في منتصف التسعينات صدر كتاب بعنوان "هؤلاء المرضى الذي يحكموننا" للمؤلفين الفرنسيين بيير رونشنيك وبيير اكوس، الكتاب الذي شكل صدمة للكثيرين تحدث عن أمراض السلطة ومراحل انتقالها في حياة الحكام قبل وخلال وبعد الحكم، وإن كان مؤلفاه لم يهتما بالبحث في باثولوجيا الحكم بقدر ما اهتما بالأمراض الذي تطوق حياة الحكام. ومع ذلك فإن هذه التجربة شكلت مقدمة لفهم الكثير من أعراض الحكم وكيف تؤثر السلطة في الحاكم. السؤال: ماذا لو عكسنا صيغة الفكرة نفسها؟ ألن تبدو فرضية "هؤلاء المرضى الذين نحكمهم" قابلة للتحقق باستخدام أدوات تحليل علم النفس السياسي؟ حتى يتسنى فهم أمراض ومواقف بعينها لأناس جعلوا من حرية التعبير وحقوق الانسان أداة لابتزاز الضحايا والدولة معا، والزج بمؤسساتها في حروب وهمية بسبب أمراضهم النفسية. باستخدام أدوات علم النفس السياسي يمكن فهم العلاقة بين الشخصية المريضة والمواقف التي تصدر عنها، حينها يكون الإدراك منعدما بالسياق ما ينعكس على المعنى، سواء في التوصيف أو السلوك أو العبارات التي يستخدمها شخص ما متوهما دوره القيادي. ضمن هذه الحالة الباثولوجية يمكن أن نفهم توصيف "البوليس السياسي" الذي أطلقه المعطى منجب، فالرجل الذي يعيش في وهم المطاردات المتخيلة لا يمكنه إلا أن يطلق توصيفات متخيلة نشأت في ذهنه. فالبنية السيكولوجيا بهذا المعنى (وهي بنية غير سوية وغريبة الأطوار في حالة المعطي منجب) تساعد في فهم ردود فعله وسعيه الدائم إلى اختلاق عدو لافتعال حرب ضد الجماعة المتخيَّلة أو البوليس السياسي في حالة منجب! يمكن أن نستعير الأدوات التحليلية نفسها لفهم إصرار بعض الجهات "المختَرقة" على استهداف المؤسسة الأمنية، وهنا لا بد من التوقف عند الخصائص المفرداتية التي تستخدمها هذه الجهات في التهجم على المؤسسات، تارة بنعتها ب"المقاولة الأمنية" وتارة ب"البوليس السياسي" وفي مواقف تعبيرية كثيرة يتعمد هؤلاء توصيف "المقاربة الأمنية" للتدليل على التدخلات الأمنية التي تتم عادة باسم القانون وتحت رقابة القضاء، لكن الغرض من هذا التوصيف هو إضفاء صفة "القمع" على كل مقاربة أمنية حتى تترسخ هذه الصورة النمطية في ذهن الجميع خدمة لأجندات مفضوحةتعمل منذ سنوات على الحفر تحت المؤسسة الأمنية لتحفيز الصدأ، وانتظار انهيارها! ضمن هذا السياق يمكن فهم الهجمة التي تتعرض لها المؤسسة الأمنية، في الفترة الأخيرة، والتي يقودها "هؤلاء المرضى الذين نحكمهم"، هؤلاء المرضى الذين جعلوا من وسائل التواصل الاجتماعي أداء للاسترزاق على حساب وطنهم، وسخروا جنسياتهم للإفلات من القانون تحت أعين مخابرات هذه الدول التي ترعاهم وترعى أمراضهم! إنها الأجندة التي انتبهت إليها الأجهزة الأمنية منذ سنوات، وكانت ردة فعلها على درجة الخطورة التي تكتسيها. يوم تفرقت الأصوات في الداخل والخارج وتوحدت حول استهداف المؤسسة الأمنية وشخص مديرها، فجاء الرد على الميدان في الحرب ضد الإرهاب والجريمة العابرة وتخليق الحياة الشرطية وتعزيز الشعور العام بالأمن، ثم تلاه الرد من الخارج في رسائل الإشادة والتنويه من أقوى الأجهزة المخابراتية في العالم من الولاياتالمتحدةالأمريكية.