شهد لبنان الذي يحفل تاريخه الحديث بالأزمات السياسية والحروب, نشوء أزمة جديدة خلال العام 2010 تتمحور حول المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري, قد تدفع البلاد مجددا ثمنا باهظا للخروج منها. ويقول المحلل السياسي راجح الخوري لوكالة فرانس برس إن «السنة الحالية في لبنان كانت وبامتياز سنة المحكمة الدولية التي طغت تطوراتها على كل الأحداث الأخرى». ويضيف «هي أيضا سنة الانقسام اللبناني المستمر حول قضايا وطنية كثيرة, أولها قضية المحكمة». ويحبس اللبنانيون أنفاسهم منذ يوليو الماضي حين كشف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت بقرار من مجلس الأمن في مايو 2007, ستتهم حزبه بجريمة اغتيال الحريري التي وقعت في فبراير 2005. وبدأ حزب الله منذ ذلك الحين هجوما على المحكمة معتبرا أنها «أداة إسرائيلية أميركية» لاستهدافه, في وقت يتمسك فريق رئيس الحكومة سعد الحريري, نجل رفيق الحريري, بالمحكمة «لتحقيق العدالة». واعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أن أي قرار يصدر عن المحكمة الدولية المكلفة محاكمة قتلة رفيق الحريري, سيكون «لاغيا وباطلا». وشهدت الأزمة تصعيدا خلال الأسابيع الأخيرة من السنة مع التوقعات بقرب تسليم مدعي المحكمة دانيال بلمار مسودة القرار الظني إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين. ويشرح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية مروان رويهب أن «الفرقاء في لبنان وضعوا أنفسهم في مواقع لا يمكن أن يتراجعوا عنها. لقد فقدوا زمام المبادرة وأصبح كل منهم أسير موقفه فيما يتطلع إلى الخارج». ويضيف «الوضع خطير بسبب وجود السلاح, ولان البلاد منقسمة طائفيا بشكل اكبر مما كانت عليه عشية الحرب الأهلية» (1975-1990), مشيرا في الوقت نفسه إلى «صعوبة التكهن بما حصل خصوصا بسبب كثرة اللاعبين». وتكثفت الوساطات الخارجية منذ الصيف بقيادة السعودية الداعمة للحريري وسوريا الداعمة لحزب الله في محاولة لاحتواء أي تداعيات خطيرة خصوصا أمنية, لصدور القرار الظني إذا اتهم بالفعل حزب الله الشيعي, القوة اللبنانية الوحيدة المسلحة إلى جانب الجيش اللبناني, باغتيال الزعيم السني. وكان الحدث الأبرز القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت في غشت وضمت الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان. كما زار لبنان خلال الأشهر الأخيرة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد ورئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان. في المقابل, جال سعد الحريري على عدد كبير من الدول العربية والأوروبية في محاولة للحصول على دعم من اجل تفادي تطور الأوضاع إلى الأسوأ في لبنان. ويرى راجح الخوري أن «هناك عوامل كثيرة تستدعي الخوف من انفجار امني (...) لكن هناك مبالغة أيضا في ما يمكن ان يقوم به حزب الله». ويضيف «قد تحدث تفجيرات في مناطق لبنانية محددة على خلفية احتقان طائفي ومذهبي». ويعيش اللبنانيون في هاجس تكرر أحداث السابع من مايو 2008 التي اجتاح خلالها حزب الله معظم أحياء غرب بيروت بسبب معارك بينه وبين أنصار الحريري تسببت بمقتل اكثر من مئة شخص. وأحدثت اشتباكات وقعت في غشت في برج أبي حيدر في غرب العاصمة بين حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية المنتميين إلى المعسكر السياسي نفسه, صدمة بسبب تطور ما قيل انه «حادث فردي» إلى معارك استخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص. وينعكس انتظار القرار الظني شللا في أعمال حكومة الوحدة الوطنية المنقسمة بين الفريقين الأساسيين. ويقول الخوري إن «تصرفات السياسيين تعرقل الاقتصاد (...) فالشلل السياسي القائم أدى إلى غياب الدولة تقريبا في كل وزاراتها ومؤسساتها العامة». ويتابع «تترتب على هذا الأمر تداعيات اقتصادية كبيرة جدا, ولولا التحويلات المالية للبنانيين في الخارج, لكان الانهيار الاقتصادي أصاب كل القطاعات». وبعد أن شهد مطلع العام تحسنا في العلاقات بين الحريري ودمشق, توقفت الاتصالات نهائيا منذ غشت, بعد إصدار القضاء السوري جملة مذكرات توقيف تشمل سياسيين وموظفين مقربين من رئيس الحكومة, وذلك في شكوى تقدم بها المدير العام السابق للأمن العام اللبناني جميل السيد أمام القضاء السوري. وادعى السيد على هؤلاء بتهمة الإدلاء بشهادات زور في قضية الحريري تسببت بسجنه أربع سنوات للاشتباه بتورطه في اغتيال الحريري, قبل أن تصدر المحكمة الدولية قرارا بالإفراج عنه وعن ثلاثة ضباط آخرين «لعدم كفاية الأدلة». وكان الحريري اتهم مع حلفائه في 2005 سوريا بالوقوف وراء اغتيال رفيق الحريري, إلا انه أعلن في غشت انه «أخطأ بتوجيه هذا الاتهام السياسي». وتابعت القوى الأمنية اللبنانية خلال 2010 حملة التوقيفات في حق مشتبه بتعاملهم مع إسرائيل. ويؤكد حزب الله أن الدولة العبرية تخرق كل شبكات الاتصالات اللبنانية وتستطيع التجسس على الاتصالات والتلاعب بالبيانات الخاصة بها. ويودع لبنان العام الجديد من دون حل في الأفق. ويقول الخوري «الحكومة معطلة, والبرلمان معطل. فلنذهب إلى هيئة طوارئ وطنية تجنب البلاد الدخول في حرب جديدة».