يتكلم القرآن الكريم عن “الساعة” وقيامها وما سيصاحبها من الأهوال التي لم يتصورها الإنسان، لأن كل ما حدث له من الحوادث، و”وقع” له من الوقائع بعيد عنها في المماثلة والشبه، لذلك يسميها “الواقعة”. وفي هذا المقال نتحدث عن واقعة غير مسبوقة في سلوك البشر، وهي الشتيمة في الأعراض والأحوال والمعاش في حق أمة بأكملها، هي الأمة المغربية، شتيمة صدرت من جهات سياسية كان يمكن لها أن تقف عند رد سياسي موجه إلى سياسيين تقدر أنهم انتقدوها أو شتموها باعتبارها جهة سياسية لا تتحمل وزرها الأمم التي تنتمي إليها، هذا هو مصدر الغلط الفادح الذي وقع في الحالة التي نتكلم عنها، جهة قد تمثل تيارا سياسيا معينا في المغرب شتمت بتعبير عار من كل أنواع اللياقة والحرمة والمنطق جهات سياسية خارجية في موضوع فلسطين، ولطالما صدرت من هذه الجهات الشاتمة المعارضة في المغرب تعابير تشبه هذا القدح في شخصيات سياسية مغربية، في جو الممارسة السياسية الجارية بالمغرب، فتُعامل بالإعراض عنها دون أن ينالها حتى ما ينص عليه القانون من المتابعة. ثم إن مثل هذه التجاوزات لا يخفى ما فيها من قصد الإحراج للدوائر المسئولة بالمغرب، بل وما فيها من تحد للأغلبية الساحقة من المغاربة. الذي وقع هو أن التمييز الضروري لم يتم من الجهة المستهدِفة، ووقع المحظور، وهو التوجه إلى أمة بكاملها لإصابتها، عدوانا، بمقذوفات من القيئ الكامن في الجوف بسبب عسر شديد في هضم النموذج المغربي داخل مجموعة سياسية لم يكن من الضروري أن تتضايق به، ولا حتى أن تعامله بمثل الاحترام الذي يعاملها به. ولو كان الأمر يتعلق بمجرد فهم الملابسات، لقلنا إن تلك النماذج معذورة في عدم فهم النموذج المغربي، ولكن هذا الاستنتاج يمكن الوقوف عنده لولا أسلوب “الواقعة” الوقيعة في العرض، ولولا ما تنم عنه من غطرسة من يظن نفسه استغنى، إزاء من ينظر إليه هذا المستغني على أنه محتاج إليه. إن الواقعة، باختصار، هي قيام جهات سياسية بسب الأمة المغربية وشتمها والوقيعة في عرضها واتهامها بالفقر في المعاش والتعول على دخول بغاء نساء المغرب في ثروة الأمة، ولم يسبق لأحد أن كال مثل هذا الشتم لأمة بكاملها، لا من المسلمين ولا من المجوس. والأمر لا يمكن أن يُحمل على أنه زلة لسان أو نفتة مصدور، بل إن الحمولة والتعبير يدلان على أنه رد مسرف في الطيش، يفضح ما هو مدبر عن إصرار وجهالة، يفضح نوايا خبيثة مبيتة وسوء تقدير متراكم تجاه المغاربة، ويرى فيها البعض سوء تقدير من جهتنا أيضا، إذ أننا عاملنا غادرين متربصين معاملة أهل وإخوة، حتى ظنوا أنهم يمكن أن يستجيزوا الكلام عن حرماتنا استجازة جاءت على شكل إحدى الكبائر في الدين، وهي قذف كل المحصنات. ولقد تداول المغاربة جوانب من هذه الواقعة تداولا فيه مرارة، تداولا يتراوح بين رد الفعل التلقائي أو الفطري، وبين الحَمِيّة الغاضبة، كما تضمن بعض التساؤل عن العواقب،وهذه بعض الأفكار الرائجة في أوساط المجتمع المغربي بهذا الخصوص: 1. أن الذين قذفوا شتائم العار على الأمة المغربية والشعب المغربي قد صدروا عن جهل بالمغرب، ماضيه وحاضره وقدرته على التمييز والتقدير، بقطع النظر عن الصنادق السيادية والمعاملات البورصوية؛ 2. أنهم مخطئون في تقدير طبيعة النظام المغربي وعلاقته بالأمة؛ 3. أن المغاربة لم يتبيَّنوا الخلفيات السياسية المباشرة الكامنة وراء هذه الشناعة؛ 4. أن الإساءة التي صدرت في حق بعض الزعماء، في مظاهرة تتعلق بفلسطين، لا يقبلها المغاربة، ولكن جنسها مألوف في المشهد السياسي المتعدد التعابيروالذي تغذيه تيارات تقع في مثل هذه المبالغات حتى في حق أشخاص من ذوي الحيثيات من المغاربة؛ 5. أن الثأر لأشخاص بشتم أمة وشعب يدل على صفاقة أخلاقية لا تُغتفر؛ 6. أن هذا النوع من الشتائم يحمل الإصرار ويفضح العقلية ويدل على الضغينة الكامنة؛ 7. أن المغاربة يعرفون من شتموهم، ولا يقبلون من أذنابهم الاعتذار، فالاعتذار لا يرمم ما كُسر من القوارير، وكل شخص ذي عقل إذا أراد أن يطلق كلبه لينبح عنه لا يطلق مسعورا عقورا؛ 8. أن القيادة في المغرب، بطبيعتها، قائمة، قبل كل شيء،على عدم التفريط في كرامة الأمة، ثم تأتي بعد ذلك الالتزامات الأخرى؛ 9. أن الظاهرة المبنية عليها شتائم العار ليست في الحقيقة سوى مظهر هامشي من مظاهر تحرر المرأة من جهة المغرب واحتقار المرأة في الضفة الأخرى؛ 10. أن المهاجرات من المغرب يُحسبن بالملايين، منهن العالمات والخبيرات والمقاولات والعاملات الكادحات المسهمات في الاقتصاد العالمي، والعالم يعرفهن بسمات غير هذه التي تريد الوقيعة أن تصنفهنفيها؛ 11. أن من بين المقحَمات في الغمز، والعياذ بالله، ومع كل أسف، عددا من المغربيات زوجات الأجانب، ممن لهن أولاد مع هؤلاء الأجانب في هذا البلد أو ذاك، وهن ولاشك محرجات هن وأولادهن بهذه الواقعة؛ 12. أن المرأة المغربية، أينما كانت، مسئولة عن أفعالها لايحاسبها إلا ضميرها أو جماعتها في دائرة القانون، وهي معروفة بأنها تسافر وتشتغل في الخارج وتتصرف في شخصها بإرادتها، وأن شركاءها والمسئولين عن الفعل المغموز، إذا هو وقع، هم الرجال،سواء استغلوا وضع هذه المرأة في بلدانهم أو جاؤوا بعذر السياحة إلى المغرب؛ 13. أن العقلية المتخلفة تنحى باللائمة على المرأة، ولا تؤاخذ الرجل على جرائمه في حق المرأة؛ 14. أن المغاربة، هذه الأيام، يتمنون أن يروا كل النساء المغربيات المهاجرات إلى بلدان الشتيمة يعدن إلى الوطن، فالمغرب متعود على هذا النوع من استقبال أهله المطرودين أو الفارين من الهوان؛ 15. أن المغاربة يعرفون أن نظامهم لا يمكن أن يساوم على العرض ولو مقابل المنافع الدبلوماسية المتعلقة بوحدته الترابية التي هم حماتها بالغالي والنفيس؛ 16. أن المغاربة لن يقبلوا تناسي هذا الشنار مقابل أي منافع مادية، سواء تعلقت بالاستثمار أو الديون أو السند الدبلوماسي أو غير ذلك؛ 17. أن المغاربة قادرون على أن يبينوا لمقترفي الشتائم أن ثروتهم المعنوية هي عزتهم وأن عماد عيشهم، إن اقتضى الحال، يمكن أن يقتصر على ما تنتجه تربتهم من الخبز والزيتون. 18. أن المغاربة لا يحمّلون شعوب البلدان مصدر الشتيمة أي مسئولية في هذه الواقعة؛ 19. أن الواقعة ستكون خافضة رافعة، وأنه سيكون من المؤلم للمغاربة أن يروا أيا من المتورطين الحقيقيين في حبك الشتيمة يحل بالمغرب حلولا مرحبا به، فالأمر في تطرفه غير مسبوق ولا يمكن محوه من التاريخ، وأن جائحة الوباء القائم ستولي ويبقى على المغاربة أن يتعافوا من هذا الذي أُلحق بهم بمواقف مناسبة من جهة المسئولين في المغرب لا من خارجه؛ 20. أن المغاربة ينتظرون أن تشرح لهم الجهات المطلعة في بلدانهم، وبالوضوح اللازم، كل الخلفيات السياسية أو غير السياسية لهذه الهجمات الوقحة، ومن المؤسف، ونظرا لعدة اعتبارات خطيرة، لا يمكن حملها على المنحى الذي قال فيه من قال: ” وإذا أتتك مذمتي…”