مازال المجلس الأعلى للتربية والتكوين يمارس مهامه رغم انتهاء ولايته القانونية، إذا مازال يبدي رأيه في قضايا مجتمعية خارج الآجال القانونية التي حددتها المادة 9 من القانون المحدث لهاته المؤسسة الدستورية، مما يطرح تساؤلات حول كيف مارس المجلس اختصاصات غير مخولة له قانونيا؟، خصوصا وأن معظم القرارات الصادرة عن هاته الهيئة، بما في ذلك الآراء الاستشارية، تعد باطلة على اعتبار أن إقرارها قد تم خارج الولاية المحددة لأعضاء المجلس. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة رأي منسوبة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين حول نظام الباكلوريوس، ورد فيها أنها أعدت بناء على إحالة من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وهي الوثيقة التي تتحدث عن مشروع المرسوم الذي أعدته الوزارة الوصية، حول الباكلوريوس مشيرة إلى أنه "لم يقدم المبررات العلمية والبيداغوجية التي أفضت إلى تغيير مدة التكوين في السلك الأول للتعليم العالي وفي الماستر". وأوضحت أن الرأي الذي أعده المجلس، جاء استجابة لطلب أحيل عليه من طرف رئيس الحكومة في 13 شتنبر الماضي، بشأن «مشروع المرسوم المتعلق بتحديد اختصاصات المؤسسات الجامعية، وأسلاك الدراسات العليا، وكذا الشهادات الوطنية المطابقة". هذا في الوقت الذي تقول فيه المادة الثانية من القانون رقم 105.12 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، "يتولى المجلس، بصفته هيئة استشارية، مهام إبداء الرأي في كل السياسات العمومية، والقضايا ذات الطابع الوطني، التي تهم ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي". وهي المادة التي تستند إليها الوثيقة التي بدأت تروج منذ يومين على مواقع التواصل الاجتماعي وكتبت عنها الصحافة على أنها رأي صادر عن المجلس، علما أنه لم يصدر أي بلاغ عن هذه المؤسسة الدستورية في الموضوع ولا يوجد أي أثر لهذه الوثيقة على الموقع الرسمي للمجلس، الشيء الذي يثير الشك حول وجود رأي أصلا في موضوع سلك البكالوريوس صادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، يقول الخبير التربوي عبد الناصر الناجي. واعتبر عبد الناصر الناجي، أن هناك ثلاثة عناصر تؤكد من وجهة نظري هذه الفرضية. أولا، توقفت أشغال المجلس منذ آخر دورة لجمعيته العامة نظمت يوم 10 يوليوز 2019، وهي الدورة رقم 17 والتي شهدت بالمناسبة تقديم آخر رأي رسمي للمجلس وهو الرأي المتعلق بمهن التربية والتدريس والتكوين والبحث الذي يحمل رقم خمسة ضمن حصيلة الآراء التي أدلى بها المجلس في ولايته الممتدة من 2014 إلى 2019، من بينها رأيان في إطار الإحالة من الحكومة، الأول حول تعديل القانون 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، والثاني حول مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين والبحث العلمي، ورأيان في إطار الإحالة الذاتية أحدهما متعلق بالتعليم الأولي والثاني بالتربية الدامجة. لكن ما يثير الشك أكثر في صحة الوثيقة المنسوبة إلى المجلس الأعلى هو ادعاؤها بأنها تمثل الرأي رقم 13 الصادر عن الهيئة الدستورية، فأين هي باقي الآراء السبعة المفترضة والتي لا أثر لها في أي مكان؟ "لقد توقفت أشغال المجلس ولم يجتمع مكتبه ولا جمعيته العامة ولا اشتغلت لجانه الدائمة منذ أكثر من عامين، في انتظار تجديد العضوية أو تعيين أعضاء جدد بعد انتهاء الولاية الأولى للمجلس في صيغته الجديدة المفعلة للمادة 168 من دستور 2011. ثانيا، يتألف المجلس وفقا للمادة السابعة من القانون المنظم "علاوة على الرئيس الذي يعين من قبل الملك لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة" من أعضاء يمثلون فئة الخبراء والمتخصصين، وفئة الأعضاء المعينين لصفتهم، وفئة الأعضاء الممثلين للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والأطر التربوية والإدارية، وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ، والمدرسين والطلبة والتلاميذ، والجماعات الترابية، وجمعيات المجتمع المدني، والمقاولات والهيئات الممثلة للمؤسسات الخاصة للتعليم والتكوين الخاص. وبما أن كل هؤلاء لم يتم تجديد عضويتهم ولا تعيين من يعوضهم، فإن المجلس لا يتكون الآن سوى من الطاقم الإداري ومن الهيئة الوطنية للتقييم، فهل يكون الموظفون هم من صاغ الرأي المتداول في الصحافة؟ أم أن الهيئة هي من فعلت ذلك؟ وهي على كل حال حسب القانون المنظم للمجلس لا دور لها في إصدار آراء المجلس إلا عندما يتعلق الأمر بمواضيع لها علاقة بالتقييم. ثالثا، مسطرة إبداء الرأي يحددها القانون المنظم للمجلس بحيث تنص المادة 15 بأن مكتب المجلس ينظر " في طلبات إبداء الرأي المعروضة على المجلس، ويحيلها، قصد الدراسة والبحث، إلى اللجان المختصة أو إلى مجموعات العمل الخاصة، أو إلى الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، كل حسب اختصاصه". كما تنص المادة 12 على أن الجمعية العامة تتداول "في كل القضايا المعروضة على المجلس من قبل الملك، أو المحالة إليه من طرف الحكومة أو البرلمان"، وتقوم طبقا للمادة 21 من القانون نفسه بالمصادقة "على القضايا المعروضة عليها بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين"، يضيف المصدر ذاته. ويتساءل الناجي هل تم احترام مقتضيات هذه المسطرة في صياغة والمصادقة على الرأي" المزعوم" والحال أنه لا وجود لمكتب المجلس ولا لجانه ولا جمعيته العامة؟ لكل هذه الأسباب يقول عبد الناصر الناجي أن الرأي الأخير المنسوب إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لا يعدو أن يكون مجرد اختلاق، مما يفرض على رئيس المجلس اصدار بلاغ توضيحي في الموضوع في وقت أصبحت فيه الاشاعات أكثر فتكا.