما، فإن البعض بدء يتسرب له الشك خاصة وأنه يلاحظ عودة اللهجة الصارمة الأميركية تجاه الأسد. ويقول فلاديمير أحمدوف، كبير الباحثين في معهد الاستشراق بموسكو، "إن التعاون بين البلدين بخصوص سوريا لن ينهار، ربما يتأثر بشكل مؤقت أي تجميد التعاون لمدة أيام أو أشهر، ولكن الطرفين يدركان أنه ليس من الصالح عودة الصراع إلى نقطة البداية". وحذر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الثلاثاء الماضي، من أن علاقة بلاده مع موسكو قد تزداد سوءا، تعقيبا على الإجراءات الروسية الأخيرة. وكانت موسكو قد أمهلت واشنطن حتى الأول من سبتمبر لتخفيض عدد موظفيها إلى 455 شخصا، وهو الرقم الذي يعادل عدد الدبلوماسيين الروس الموجودين في الولاياتالمتحدة، ويشار إلى أنه يوجد في روسيا أكثر من 1000 موظف من الدبلوماسيين الأميركيين. وجاء قرار الكرملين ردا على قرار الكونغرس على قانون يسمح بفرض عقوبات جديدة على روسيا بشأن اتهامات بتدخلها في الانتخابات الأميركية. ولا تحظى خطوة الكونغرس على ما يبدو بإجماع أميركي، وليس أدل على ذلك من تصريحات تيلرسون الذي وجه انتقادا غير مباشر للقرار. وقال وزير الخارجية الأميركي إن قرار الكونغرس تمرير مشروع قانون العقوبات جعل من محاولات إذابة الجليد بين البلدين "أكثر صعوبة". وأوضح تيلرسون "لم يكن الرئيس ولا أنا راضيين عن تحرك الكونغرس لفرض هذه العقوبات والطريقة التي فعل بها ذلك...كنا واضحين بأننا لا نعتقد أنها ستكون مفيدة لجهودنا لكن هذا القرار الذي اتخذوه..اتخذوه بأغلبية كبيرة". ويبدي تيلرسون ميلا لتعزيز العلاقات مع الروس في ظل تشابك مصالحهما في أكثر من ملف ومنها سوريا، حيث أنه وبعد 7 سنوات من الحرب في هذا البلد بات من الثابت أنه لا مجال لانتصار كلي وحاسم لطرف على آخر وأنه لا مفر من تعاون روسي أميركي لإنهائه. ومنذ تدخلها المباشر في سوريا في سبتمبر من العام 2015 باتت موسكو الرقم الصعب في المعادلة السورية، وتدرك الإدارة الأميركية الحالية أن فرص مناوراتها في سوريا خفت بشكل واضح بعد أن فوتت الإدارة السابقة فرص حسم الصراع لفائدتها في السنوات الأولى من الصراع. وتريد واشنطن اليوم إيجاد أرضية مشتركة مع روسيا، تسمح لها بتحقيق جزء من أهدافها في هذا البلد العربي بأقل التكاليف، فالرئيس دونالد ترامب ورغم المواقف المثيرة للجدل التي يبديها والتي تنزع إلى التصعيد، بيد أنه لا يريد أن يتورط بشكل كبير في المستنقع السوري. والأهم وفق المتابعين أن هذا الملف بات بشكل شبه كلي بأيدي البنتاغون الذي لديه رؤية للواقع أكثر صرامة وحزما، من الدبلوماسيين، ويعلم أن أي استفزاز أو تصعيد قد يقود إلى منحى خطير، وبالتالي ينحو صوب التنسيق مع موسكو ودعم قنوات التواصل معها. وأعرب وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن حرص بلاده على التعاون مع روسيا من أجل استقرار سوريا؛ مؤكدا في الوقت ذاته على أن موقف بلاده من الرئيس بشار الأسد كما هو حيث أنه لا مجال لاستمرار الأخير في الحكم مستقبلا. واعتبر الوزير أنّ "العلاقات بين واشنطنوموسكو تضمنت، رغم اضطرابها، تعاونًا في مجال زرع الاستقرار في سوريا". وشدد على أنّ "بلاده اشترطت على روسيا انسحاب القوات الإيرانية والمتعاونين معها من سوريا، ومنح السوريين الفرصة لكتابة الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة". ويستعد تيلرسون إلى ملاقاة نظيره الروسي سيرجي لافروف في مانيلا مطلع الأسبوع المقبل على هامش اجتماعات رابطة دول جنوب شرق آسيا. ويرجح أن يركز اللقاء على ضرورة الإبقاء على قدر من المرونة في التعاون بين البلدين في القضية السورية وغيرها من القضايا، وعدم الانجرار خلف المزيد من التصعيد. ويقول فلاديمير أحمدوف "إن روسياوالولاياتالمتحدة دولتنا قادرتان على فصل الملفات بغرض منع الاتجاه نحو نقطة اللاعودة وجعل حل الأزمة بين البلدين ممكنا عبر تحجيم التصعيد بنقاط محددة وترك فرص للتعاون في نقاط أخرى". وبشأن تجديد واشنطن مطالبتها برحيل الأسد، يرى الخبير الروسي أن التلويح بها قد يخدم موسكو عبر تمكينها من ممارسة ضغوط على الطرف الإيراني والنظام للالتزام بالرغبات الروسية مقابل تدخلها ومنع الضغوط الأميركية. ويشدد أحمدوف على أن "استمرار التعاون بين البلدين من شأنه أن يضع حدا لكل الأطراف في الملف السوري وخصوصا الميليشيات الأجنبية، فوجودها انتقاص للنفوذ الروسي".