كثير من المغاربة الذين أتعبتهم عدوانية النظام الجزائري تجاه المغرب يَرَوْن في انفجار الوضع بالجارة الشرقية و سقوط نظام الجنرالات خلاصا للمملكة، والحال أن العكس هو الصحيح. فأمن واستقرار المغرب مرتبطان إلى حد بعيد باستقرار الجزائر نظرا للانعكاسات السلبية على المغرب التي قد تؤول إليها الأوضاع في الجزائر. أصبح العديد من المعارضين الجزائريين ينذرون بفوضى عارمة بعد سقوط النظام، سقوط يرونه وشيكا. ما الذي حدث بين 2011 واليوم؟ فالنظام الجزائري استطاع تفادي أي غضب شعبي إبان ما سمي بالربيع العربي مستغلا ما تركته عشرية الجمر من اثار على الذاكرة الجماعية وبالتالي رفض الشعب الجزائري أية مغامرة، تعمم الفوضى والاقتتال. لكن عدة عوامل أصبحت تهدد استقرار الجزائر بشكل قوي. أولها انغلاق النظام السياسي. العهدة الرابعة لعبد العزيز بوتفليقة رغم وضعه الصحي، كان يمكنها أن تشكل مرحلة انتقالية تهيئ لما بعدها، بدستور جديد يعطي نفسا جديدا لنظام تآكل في قبضة المؤسسة العسكرية. لكن شيئا من هذا لم يحدث. أعلى الهرم تصدع بفعل حروب وراثية استباقية، الحزب الحاكم تمزق، تصفية الحسابات بين المقربين خرجت إلى العلن، ووصلت أحيانا إلى المحاكم، المؤسسة العسكرية لم تعد بدورها موحدة، الحرس القديم أغرقه بوتفليقة بجيل جديد من الجنرالات يطمح هو الآخر لمكانه في صنع القرار، عامل السن أصبح إعاقة حقيقية أمام رموز الفترة السابقة حيث يعد بإمكانهم إخراج رئيس من القبعة وفرضه على الشعب الجزائري، ولو في غياب معارضة موحدة ذات فاعلية. على المستوى الاقتصادي، كل الاخصائيين يتفقون على أن 2030 سيكون أفق آخر سنة لتصدير المحروقات الجزائرية، انطلاقا من الاحتياط الحالي ومن مستويات الاستهلاك الداخلي والانتاج الإجمالي. هي توقعات كارثية بالنسبة للجزائر، فالمحروقات تشكل 98 بالمائة من صادرات الجزائر وهي الممول الوحيد تقريبا للميزانية العامة. الاقتصاد الجزائري اقتصاد ريعي مئة في المئة. الصناعات التي تشكلت في السبعينات تم تفكيكها نهائيا ولم يستطع القطاع الخاص الجنيني، في ظل غياب مناخ صالح للأعمال، أما الاستثمار الاجنبي خارج البتروكيماويات فيبقى محدودا جدا اذا استثنينا مصنع رونو. الفلاحة في أسوء حالاتها، السياحة شبه منعدمة بعد فشل محاولة خوصصة المنشآت التي لا تزال تابعة للدولة وتقدم خدمات دون المستوى. لقد استطاع النظام الجزائري في السنوات الأخيرة أن يشتري السلم الاجتماعي ارتباطا مع ارتفاع موارده من المحروقات التي مكنته من فائض مهم كل سنة، يسمح بإسكات أي صوت، بالرضوخ إلى مطالب الساكنة في حدودها الدنيا. الآن ثمن البترول وبالتالي الغاز الذي يرتبط به ميكانيكيا هوى بما يناهز 50 بالمائة، ما يعني الاستحالة المادية للاستمرار في الحفاظ على السلم الاجتماعي. وقد بدأت بوادر الانفجار في قطاعات مثل التعليم والصحة ناهيك عن اضطرابات عرقية في غرداية وتوتر في الجنوب ضد استغلال غاز الصخور. أما عن الارهاب، فرغم ما سمي ب “المصالحة الوطنية” فلا زالت هناك مجموعات تنشط داخل التراب الجزائري، لا كخلايا سرية تخطط لعمليات، بل كسرايا في الجبال والبوادي. زد على ذلك نشاط القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الحدود المالية وأنصار الشريعة على حدود ليبيا، ما يزيد الزخم لتحركات جند الخلافة المنظمة التي بايعت البغدادي. الجزائر إذن قريبة من الانفجار والوضع مفتوح على العديد من الاحتمالات. المؤسسة الوحيدة، وهي الجيش تعيش أزمة قيادة وأزمة تصور. اللعبة السياسية منغلقة ولم تعد تستهوي القوى الفاعلة في المجتمع. كل هذا والبلد يعيش صدمة فضائح الرشاوي والاختلاسات. فضائح تهم كبار مسؤولي البلاد، بل أعلى هرم السلطة. واهم من يظن أن ما يقع في البلد الجار يصب في المصلحة الاستراتيجية للمغرب. جبهة الإرهاب ستتسع لا محالة، اذا ما انفجرت الجزائر، مذكية المخاطر على التراب الوطني. أمن المغرب سيهدده انفلات البوليساريو من قبضة الأمن العسكري الجزائري ويمكننا تصور تحويل مخيمات تندوف إلى مركز يلتقي فيه الارهاب بالجريمة المنظمة العابرة للحدود وهو ما نسجل ارهاصاته من الآن. الأخطر أن تضمحل الدولة في الجزائر، وأن تتحول إلى وضع شبيه بما تعيشه سوريا. فأنا لنا باستقبال اللاجئين مع الحفاظ على الاستقرار. وماذا سيكون مصير تونس في وضع مثل هذا؟ تساؤلات تؤرق كل من له رؤية استراتيجية تتجاوز مناورات الجزائر ضد وحدتنا الترابية. إن أمن المغرب مرتبط بأمن الجزائر وهو واقع فرضته الجغرافيا ولكن ليس بأيدينا إلا متابعة التطورات والدعوة للشعب الجزائري بتغيير سلس في اتجاه الديمقراطية والحكامة الجيدة رغم ان الاحتمالات الواقعية لا تتجه نحو أفق مثل هذا