"إعلان الدوحة" يُتوج مؤتمر "إيكاو" بشأن تسهيل النقل الجوي الدولي    الحكومة ترصد 30 مليون درهما لدعم حضور صادرات الصناعة التقليدية في الأسواق الدولية    تنسيق بين شرطة طنجة والقصر الكبير يطيح بأربعة أشخاص ينشطون في ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    القضاء يدين راشقي سيارات بالبيض    أزيد من 120 مشروعا في 6 مدن.. المغرب يسرّع وتيرة الاستعداد ل"كان 2025″    باها: اللاعبون عازمون على كتابة التاريخ بأول لقب إفريقي للمغرب تحت 17 سنة    حكيمي لعب 41 مباراة سجل 6 أهداف وقدم 14 تمريرة حاسمة    علاقات المغرب وإسبانيا.. دعم للحكم الذاتي وتكريس للتعاون الإستراتيجي    شوكي: المعارضة تمارس "التضليل" وحكومة أخنوش الثانية قادمة في الطريق    ولاية أمن أكادير تفند ادعاءات سوء معاملة ممثل هيئة حقوقية بأولاد تايمة من طرف رجل أمن    عرض عربي أول للفيلم المغربي الجرح وتفاصيل منافسة أربعة أفلام أخرى بمهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة    صناعة السيارات: افتتاح الدورة الثامنة لملتقى "طنجة المتوسط أوطوموتیف میتینغ"    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    هل يسرع تصنيف المغرب ضمن الدول الآمنة ترحيل المهاجرين من أوروبا؟    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا    "التراث الثقافي المغربي في سياق الذكاء الاصطناعي ومقاربة الهوية الإفريقية" محور ندوة علمية    تعيين مدراء جدد لمراكز دراسات الدكتوراه في جامعة شعيب الدكالي    الصين تدعو واشنطن للكف عن الضغوط وتؤكد استعدادها للتعاون دون تنازل عن مصالحها    بوريطة: علاقات المغرب وإسبانيا إيجابية.. والحكم الذاتي يحظى بإجماع دولي    آيت ملول تحتضن مهرجان سينما الأسرة    تراجع جديد في أسعار المحروقات بمحطات الوقود    المندوبية السامية للتخطيط…توقعات بمعدل نمو يصل إلى 3,8 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2025    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    أكثر من 20 قتيلا ضمنهم أطفال في قصف همجي إسرائيلي على مخيم نازحين    بعد "ميتا" و"إكس".. "تيك توك" ينضم إلى محاربة المعلومات المضللة    إسبانيا: "الحكم الذاتي" يظل الحل الأكثر مصداقية وجدية لتسوية النزاع حول الصحراء    وزارة الداخلية تتخذ قرارا مفاجئا في حق "قائد تمارة"    فرقة الأخلاق العامة بطنجة توقف أزيد من 20 شابة للاشتباه بقيامهنّ ب "الدعارة والفساد"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    خطابي: الإعلام العربي يتصدى للعدوان    محمد السادس للرئيس السوري أحمد الشرع: أنتم تديرون هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدكم الشقيق    رسميا.. فيرجيل فان دايك يجدد عقده مع ليفربول    الاتحادات الكروية ترفض مقترح أمريكا الجنوبية المتعلق بتنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة 64 منتخبا    سعد لمجرد لن يشارك في الدورة 20 من موازين    بلقشور يعلن عن رفع المنع في حق حسنية أكادير ويؤكد أن العصبة ستقوم بتسوية الملفات المتبقية    "كان" الشباب... الاتحاد الإفريقي يعلن عن برنامج مباريات المنتخب المغربي    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    شي جين بينغ يجري مباحثات مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم    هيئة حقوقية تندد بتوالي حوادث العنف داخل المؤسسات التعليمية    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    البندقية تنفتح على السينما المغربية    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخادعون بلا حدود... بين سمو مهنة الصحافة وخدعة المناضل السياسي
نشر في برلمان يوم 06 - 10 - 2021

عرف المشرع المغربي الصحافة في القانون رقم 88.13 بأنها مهنة جمع الأخبار أو المعلومات أو الوقائع أو التحري أو الاستقصاء عنها بطريقة مهنية قصد كتابة أو إنجاز مادة مهنية مكتوبة أو مسموعة أو سمعية بصرية أو مصورة أو مرسومة أو بأية وسيلة أخرى كيفما كانت الدعامة المستعملة لنشرها أو بثها للعموم. وحسب ذات المشرع فحرية الصحافة مضمونة طبقا لأحكام الفصل 28 من الدستور ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكالالرقابة القبلية، وحرية الفكر أو الرأي أو التعبير مكفولة للجميع طبقا للفصل 25 من الدستور؛ وتمارس هذه الحقوق والحريات طبقا للدستور ووفق الشروط والشكليات الواردة في مدونة الصحافة والنشر.
أمام هذه المعطيات القانونية وغيرها من القواعد المفصلة بوضوح في مقتضيات القوانين الثلاث المشكلة لمدونة الصحافة والنشر تتضح المعالم والحدود المرنة التي تشكل المساحة المهنية المشروعة لعمل الصحفي، كما أنها تحدد كذلك الأفعال المشكلة للمخالفات المستوجبة للعقاب متى تم إحداث أضرار أو تجاوز للواجبات القانونية؛ مع العلم أن المشرع المغربي في قانون الصحافة والنشر كان منسجما مع التزاماته الدولية المتعلقة بحقوق الإنسانبصفة عامة والحق في حرية الرأي والتعبير على وجه الخصوص، وذلك بعد اعتماده لسياسة عقابية مؤنسنة أبعدت العقوبات الحبسية من حقل جرائم الصحفيين.
ولكن، جرائم الصحفيين بمناسبة ممارستهم لعملهم المهني المحدد تحديدا دقيقا طبقا للقانون، وليس جرائم الحق العام التي تؤدي الضحايا وتهدد الأمن المجتمعيبالاضطراب المتعمد. فإذا ما ارتكب الصحفي بصفته مواطن مغربي إحدى الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي فإنه ملزم بالخضوع للقاعدة الدستورية التي تنص على مبدأ المساواة بين المواطنات والمواطنين أمام القانون، وبالتالي لا يمكن لهذا الصحفي مجابهة سلطات المتابعة أو الاتهام أو سلطات المحاكمةبكونه ذو حصانة مستلهمة من مدونة الصحافة والنشر.
وهذا ما تعايشنا معه مؤخرا في بعض القضايا التي حظيت باهتمام واسع من طرف الرأي العام، التي توبع وحوكم فيها بعض الصحفيين وأحد المِؤرخين، بسبب أفعال جرمها المشرع الجنائي وحدد لها عقوبات رادعة حماية للأشخاص والمجتمع.
ولأن الأمر يتعلق بمن يدعون النضال بلا نضال، ويدعون السياسة بلا خطاب سياسي، ويدعون الجرأة في الرأي بلا رأي موثق في مواد إعلامية واضحة المراجع والعناوين، ولأنهم صحفيون، فتح باب اللغط والتضليل والكذب والبهتان على مصراعيه ضاربا بعرض الحائط أنين الضحايا وآلام احتضارهن في موت معنوي قبل ضرب مصالح مجتمع له كل الحقوق لضمان أمنه القانوني والقضائي.
فبدأ مسلسل الاعتداء على الواقع والوقائع بالتزييف والافتئات وانتهى بمحاولات التأثير على القضاء، بل امتد لدرجة سلب السلطة القضائية سمة الاستقلالية وجعلها أداة قمعية في يد دولة أسموها بالبوليسية؛ وذلك بحجة اعتبار القضايا سياسية.
لكن، نسي أو تناسوا هؤلاء المنتقدين لقضاء بلدهم أن تاريخ الإجرام السياسي كان محاطا بفكرتين أساسيتين، أولاهما تؤكد على أن هذا النوع من الإجرام هو اعتداء موجه ضد الدولة سواء استهدف أمنها الداخلي أو أمنها الخارجي، وأنه من الطبيعي أن تبادر الدولة المجني عليها إلى الدفاع عن كيانها بكل ما أوتيت من قوة، وثانيهما فكرة المذهب الحر في السياسة والقانون، الذي يعد الدولة جهازا اجتماعيا وإنسانيا خلق لحماية حقوق الأفراد، وضمان حرياتهم، وتأمين احتياجاتهم، في إطار ضرورات الحياة الإجتماعية والعيش المشترك. وهذا التاريخ هو ذاته المحطة الزمنية التي أفرزت الجدل الفقهي والقضائي حول مفهوم الجريمة السياسية التي عجزت القوانين الجنائية عن وضع تعريف محدد لها.
وفي هذا السياق يقول الطبيب الايطالي "لومبروزو" في كتابه الجريمة السياسية والثوار، أن المجرم السياسي هو شخص يبتغي أن يعجل في سير التطور السياسي والاجتماعي فيصطدم بالنظام القائم في الدولة، وقد أعطى صفات وسمات تميز المجرمين السياسيين عن غيرهم من الجناة، من بينها جمال الجسم وسمو الخلق وشرف النفس، كما صنفهم ضمن زمرة المجرمين العاطفيين.
أما علماء الإجرام المحدثون فقد اعتبروا المجرم السياسي نموذجا سياسيا وصادقا للمجرم العقائدي، ويجب النظر إليه كصنف قائم بذاته يتميز بشعور عميق وصادق بأن ما يقترف من فعل هو واجب يمليه عليه الضمير.
وبقيت الجريمة السياسية رغم محاولات الفقهاء المتعددة والمتضاربة حول تعريفها، حبيسة النسبية، فقد عرفها أنصار المذهب الموضوعي بكونها "الجريمة التي تعد اعتداء على النظام السياسي للدولة سواء من الداخل أو من الخارج"، أو هي " الجريمة التي تقع عدوانا على نظام الدولة السياسي كشكل الحكومة ونظام السلطات وحقوق المواطنين "، أما أنصار المذهب الشخصي فقد اعتبروها تلك " الجريمة التي يكون الباعث عليها والغرض الوحيد فيها محاولة تغيير النظام السياسي وتبديله وقلبه". وبين هذا وذاك انبثق تعريف مختلط اعتبرها "الجريمة التي يكون موضوعها والباعث على ارتكابها سياسيا".
وأمام الجدل المشروع حول طبيعة ومفهوم الجريمة السياسية، يفتح التساؤل حول الجدل المفترض الذي أثاره دعاة المظلومية باسم تصفية الحسابات السياسية، هل يعتبرون أنفسهم مصنفين في خانة الإجرام العاطفي كما قال "لومبروزو"، أو أنهم من دعاة قلب النظام السياسي كما قالت المدرسة الشخصية؟
لأن ما يتم الترويج له إعلاميا، من مصطلحات رامية لوصف الدولة بالمارقة المستبدة والبوليسية، يجعل المتتبع بإصغاء عقلاني، يستنبط خلاصة مفادها الترويج لصراع مفترض بين مصلحة الدولة في الحفاظ على شخصيتها وسلامتها وأمنها، وبين مصلحة الأفراد في صون حقوقهم وحرياتهم.
وهذا نقاش مفتعل، مبني على الافتراء العاطفي على من يتوسمون خيرا في مؤسسات وطنهم وقوانينها، وذلك بتعويم الحقائق في متاهة اصطلاحية لغاية طمس الحقائق الثابتة بمحاضر قانونية وأحكام قضائية بنيت على معطيات ووقائع نوقشت بكل حرفية وبكل جدية وحياد، والتي أريد لها أن تصنف في عداد الأحكام الجائرة والمتحيزة لأنها أرادت أن تجسد العدالة قبل أن تنصف الضحايا.
وحتى وإن تنقلنا من حقل الاغتصاب وهتك العرض والاتجار بالبشر وتبييض الأموال، إلى حقل المساس بأمن الدولة الداخلي والخارجي، سنجد نصوص قانونيةتتعايش مع منطق الدولة الاجتماعية التي تتعامل مع الجريمة السياسية بمنطق الرأفة واللين، وذلك متجلي بالوضوح في سياسة التجريم، التي جعلت التجنيح مسارا لمعاقبة من يؤاخذ بجريمة المس بسلامة الدولة الخارجية متى باشر اتصالات مع عملاء سلطة أجنبية وانحصرت العقوبة في حبس ينطلق من سنة ولا يتجاوز خمس سنوات.
ولعل هذا اللين وتلك الرأفة هما الأساس الذي اعتمدته إحدى المحاكم وهي تفرد العقاب في مواجهة من توبع بهتك العرض والاغتصاب والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي، لتنطق بست سنوات فقط أمام عقوبة قانونية تصل لعشرين سنة، وقبل ذلك كانت الرأفة متجلية بعدم متابعة ذات الشخص بمقتضيات الفصل 190 من القانون الجنائي التي تدين ملحق الضرر بوحدة التراب المغربي بتهمة المساس بسلامة الدولة الخارجية، وتعاقبه بعقوبة تصل لعشرين سنة، رغم أن المعني بالأمر مس بالوحدة الترابية علنا في إحدى القنوات الإعلامية الأجنبية، رغم كون الوحدة الترابية من ثوابت الأمة بموجب دستور المملكة.
ويأتي علينا رفاق بلا طريق، ومتضامنون من خارج هذا الوطن، بخطاب محمل بأحكام قيمة يعوزها الدليل، وبكلام مسيء للسلطة القضائية لغاية التأثير عليها، وقد تأثرت بحكم مخفف يحمل عبارات اللين، أجل خطاب العدميين ومن معهم من المهندسين المخططين لأجندات غايتها استمرار مسلسل التدخل للحد من استقلالية المغرب اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ولضمان الهيمنة وحماية رصيد القوة الذي به ومن خلاله تستنزف الثروات وتسلب الأسواق التي تباع فيها أسلحتهم وأدويتهم الباهضة الثمن بمنطق احتكاري، يقصي المستنسخات ويؤدي بالفقير للوفاة. أسواق طبعت بطش لا حدود له وتخطيطا خصصت لتنفيذه طاقات بشرية مطبوعة بالبشع والطمع غاياتها استقطاب الأموال على مصلحة وطن.
وفي الأخير، لا يليق بنا ولا بغيرنا، وصف القضاء بما لا يليق دون حجة وبرهان ولا وصف الحقل الحقوقي بالردة والتراجع، أمام ملفات الحق العام، التي لم ترفق بمقال ولا بمقالات تثبت العمل الصحفي، ولا بخطاب أو خطابات تبرز شخصية المناضل السياسي الوفي لرسالته في التغيير.
قبل الحكم على وطننا علينا التساؤل. هل الأمر يتعلق بظاهرة اجتماعية بسمة السلوك الثابت أو المنتشر في المجتمع كما فصل في تعريفها إميل دوركايم؟ وهل توبع كل الصحفيين المتمردين بآرائهم بجرائم الجنس أو تبييض الأموال؟ وما خطب الجريمة السياسية أمام هول الخطاب السياسي الذي تجهر به علنا بعض التنظيمات المتطرفة يمينا أو يسارا؟ وماذا نفعل بالضحايا إذن؟ هل نرميهم في سلة المهملات إجتماعيا بمنطق تمييزي أفرزته العراقيل الثقافية التي تنهل من ذكورية ترفض تظلم النساء وصراخهن الذي يدمي القلوب الرحيمة ويهد بنيان الرجولة الحقيقية؟ أخبروني أو اهمسوا في أذني قولا من يستحق الحماية والنضال وطننا الحبيب أو ولاة الأجنبي المجندون كمعارضة بلا قيم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.