يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة رسمية لبلادنا، هي الأولى له إلى بلد في شمال إفريقيا منذ انتخابه على رأس الجمهورية الفرنسية، وعقب الوضع السياسي الداخلي المريح الذي كرسته لفائدته نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية. وبالإضافة إلى البعدين الرمزي والسياسي للزيارة، وأيضا تكريسها للطبيعة الاستراتيجية للعلاقات بين الرباطوباريس، فإن جدول أعمالها يشمل قضايا التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي بين البلدين، بالإضافة إلى العلاقات المغربية الأوروبية والقضايا المتوسطية وباقي الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ومن جهة أخرى، ستنال قضايا التنسيق الأمني والاستخباراتي والعمل بين البلدين في مكافحة الإرهاب، وفِي مواجهة مشكلات التطرّف، وأيضا الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والتهريب والهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر وتبييض الأموال… حظها من المحادثات، وهي كلها مجالات حقق فيها التعاون المغربي الفرنسي نجاحات في السنوات الأخيرة، وصار التعاون والتنسيق بين البلدين بشأنها يكتسي طبيعة استراتيجية. من المؤكد أن علاقات الرباطوباريس عانت، مع ذلك، في السنوات الأخيرة من أزمات ولحظات توتر، كانت كل مرة تضع هذه العلاقات على محك حقيقي، ولكن برغم ذلك، فقد كان المنطق والمصالح المشتركة ينتصران في النهاية، وتعود الصلات الثنائية لتواصل طريقها قدما، ولتنتصر علاقات البلدين لبعدها التاريخي العريق من دون أي تأثر بالأزمات العابرة أو الأحداث السياسية أو الأمنية التي تعترض طريقها بين فترة واأخرى. اليوم، مع بداية ولاية الرئيس الجديد ماكرون، يؤكد أغلب المراقبين أن العلاقات المغربية الفرنسية ستمشي… إلى الأمام. ما يحفز على هذا الاقتناع، ليس فقط بعض الإشارات التي وجهها الرئيس الجديد منذ فترة حملته الانتخابية، ولكن أيضا كونه "متحررا" إلى حد كبير من ثقل الأيديولوجيا والمواقف المسبقة، عكس ما كان يحدث مع بعض أسلافه، ثم بالطبع واقعية استحضار منطق المصالح العليا للبلدين، وسياقات الظرفية الحالية في فرنسا وأوروبا وعبر العالم، ومن ثم تبدل عدد من معادلات الوضع الإقليمي والدولي. وبرغم ما كشف عنه النظام العسكري الجزائري وديبلوماسيته من حنق وغضب جراء تخصيص الرئيس الفرنسي المغرب بأول زيارة له، وما اقترفته الجزائر في الأسابيع الأخيرة من ضغوط واتصالات للتأثير في القرار الفرنسي، فإن باريس تدرك أن المملكة اليوم هي البلد المستقر في شمال إفريقيا، وهي التي تجسد نموذجا متميزا في المنطقة على صعيد البناء الديمقراطي واستقرار المؤسسات ودينامية الحياة الاقتصادية وانفتاح المجتمع، وبالتالي هي شريك حقيقي، يمتلك المصداقية، لفرنسا وأوروبا، وحليف تاريخي لهما، ومن واجبهما دعمها ومساندتها لصيانة استقرارها وأمنها ووحدتها، خدمة للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة ككل. المغرب كذلك صار اليوم فاعلا أساسيا على مستوى قضايا إفريقيا، وهو يتميز بحضوره وامتداده الوازنين والكبيرين ضمن مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة، ومن أجل تقوية الأمن والاستقرار داخلها، ومن ثم فهو يعتبر شريكا أساسيا لفرنسا على هذا المستوى. هذه الاعتبارات، وأخرى غيرها، تشكل اليوم الفرص التي تتيحها الشراكة مع المغرب لفائدة فرنسا؛ والمملكة، من جهتها، ما فتئت تبدي استعدادها للعمل إلى جانب باريس من أجل المصالح المشتركة، وهي تفرض، على الطرف الآخر، الوعي كذلك بتغير الديبلوماسية المغربية، وبوجود مصالح وطنية واستراتيجية لدى المغرب، يصر، بدوره، على الدفاع عنها، ولا يقبل أي مساس بها، وهي وحدته الترابية وقضاياه الوطنية، فضلا عن مصالحه الاقتصادية والتنموية، سواء مع فرنسا أو في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وأيضا تطلعه المشروع لتحقيق أهدافه التنموية الداخلية وتمتين بنائه الديمقراطي. وإذا التقت إرادتا البلدين على قاعدة هذه الأهداف، وأصرا معا على بناء شراكة مربحة لهما، فإن العلاقات المغربية الفرنسية ستسير بالفعل… إلى الأمام. محتات الرقاص