مع انطلاق التباشير الأولى للحملة الانتخابية الممهدة للاستحقاقات التشريعية والجماعية المقبلة، انبلجت من أكمّة الفايسبوك بعض الدعوات المتفردة والأصوات النشاز التي تطالب بمقاطعة الانتخابات وبعدم التصويت لفائدة المرشحين، لأسباب ومنطلقات تتقاطع جميعها في مصبّ واحد، وهو الحقد الشخصي الذي تحوَّل إلى عقيدة سياسية ومعارضة مبدئية. فوالد ناصر الزفزافي كان أكثر تطرفا حتى من جماعة العدل والإحسان، التي تعتبر مقاطعة الانتخابات بمثابة "شهادة الحياة" التي تثبت بموجبها للأتباع والمريدين بأنها لا زالت حيّة تُرزق في المنصات والشبكات التواصلية. فأحمد الزفزافي كتب تدوينة بحمولة متعصبة وإقصائية يقول فيها "كل من سيشارك في الانتخابات المقبلة خائن للوطن والتاريخ والحراك الشعبي والشهداء". فالرجل الذي لم يتعرّف عليه مغاربة الفايسبوك واليوتيوب إلا في السنوات الأربع الأخيرة، بينما هم يخوضون غمار الانتخابات منذ ستين سنة تقريبا، لم يخجل عندما اختزل العملية السياسية والممارسة الحزبية كلها في عقوبة نجله وبضعة معتقلين آخرين، ما فتئ يذكرهم المغاربة إلا وهم مقرونين بوابل الحجارة ولهيب النار التي تورطوا في إضرامها أو حرضوا على افتعالها لأهداف وأجندات تتجاوز أطماعهم الشخصية. لكن اللافت أكثر في تصريحات أحمد الزفزافي أنه لا يسعى لمخرج قانوني يضمن "الحرية لابنه ناصر"، لأن في سجن هذا الأخير سطع نجم الأب والأم، وصارا "مؤثران" في الفايسبوك يتنافسان في الشهرة الافتراضية مع كل من محمد حاجب وقمامة وتاشفين بلقزيز ودنيا فيلالي.. بل وأصبحا يسافران إلى مطارات أوروبا في الوقت بدل الضائع من بوابة نضال خريف العمر. ولعلّ هذا المكسب المادي والمعنوي بعد سن التقاعد هو الذي يدفع حاليا أحمد الزفزافي إلى أن يلهج بلسان محمود درويش في قصيدته "القربان" مخاطبا ابنه ناصر "يا ذبيحتنا الأنيقة..احترق لتضيئنا..لست منا إن نزلت وقلت: "لي جسد يعذبني على خشب الصليب، فإن نطقت.. أفقت، وانكشفت حقيقتنا..فكن حلما لنحلم". أما على الصعيد المقابل، فنجد خلود المختاري عقيلة سليمان الريسوني، التي لم تجد من كلام تقوله عن الانتخابات المقبلة سوى أنها اختارت أن "تَمُنَّ" على حزب سياسي يساري بدعوى أنها شاركت في الدعاية له وتوزيع أوراق برنامجه الانتخابي في استحقاقات سابقة، قبل أن تخلص في تدوينتها إلى "الكفر" بالعملية الانتخابية بسبب موقف موغل في الذاتية، يتمثل في تداعيات اعتقال زوجها في قضية هتك عرض بالعنف. فزوجة سليمان الريسوني تعرف جيدا بأن صوتها لن يرجح كفة أي من المرشحين، ولن يزيد أو ينقص من مستوى المشاركة في الاقتراع العام، لكنها اختارت هذا الموعد الانتخابي لتحيا مرة أخرى وتُبعث من جديد من تحت أكوام النسيان الفايسبوكي، لأنها تعلم علم اليقين بأن النضال المزعوم "تبهت شعلته في الضلوع إن هي توالت عليها الفصول/ (الشاعر أمل دنقل)". لذلك، اختارت هي الأخرى أن تردد كلام فدائيي القربان أو "غرارين عيشة" عندما يقولون "مت.. لتعرف كم نحبك! مت لنعرف كيف يسقط قلبك الملآن فوق دعائنا، رطباً جنيا، فلا ترجع إلى أعضاء جسمك، واترك اسمك في الصدى.. صفة لشئ ما". فالثابت حتما أن الحديث عن الانتخابات في تدوينات أحمد الزفزافي وخلود المختاري ومعهما حسن بناجح هو مجرد "إعلان للتذكير والذكرى"، أكثر مما هو موقف سياسي وقناعة راسخة. فهم يقاومون عبثا الموت السيبراني الذي يتحقق بفعل النسيان، لأنهم يدركون جيدا مثلهم مثل العديد من أدعياء النضال بأن (الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان/ غابريال غارسيا ماركيز).