المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روبورتاج: هل من الممكن أن يعيش المغاربة من غير “تحرش”..؟
نشر في برلمان يوم 27 - 03 - 2015

“كلك زبدة ومنين نبدا”، “كلشي زعر ولا غير الشعر”، “الناس دايرين علاش يرجعو وانتي دايرا علاش تبركي”، “اللحم فالزنقة والثلاجة خاوية”، “أوعدي على الزين البلدي”، “الزين والدين ولاديسيبلين”، “الرق والغرق”، “اللابسة الحمر غادي تدي لية العمر”، “نعطي مليون على سمر اللون..اللون اللي ما يكشف”، “أويلي على زهري اللي تزوجت بكري”. هي عبارات قد توجز الغنى الذي تزخر به الترسانة التحرشية المغربية وتصديها لكل ظروف تواجد المعنيات بالأمر.
إذ لم يترك مؤلفو هذا القاموس شيئا للصدف أو محلا لتسلل الثغرات، وأحاطوا كل الاحتمالات الممكنة بما يناسبها من آليات “النكان”. بحيث لا يمكن استحضار مشهد أنثوي إلا ووجدت للتعليق عليه موقعا في ذلك المعجم، سواء كان لفتاة بدينة أو نحيفة أو شقراء أو سمراء أو متبرجة وحتى محتجبة، بل لم يفت رواد هذا السلوك أن يوظفوا ديبلوماسية خاصة وبشكل غير مباشر لاحتواء أي ردة فعل للأمهات المرافقات لبناتهن. أليس هم القائلون “الله يجيب لينا شي نسيبة نسيفطوها للحج”.
“برلمان.كوم” ولغاية النبش بعمق في خصوصيات هذا السلوك في علاقته بوجود من يشجبه ومن يسخر من تجريمه، ومن أجل البحث في الأماكن الأكثر احتواء له نزل إلى الشارع لاستقاء وجهات نظر المواطنين من الجنسين ومختلف التوجهات، قبل أن يلتقي رجال الاختصاص في علم الاجتماع.
النكان بين معترفين بممارسته ورافضات لتجريمه
شاب: الحبس هو تشوف الزين وماطلوطش
شابة: الكلام الحلو راه هضرة ودوا
كما الخوض في جميع ملفات الظواهر المرفوضة اجتماعيا من قبيل الرشوة والفساد والسرقة والخيانة الزوجية والقمار. كان من الصعب جدا العثور على نماذج لشهادات ذكورية تمتلك جرأة الاعتراف بممارسة سلوك التحرش الجنسي أو نسائية تميل إلى قبول تلك التحرشات. والقلة التي استثنيت اشترطت عدم الإفصاح عن هويتها الحقيقية. مما يفسر إجماع الآراء المستقاة رسميا على التنديد بالظاهرة وإقصاء أصحابها لأنفسهم من قائمة الشريحة المتهمة. والنتيجة الشكلية على خلفية ذلك هي انعدام وجود معترف رسمي بالتحرش وانعدام أيضا أي امرأة متعاطفة مع المتحرشين. في حين أن الواقع غير ذلك تماما بدليل هذه التصريحات التي تعود لنساء يرون في التحرش علاجا نفسيا بالمجان. ورجال لا يتصورون حياتهم دون التغزل في مفاتن المرأة وهي تتموج على الأرصفة والشوارع. إلى درجة أن أحدهم الذي يبدو في عقده الثالث رد على مدى معرفته بمضامين عقوبات التحرش الجنسي في مشروع القانون الجديد ب”الحبس هو تشوف الزين وماطلوطش”، مستطردا بأن لا القانون ولا الجزاءات العقابية بإمكانها ردع ما تأمرك به غريزة هي أقوى من أن تتحكم في ضوابطها. لذلك فإن “هادي هي القهيوة ديالي كنجي ليها كل عشية باش نسقي العوينات”. وبينما كان هذا الشاب مُركزا في الدفاع عن عادته شتت تفكيره مرور إحدى الفتيات التي سرعان ما باغثها بالقول “على هاد الزين والله حتى نجيب التيتر ديال الدار صداق” قبل أن يزيد وكأنه يُحدث نفسه “ويلي ويلي على طرف.. وغير قولي دابا كيف دير مادويش”. تركنا صاحبنا في مقهاه بكراج علال في الدار البيضاء. لنصادف آخر بممر الأمير مولاي عبد الله المشهور ب”البرانس” ليؤكد بأن معاينته في تلك اللحظة وهو متلبس بإمطار فتاتين بعبارات تعذر سماع مضمونها لا يعني تحرشه بأي فتاة كانت، وإنما فقط بذوات القوام الممشوق والمظهر الجذاب المستوفي لجميع شروط ما تشتهيه الأنفس. وهؤلاء الفتيات، يضيف جبران، البالغ 28 سنة، هن اللاتي لا تقع معهن في مشاكل أو اصطدامات على عكس “الخايبات اللي غير إلى شفتي فيها بارازار وكاعما مسوق ليها كتخنزر فيك واخا هي مسكينة لا زين لا مجي بكري”. وفي سياق الحديث عن الفتيات اللاتي ذكر جبران تجاوبهن مع تحرشه، التقينا سلوى، البالغة 26 سنة، صاحبة صالون للحلاقة، التي اعتبرت تغزل الفتى بالفتاة مسألة عادية جدا إذا لم تتجاوزها إلى ألفاظ ساقطة. بل اعترفت بأن أي امرأة لا تمانع في دواخلها سماع كلام يمدح شكلها حتى ولو كان كذبا. وبالتالي فإن من تدَّعي رفضها للتحرش إنما ترفض “المعيور وتخسار الهضرة أما يكذب عليك الكذاب اللي يقوليك ما كيعجبوهاش الكليمات الزوينات”. وفي تأييد لهذا الرأي ذهبت مونية، البالغة 29 سنة، عاملة، إلى حد وصف التحرش بالعلاج النفسي والوصفة القادرة على زرع الثقة في شخصية الفتاة “النكان الحلو راه دوا. واتصْوّْرْ تسمع البنت على الصباح كلمة صباح الشهد لخدود الورد كيف غايطلع عندها النهار”، والعكس صحيح، تستدرك المتحدثة، “والله ومايديها فيها حد حتى يدخلها الشك فراسها وتبقى تدور فجنابها”. لذلك تعلن هذه الشابة اعتراضها الصريح على تجريم السلوك التحرشي من هذا النوع، مادامت لا ترى فيه عيبا بقدر ما هو شحنة وحاجة يستلطفهما الجنس اللطيف بعيدا عن التعاليق البروتوكولية المنمقة، والتي تلقى أمام الميكروفونات وعلى صفحات الجرائد “را حنا كاع بنات وماكنوقفوا قدام المرايا نص ساعة وكنخسرو فلوسنا على الماكياج غير باش ندوزو ويبقاو يشوفو فينا. داكشي علاش حاجة زوينة تحس البنت باللي عجبات شي حد ولكن الواعرة هي يقوليها راكي عجبتيني..”.
طاكسي الغرام.. مصيدة تلاقي واحتكاك الأجسام
اشتكت الكثير من النساء اللاتي التقاهن “برلمان.كوم” مما يتعرضن له داخل سيارات الأجرة ذات الحجم الكبير تحديدا من تحرشات. نتيجة وقوعهن الاضطراري فريسة مختلف حيل الاحتكاك، والتي بالرغم من إتقان محترفيها لعملية التظاهر بأنها عفوية. إلا أن تسلقها لمراحل موالية من التقدم سرعان ما يكشف للمستهدفات غرضها المقصود. فهذه الورطة، كما تحسبها جميلة، البالغة 42 سنة، من الصعب جدا الاحتجاج عنها مخافة توجيه كل اللوم للمشتكية وتحميلها تهمة الافتراء على الجاني الحقيقي، أو في أحسن الأحوال “السخرية منك بالعبارة المألوفة: هادا را طاكسي كبير وإلى بغبيتي تمرحي شدي بتي طاكسي..”. ليبقى الوضع معروفا لدى الجميع ومستورا من طرف الجميع أيضا. وعلى رأسهم السائقون الذين قال أحدهم “مادام كيركبو 4 لور مسألة طبيعية يتلاصقو بيناتهم ولكن ما يمكن تقدر تتهم حتى واحد بشي حاجة واخا انت عارف أش كيوقع”. مضيفا بأن “كاين اللي كاع كيرجع دراعو بلعاني لور وكيعنق أو كيدير رجليه على رجل المرأة. ومنهم اللي كيمشي بعيد ويحط يديه على شي بلايص”.
فدوى، صحافية
تكاد معاناتنا، كنساء، من التحرش الجنسي لا تنفصل عن عادات متاعبنا اليومية. وفي ذلك تشترك العاملة والطالبة والعاطلة من خلال تعرض الجميع لسيل من الألفاظ التي تتلون بين التحرش الشفهي من قبيل التعاليق المستفزة والتلميحات الجنسية والأسئلة اللاأخلاقية والنظرات غير البريئة. وصولا إلى التجرؤ على اللمس والتحسس والجذب. الأمر الذي يتسبب في أذى نفسي وإهانة مذلة للمستهدفات خاصة إن حدثت هذه التصرفات أمام عموم الناس بالشارع. ومع ما يبدو من حاجة ماسة لمحو مثل هذه المشاهد من مجتمعنا، وما يمكن أن يساهم به القانون المقترح مشروعه لتحقيق هذه الغاية. إلا أن الأخير وبقدر ما خلف الإعلان عنه من ارتياح لدى بعض النساء، زرع من جهة أخرى قلقا في وسط أخريات ربما يفوق ذاك الذي يرتابهن عند تعرضهن للتحرش. وذلك على أساس أنه وفي الوقت الذي توجد من بين المتحرش بهن من تمتلك الجرأة الكافية لإعلان احتجاجها صراحة، والذهاب إلى أبعد من ذلك بالتبليغ عن الجاني. هناك من تحسب ألف حساب قبل الإقدام على نظير هذا الفعل لما ترى فيه من تكلفة قد تصل إلى حد الفصل عن العمل إن كانت عاملة، أو النيل، عموما، من سمعتها. بداية من المقربين إليها، ومرورا بردة فعل “المتعاطفين” مع المتحرش من معارفه، وانتهاء بكل من بلغه الخبر من أفراد هذا المجتمع الذي لازالت تعتريه وللأسف أحكام مسبقة بكون المرأة دائما في موقع المخطئة حتى دون النظر أو معرفة تفاصيل الواقعة.
والنتيجة هي تخبطها في حالة من الصراع النفسي الذي يتقاذفها بين ما تستدعيه فعلا خطورة الانتهاك من إجراءات وما يترصدها من صعوبات الإثبات وحجية الاعتداء وأيضا مواقف الازدراء. فيكون الصمت، غالبا، سيد الموقف، مع ما يوحي به من رضى ضمني بالظاهرة وتشجيع على استمرارها. بل الأكثر أنه يفهم كذلك. والحقيقة، أنني لن أجد من مثال أقرب إلى توصيف هذا الوضع من حادثة خاصة عشتها صيف السنة الماضية حين كنت في تدريب بإحدى الإذاعات الخاصة، أستحسن عدم ذكر اسمها. إذ وما إن التحقت بالأخيرة حتى وجدت نفسي محاصرة بدعوات غذاء وعشاء من طرف رئيس التحرير. إلا أنني ومن منطلق مبدأ حسن النية الذي أحتفظ به في بداية تعاملي مع أي كان، وكذلك بحكم طبيعة مكان اللقاء الذي ليس إلا فضاء عموميا، قبلت الدعوة الملحة لأستشف بأن مقاصدها تتجاوز حدود نقاش مواضيع المهنة والزمالة إلى أمور سعيت جاهدة ألا أوليها أكثر من الإلقاء بها في الركن المهمل من ذاكرتي. ومع ذلك، واصلت التدريب رغم ما كنت أنزعج به مرارا من همسات الشخص المذكور حين يترصدني منفردة ك”امتى غادي تواضعي معانا..” و”أنا كنموت على اللي راسهم قاسح..”. ليُعرِّي ذات يوم عن منتهى هدفه السخيف والمنحط مباشرة برسالة عبر الفايسبوك وهو الرغبة الجامحة في إقامة علاقة جنسية. وبطبيعة الحال، كان وقع تلك الصدمة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وأزاحت كل ضغوطات التردد في المغادرة. لأنتصر أخيرا لكرامتي على حساب حاجتي للخبرة المهنية رغم قضائي مجرد 3 أسابيع بتلك المحطة الإذاعية. فانسحبت وكلي ألم، ليس لما آلت إليه تجربتي التدريبية فحسب، وإنما أيضا استحضارا لمئات النساء والفتيات الأقل حظا مني، واللاتي يجبرهن أمل تحصيل راتب آخر الشهر لظروف اجتماعية نعلمها جميعا على تحمل مثل هذه الإكراهات. وعليه، أرى بأن المشكل أكبر من أن يتم القضاء عليه بمجرد سن قوانين تجرمه، وأن المقاربة القانونية والزجرية للسلوك الإنساني الجانح لن تفي بالغرض المطلوب إن لم تصاحبها تنشئة اجتماعية كفيلة بتغيير التمثلات التي يحملها المجتمع عن المرأة. طالما أن الموضوع يحتِّم توعية شاملة، وترسيخ حقيقي لثقافة احترام الإنسان إن كان امرأة أو رجلا من لدن الأسرة و المؤسسات التربوية والمناهج التعليمية والإعلام وغيرها.
زهيرة، موظفة
الحديث عن التحرش الجنسي في الشارع بالخصوص أو ما يصطلح عليه ب”النكان” يقودنا مباشرة إلى نقاش درجات الوعي التي بلغها شبابنا المغربي. وبالتالي لا يمكننا انتظار الشيء الكثير مما سمعناه مؤخرا عن فرض عقوبات زجرية على المتحرشين في ظل انعدام ثقافة تربوية لدى هؤلاء المحتمل تورطهم. إذ كما يقول المثل الدارجي “اللي ماقاليه راسو ماعندك ماتقوليه” وتحديدا في مثل هذه الأمور. وشخصيا عانيت الكثير ومازلت من تلك السلوكات. والغريب حتى من رجال قد تستبعد إلى حد أقصى نزولهم إلى هذه المستويات سواء لكبر سنهم أو لمظهرهم الذي يوحي بنيلهم حظا محترما من التعليم الدراسي. لذلك قلت بأن المسألة مرتبطة أولا وأخيرا بالتربية والوعي أكثر من أي عامل آخر خاصة وأن الكثير من المتحرشين لا يُقْدمون على تلك تصرفات إلا للتسلية والاستفزاز دون النظر إلى ما يمكن أن تخلفه العبارات الجارحة من وقع سيء على نفسية المتحرش بها.
سميرة، فاعلة جمعوية
هي بالفعل ظاهرة نستنكرها لما لها من تضييق على حرية النساء، وتكبيل لحقهم في المرور بتلقائية. فمن العار ونحن نسير في طريق إعادة الاعتبار للمرأة والنضال من أجل نيل حقوقها كاملة أن نظل أسيري هذا التعامل البدائي. والأفظع كوننا أصحبنا نرى من لا يحترم حتى مرافقي هؤلاء الفتيات من أفراد عائلاتهم، ولا يعيرون اعتبارا للأمهات والأزواج كذلك. الأمر الذي يبقى معه الضرب على أيدي المنحرفين أخلاقيا مسألة حاسمة في تقويم الاعوجاج. وهنا لابد أن أشير في كلمة موجهة للفتيات بأن مسألة التغاضي والتجاوز لم تعد مقبولة من جانبهن، والكرة في ملعبهن للتبليغ عن أي انتهاك لعرضهن وسمعتهن، لأن مجرد السكوت هو بمثابة تقديم شيك على بياض لتشجيع المتحرشين على عادتهم، وموافقة ضمنية على قبول مثل تلك التجاوزات المهينة لأنوثتهن بالأساس.
حسناء، طالبة
بكل أسف لم يعد التحرش في مجتمعنا استثناء وإنما قاعدة. بحيث وبصرف النظر عن طريقة لباس الفتاة أو وظيفتها أو شكلها صارت مدركة وهي تغادر بيتها تعرضها لكلمة من هنا أو هناك، ومنها ما تخدش الحياء أحيانا. أما في وسطنا التعليمي وأعني تحديدا الثانوية التي أدرس بها، فإنني أحمد الله كثيرا لعدم تفشي هذه الظاهرة برحابها مع أنني أعرف صديقات لي يدرسن في مؤسسات أخرى يعشن المشكل حتى من طرف بعض أساتذتهن وهذا مأزق بعواقب أفدح لما لهؤلاء المدرسين من سلطة ضاغطة. وبالمقابل، أؤكد بأنه وعلى أبواب ثانويتنا تتعرض الكثير من الطالبات إلى هذه التحرشات سواء من طرف بعض التلاميذ أو من غرباء منهم من يمتطي دراجة ومنهم من يركب سيارة ومنهم الراجلون أيضا. لكن الجميع بهدف واحد حتى أنه يُخيَّل لك بأنهم يمتهنون التحرش لما يواضبون عليه من انضباط في الحضور خاصة ساعات العاشرة والثانية عشرة والرابعة والسادسة مساء.
مروان، مستخدم
أعتقد بأنه ضرب من ضروب الخيال انتظار حلول يوم بدون تحرش جنسي في مجتمع تغلب عليه فئة الشباب وما نعرفه عن حاجاتها الطبيعية في هذه المرحلة. ومن ثمة، ينبغي النظر إلى الموضوع من وجهة مختلفة تماما عن تلك الداعية إلى العقاب والزج في السجون. وهذا لا يعني بأنني ضد الجزاء إذا ما تطورت الحالة إلى عنف جسدي ومس مباشر لسلامة المرأة، لكن إن بقيت في إطار ألفاظ الإعجاب فهذا أمر لا يخلو منه بلد مهما ارتقت درجات نموه وحضارته. بَيد أن ما يجب الانتباه إليه في هذا الصدد وأخذه بعين الاعتبار هو عدم وضع الذكور فقط في قائمة المغضوب عليهم، والالتفات إلى أن ليس هناك دخان من غير نار. أي بعبارة أوضح ماكان لهذا التحرش أن يحصل، في غالب الأحيان، دون تحريض نسائي. فكفى من محاولات حجب الشمس بالغربال والنظر من حولنا إلى ما أصبحت ترتديه الفتيات من ألبسة فاضحة لأعضائها الحساسة. وكمجرد سؤال “هادي اللي خارجة معرية صدرها ومزيرة على مؤخرتها وأحيانا مبينة بوطها..علاش كتقلب؟ّ”.
فريد، فاعل جمعوي
حتى نكون واضحين يجب أن نقر ابتداء بأننا نعيش في مجتمع المتناقضات. إذ في الوقت الذي نشدد فيه على ضرورة الامتثال لمجموعة من القيم الإنسانية نجد ممارسات معاكسة على أرض الواقع ومن الشارع بالخصوص تكون مخالفة لما نتبناه من ادعاءات. وفي مسألة التحرش أو ما يسميه البعض النكان أقول بأن الإنسان وكما هو معلوم خلق بغريزة جنسية من الله، ولكن منحنا أيضا إمكانية التحكم في هذه الغريزة كصفة تمييز عن الحيوان. والأكيد أن ظاهرة التحرش ليست بالأمر الجديد في المجتمع، إنما الملاحظ هو تطورها بشكل فظيع إلى حد التلفظ بعبارات مشينة والإمساك بأذرع النساء. مما يعد انتهاكا لحريتهن والدفع بهن إلى التخوف من النزول للفضاء العام. وهذا ما يستدعي فعلا تطبيق النصوص الزجرية. ولو أن مشكل آليات هذا التطبيق والإثبات ستظل محور نقاش مثير على أساس عدم الخلط بين التحرش ومقاصد الاستلطاف المستوفية لمبادئ الاحترام والتي لا محيد عنها لربط علاقات اجتماعية سامية.
سعيد، مجاز عاطل
لا أدري صراحة الدافع الحقيقي الذي أجج الآن تعالي هذه الأصوات الناقمة على “النكان”. في حين أن الظاهرة موجودة منذ أن وجدت البشرية لارتباطها بما هو غريزي. لا أقول هذا من منطلق موافقتي على جميع مظاهر هذا التحرش التي تتعدى فعلا الخطوط الحمراء في بعض الأحيان. لكن واقعنا يفرض أن نسائل أنفسنا على أمور أعمق وهي الكفيلة بمنحنا تأشيرة القطع مع العديد من المسائل التي تبدو لنا غير طبيعية ومنها تحرش الرجال بالنساء. فهل منا من استفسر مثلا عن سبب اجتماع الشباب في راس الدرب أو بالمقاهي لترصد المارات بكلماتهم التغزلية. الجواب طبعا هو افتقارهم لعمل يشغل وقتهم، ولو وجدوا ما يملؤون به ذلك الفراغ لما تبقى لهم وقت لضياعه في التحرش. فهنا تكمن المشكلة. يْخدّْمو الشباب ويديرو ليه فين يقضي يومه ويضمنو ليه مصدر رزق محترم. وحينذاك سنرى كمَّ المزالق الاجتماعية الذي سيتقلص. فالشباب المغربي يعاني حرمانا لا يتصور وعلى جميع المستويات، ويقاسي مكبوتات تلزم المسؤولين ضرورة التفريج عنها لا الطواف حول المشكل وإهمال أصله.
حمزة، مدرب رياضي
دعنا نكن صرحاء ونعترف بأن الجميع يتحرش، لكن كل حسب طريقته. الفارق هو أن بعض التحرشات تمر مرور الكرام تبعا لظروفها الخاصة، وأخرى تسلط عليها الأضواء وأصابع الاتهام كما هو الشأن بالنسبة لما يمارس في الشارع العام من شباب ربما لم يبلغ النضج الكافي فيتمادى في سلوكه. في حين كما قلت نجد الأب الناهي في بيته يتحرش. والمحامي المدافع عن المتحرشات يتحرش، والأستاذ الملقن لأدبيات التربية يتحرش وقس على ذلك. والخطير في الأمر هو أن الكل كيْخرّْج عينيه ويفصل نفسه عن الشريحة المتحرشة وكأنه ملاك. فمن يتحرش إذن؟. وهذا ما ينبئ بأن الظاهرة ستستمر مادامت ثقافة الاعتراف ضائعة، والرغبة في الانطلاق من إصلاح الذات غائبة. ثم، لما كل اللوم موجه صوب تحرش الرجال بالنساء، وغض الطرف عن تحرش النساء بالرجال مع أن هذه الظاهرة متفشية إن بشكل مباشر أو غير مباشر وكأن الرجل خُلق ليصور دائما ذلك الشخص المعتدي الشرير، والمرأة هي المسكينة المغلوبة على أمرها المظلومة العفيفة، مع أنها وبشهادة التاريخ سبب شر البلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.