هل تساءل أحد من الرأي العام عن طبيعة وماهية الوعاء العقار الذي يرفض النقيب السابق محمد زيان إفراغه منذ عدة سنوات، رغم صدور حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، يقضي بالافراغ مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وتحميل الصائر على المدعى عليه؟ لا أعتقد أن هذا السؤال شغل باب العديد من الناس الذين تابعوا مرافعات ومناكفات النقيب السابق محمد زيان، وأكاد أجزم بأن العديد ممن حضروا "جدبة" الوزير الأسبق يوم أمس الاثنين لم يكلفوا أنفسهم عناء طرح هذا السؤال المتعلق بالطبيعة القانونية للعقار، رغم أن هذا الموضوع هو الذي يشكل جوهر النقاش الحقيقي والمدخل الأساسي لفهم طبيعة هذا النزاع القانوني. فالشقة التي يرفض النقيب والمحامي والوزير الأسبق إفراغها، ويبحث جاهدا عن الثغرات القانونية للاستمرار في احتلالها بشكل مادي، هي عبارة عن "محل حبسي" مملوك لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بشارع محمد الخامس بالرباط. ومعنى هذا التوصيف الشرعي والقانوني للعقار، أن عائدات تأجير هذه الشقة، والسومة الكرائية المترتبة عنها، هي وقف خالص لله ولخدمة مساجده وإعلاء دينه. وبمفهوم المخالفة، فإن كل من يرفض تسوية الوضع القانوني لهذه الشقة فإنه لا يحقر مقررا قضائيا فقط، وإنما يتصرف بغير وجه حق في أصول وأموال موقوفة لوجه الله تعالى. وهل يعلم الرأي العام الوطني كذلك أن الأوقاف الحبسية هي قُربة من القربات الخالصة لوجه الله، وأن مداخيلها تعتبر الممول الرئيسي لأنشطة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مجال التسيير الإداري والتدبير الديني والرعاية الاجتماعية لمنتسبي القطاع. وأن رفض أداء السومة الكرائية لهذه العقارات أو رفض إفراغها بشكل قانوني إنما يتجاوز النطاق القانوني ليلامس الاستيلاء على أموال الله بحجة "التلاعب بالثغرات القانونية". فالسؤال الذي يتوجب على النقيب السابق الجواب عنه اليوم هو كيف آل إليه هذا العقار الحبسي الموقوف لوجه الله؟ ولماذا يرفض إفراغه مع أن عائداته هي صدقة من الصدقات الجارية في الدنيا قبل الآخرة؟ ولماذا يمعن في تحقير المقررات القضائية الصادرة في هذا الموضوع والقاضية بالإفراغ رغم حجيتها وشمولها بالنفاذ المعجل؟ لكن قبل البحث عن أجوبة لهذه الاستفسارات العالقة، ينبغي تذكير الرأي العام بأن الشقة المذكورة كان يستغلها على وجه الكراء شخص آخر يدعى (دافيد. ع)، الذي رفعت في مواجهته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عريضة دعوى الإفراغ، وهي الدعوى التي قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بقبولها شكلا وفي الموضوع حكمت بالإفراغ. لكن محمد زيان، الذي قام بضم هذا العقار ماديا إلى شقته المحاذية التي يكتريها هي الأخرى من ناظر الأوقاف، رفض تنفيذ هذا الحكم وتسليم أوقاف الله للوزارة الوصية، بدعوى أن الحكم القضائي صادر في حق الشخص الذي كان يكتري العقار سابقا وليس في مواجهته الشخصية!. وهل يعلم المهتمين بهذا الموضوع بأن التلاعب بهذه الثغرة القانونية، أو الخطأ المادي غير المقصود الذي تسرب إلى الحكم، جعل تنفيذ منطوق حكم الإفراغ مستحيلا لعدة سنوات مما حرم خزينة الأوقاف من مداخيل مهمة كانت موجهة للقيمين والوعاظ والمنذورين لخدمة الدين. لكن الصدمة الكبرى هي عندما تم تحيين الحكم وجعل الإفراغ يمتد قانونا للمكتري ولمن يقوم مقامه أو ينوب عنه، فقد عمد وقتها النقيب السابق إلى استدعاء الصحافيين إلى الشقة محل النزاع، وأرعد وأزبد في حضور الجميع، ممعنا في تحقير المقررات القضائية وازدراء أموال الوقف أمام العباد وعلى رؤوس الأشهاد.