صرح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في الأسبوع الماضي بأن التعديل الحكومي المرتقب لا يواجه أي تعثر في طريقه، وبأنه سيرى النور قريبا. مثل هذه التصريحات عودنا عليها سعد الدين العثماني، الذي سبق له أن قال أياما قليلة قبل خطاب الملك لعيد العرش، بأنه ليس هناك أي تعديل حكومي في الأفق، وبأن مكونات الحكومة تعمل في انسجام تام، لذا فما معنى أن يكون هناك تعديل حكومي؟. وتأكيدا لهذا التساؤل المشروع لسعد الدين العثماني: ما معنى أن يحدث تعديل حكومي في هذا الوقت بالذات؟ سنعمد إلى طرح سؤال مكمل: هل الوقت الحالي مناسب للتعديل الحكومي أم أن هذا التعديل جاء فقط ليعبد الطريق إلى تعديلات أخرى أكثر أهمية منه؟. وبالتالي، فهل الوزراء القادمون هم من سيسهرون على تطبيق القانون المالي الحالي؟. وهل ستكفيهم الفترة القادمة للتمرس والاحتكاك بقطاعاتهم كي ينجحوا في تطبيق المخططات القطاعية ونحن على أبواب نموذج تنموي جديد؟. والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها حاليا أن ما يعبر عنه سعد الدين العثماني من تفاؤل كبير، غير كافي للاطمئنان على مصير التعديل الحكومي القادم، فسلفه عبد الإله بنكيران عبر أكثر من مرة بعد تعيينه رئيسا للحكومة الثانية، أن الحكومة ستتشكل بسرعة، وأن الطريق معبدة لذلك. كما أن عزيز أخنوش، زعيم التجمع الوطني للأحرار، لم يكن حينها يبلع لسانه وهو يصرح أن مهمته تقتضي تسهيل مهمة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، كي ينجح في تشكيل الحكومة.. أما النتيجة فكانت أول “بلوكاج” طويل في تاريخ العمل الحكومي في المغرب، راح ضحيته رئيس الحكومة المعين الذي عوضه سعد الدين العثماني. إن ما يعرفه سعد الدين العثماني بخبرته وحسه وذكائه أن التعديل ليس غاية في حد ذاته، وأن الملك لا يبحث عن تعديل من أجل التعديل، فلكل جملة في خطابه دلالة وغاية، حين تحدث عن الألم الذي يعتصره، حينما لاحظ أن كل الأوراش التي أنجزها لم تنعكس منافعها على كافة الطبقات من شعبه، وأن النموذج التنموي الجديد، سيأتي من أجل المناصفة الترابية والاجتماعية، مواكبة للتنمية الاقتصادية. إذن فانطلاقا من هذه المقاربة سيفقد التعديل الحكومي رمزيته سواء نجح العثماني في الإسراع به، أم تأخر في مفاوضاته. فالمهم هنا ليس هو أن ينجح العثماني في جلب وزراء جدد، بل الأهم هو أن يكون التعديل مناسبة لتغييرات أقوى وأعمق، ومن هنا نستنتج مشروعية السؤال الذي طرحناه في العنوان، حول صعوبة ما يمكن أن يواجه العثماني من تحديات منطقية. إن خروج تقرير إدريس جطو في هذا الوقت بالذات له ما يبرره، خاصة أن تقريره يتسم بقوة التشخيص، ويضع أصابعه على الكثير من الاختلالات التي عرفتها العديد من القطاعات في الفترة حتى 2016، أي قبل مجيء حكومة العثماني. وهذا ما يعني أن إدريس جطو تعامل مع المرحلة الأولى من حكم العدالة والتنمية بجر الأذنين المستحق، ولم يرحم كذلك باقي الأحزاب المشاركة في التدبير. فما معنى صدور هذا التقرير، في هذا الوقت بالذات؟ وما معنى أن يكون مكملا لتقرير بنك المغرب الذي وقعه الجواهري؟. ثم ما معنى أن يلتئم حزب الأصالة والمعاصرة في هذه الفترة، وقد كان على حافة الانشقاق الكبير إن لم نقل الانهيار الكامل؟. وما معنى أن تتدخل جهات خارجية وصفت بالقوية، لتصلح ذات البين بلا وساطة ولا “حزارة” بين الإخوة الأعداء في آخر لحظة، فيؤجلوا خلافاتهم إلى تاريخ لاحق ؟. إن ما يعرفه البام من هشاشة داخلية لا يجب أن تخفي قوته الرقمية في البرلمان، وإن المعنى الحقيقي وراء تأجيل خلافاته هو الحفاظ على قوته الرقمية لكل غاية مفيدة. وإذا كان سعد الدين العثماني يتلقى هذه الأيام تسهيلات وهدايا رمزية بالجملة، كان آخرها هو الرسالة الملكية الموجهة إلى مؤسسة عبد الكريم الخطيب ل”تكوين نخب الغد”، فإن هذه التسهيلات والهدايا بما فيها دعم الهندسة الحكومية، له اتجاه واحد وهو الوصول إلى نتائج مرضية، لبناء عقد اجتماعي وسياسي جديد يستند على الشفافية والوضوح وتجويد الأداء السياسي والحزبي. لكن المرحلة المقبلة في التفاوض من أجل تشكيل الحكومة، لن تكون كلها ورود وتسهيلات، إذ مباشرة بعد الاتفاق مع القصر الملكي حول الهندسة الحكومية وخاصة عدد الأحزاب والحقائب، سيكون سعد الدين العثماني مضطرا للعودة إلى الحلفاء الرئيسيين في الأغلبية، ومهما تسامح امحند العنصر وقدم من تنازلات، فإن عزيز أخنوش لن يقبل بأقل من الحقائب الاجتماعية والاقتصادية الهامة، بل إنه قد يذهب إلى حد المطالبة بالتكافؤ في الأرقام لأن الأمر يتعلق بتعديل للحكومة، وليس بتشكيل لها. فالمرحلة انتقالية كما يعلم الجميع، وهي توصل إلى الانتخابات المقبلة التي لا يفصلنا عنها سوى سنة ونصف تقريبا، وكل حزب من أحزاب الأغلبية يعتبر نفسه محوريا، والأحزاب الموجودة في المعارضة ترفض المشاركة حاليا، وعليه، فتشكيل الحكومة لن يكون على طابق من ذهب. طيب، وما العمل إذا ما توقفت المفاوضات دون الوصول إلى حل مرضي للجميع؟ آنذاك فالمحتمل أن التحكيم الملكي سيكون ذا طابع حاسم، لأن التعثرات التي تعترض العمل الحكومي، تتطلب علاجا دائما، وليس مؤقتا كالذي حصل مع عبد الإله بنكيران، وهنا نعود إلى عمق التغييرات والتعديلات التي من المحتمل أن يدخلها الملك على النصوص والتشريعات المتعلقة بالجهاز الحكومي. إن الملك وهو يطالب بتجويد الأداء يستحضر في نفس الوقت ما ستكون عليه المرحلة المقبلة، ولذا فإن التحضير لتعديل حكومي في هذه الفترة بالذات، هو جزء من التحضير للتغيرات التي يجب أن تقودنا بسلام إلى انتخابات ديمقراطية وشفافة. ولكن، ومهما كان مستوى الديمقراطية، ودرجة الشفافية، فلا يجب أن تنقلب نتائجهما إلى ما هو غير منصف للشعب، وغير لائق بصورة الوطن. ومن هذا المنطلق يجب الإفصاح بأن هذا التعديل الحكومي، لن يكون ذا شأن، أو ذا قيمة مضافة، ما لم تتمخض عنه تغييرات جذرية وبنيوية، أكثر عمقا لتحديد الوجهة القادمة.