الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روبورتاج: هل من الممكن أن يعيش المغاربة من غير “تحرش”..؟
نشر في برلمان يوم 27 - 03 - 2015

“كلك زبدة ومنين نبدا”، “كلشي زعر ولا غير الشعر”، “الناس دايرين علاش يرجعو وانتي دايرا علاش تبركي”، “اللحم فالزنقة والثلاجة خاوية”، “أوعدي على الزين البلدي”، “الزين والدين ولاديسيبلين”، “الرق والغرق”، “اللابسة الحمر غادي تدي لية العمر”، “نعطي مليون على سمر اللون..اللون اللي ما يكشف”، “أويلي على زهري اللي تزوجت بكري”. هي عبارات قد توجز الغنى الذي تزخر به الترسانة التحرشية المغربية وتصديها لكل ظروف تواجد المعنيات بالأمر.
إذ لم يترك مؤلفو هذا القاموس شيئا للصدف أو محلا لتسلل الثغرات، وأحاطوا كل الاحتمالات الممكنة بما يناسبها من آليات “النكان”. بحيث لا يمكن استحضار مشهد أنثوي إلا ووجدت للتعليق عليه موقعا في ذلك المعجم، سواء كان لفتاة بدينة أو نحيفة أو شقراء أو سمراء أو متبرجة وحتى محتجبة، بل لم يفت رواد هذا السلوك أن يوظفوا ديبلوماسية خاصة وبشكل غير مباشر لاحتواء أي ردة فعل للأمهات المرافقات لبناتهن. أليس هم القائلون “الله يجيب لينا شي نسيبة نسيفطوها للحج”.
“برلمان.كوم” ولغاية النبش بعمق في خصوصيات هذا السلوك في علاقته بوجود من يشجبه ومن يسخر من تجريمه، ومن أجل البحث في الأماكن الأكثر احتواء له نزل إلى الشارع لاستقاء وجهات نظر المواطنين من الجنسين ومختلف التوجهات، قبل أن يلتقي رجال الاختصاص في علم الاجتماع.
النكان بين معترفين بممارسته ورافضات لتجريمه
شاب: الحبس هو تشوف الزين وماطلوطش
شابة: الكلام الحلو راه هضرة ودوا
كما الخوض في جميع ملفات الظواهر المرفوضة اجتماعيا من قبيل الرشوة والفساد والسرقة والخيانة الزوجية والقمار. كان من الصعب جدا العثور على نماذج لشهادات ذكورية تمتلك جرأة الاعتراف بممارسة سلوك التحرش الجنسي أو نسائية تميل إلى قبول تلك التحرشات. والقلة التي استثنيت اشترطت عدم الإفصاح عن هويتها الحقيقية. مما يفسر إجماع الآراء المستقاة رسميا على التنديد بالظاهرة وإقصاء أصحابها لأنفسهم من قائمة الشريحة المتهمة. والنتيجة الشكلية على خلفية ذلك هي انعدام وجود معترف رسمي بالتحرش وانعدام أيضا أي امرأة متعاطفة مع المتحرشين. في حين أن الواقع غير ذلك تماما بدليل هذه التصريحات التي تعود لنساء يرون في التحرش علاجا نفسيا بالمجان. ورجال لا يتصورون حياتهم دون التغزل في مفاتن المرأة وهي تتموج على الأرصفة والشوارع. إلى درجة أن أحدهم الذي يبدو في عقده الثالث رد على مدى معرفته بمضامين عقوبات التحرش الجنسي في مشروع القانون الجديد ب”الحبس هو تشوف الزين وماطلوطش”، مستطردا بأن لا القانون ولا الجزاءات العقابية بإمكانها ردع ما تأمرك به غريزة هي أقوى من أن تتحكم في ضوابطها. لذلك فإن “هادي هي القهيوة ديالي كنجي ليها كل عشية باش نسقي العوينات”. وبينما كان هذا الشاب مُركزا في الدفاع عن عادته شتت تفكيره مرور إحدى الفتيات التي سرعان ما باغثها بالقول “على هاد الزين والله حتى نجيب التيتر ديال الدار صداق” قبل أن يزيد وكأنه يُحدث نفسه “ويلي ويلي على طرف.. وغير قولي دابا كيف دير مادويش”. تركنا صاحبنا في مقهاه بكراج علال في الدار البيضاء. لنصادف آخر بممر الأمير مولاي عبد الله المشهور ب”البرانس” ليؤكد بأن معاينته في تلك اللحظة وهو متلبس بإمطار فتاتين بعبارات تعذر سماع مضمونها لا يعني تحرشه بأي فتاة كانت، وإنما فقط بذوات القوام الممشوق والمظهر الجذاب المستوفي لجميع شروط ما تشتهيه الأنفس. وهؤلاء الفتيات، يضيف جبران، البالغ 28 سنة، هن اللاتي لا تقع معهن في مشاكل أو اصطدامات على عكس “الخايبات اللي غير إلى شفتي فيها بارازار وكاعما مسوق ليها كتخنزر فيك واخا هي مسكينة لا زين لا مجي بكري”. وفي سياق الحديث عن الفتيات اللاتي ذكر جبران تجاوبهن مع تحرشه، التقينا سلوى، البالغة 26 سنة، صاحبة صالون للحلاقة، التي اعتبرت تغزل الفتى بالفتاة مسألة عادية جدا إذا لم تتجاوزها إلى ألفاظ ساقطة. بل اعترفت بأن أي امرأة لا تمانع في دواخلها سماع كلام يمدح شكلها حتى ولو كان كذبا. وبالتالي فإن من تدَّعي رفضها للتحرش إنما ترفض “المعيور وتخسار الهضرة أما يكذب عليك الكذاب اللي يقوليك ما كيعجبوهاش الكليمات الزوينات”. وفي تأييد لهذا الرأي ذهبت مونية، البالغة 29 سنة، عاملة، إلى حد وصف التحرش بالعلاج النفسي والوصفة القادرة على زرع الثقة في شخصية الفتاة “النكان الحلو راه دوا. واتصْوّْرْ تسمع البنت على الصباح كلمة صباح الشهد لخدود الورد كيف غايطلع عندها النهار”، والعكس صحيح، تستدرك المتحدثة، “والله ومايديها فيها حد حتى يدخلها الشك فراسها وتبقى تدور فجنابها”. لذلك تعلن هذه الشابة اعتراضها الصريح على تجريم السلوك التحرشي من هذا النوع، مادامت لا ترى فيه عيبا بقدر ما هو شحنة وحاجة يستلطفهما الجنس اللطيف بعيدا عن التعاليق البروتوكولية المنمقة، والتي تلقى أمام الميكروفونات وعلى صفحات الجرائد “را حنا كاع بنات وماكنوقفوا قدام المرايا نص ساعة وكنخسرو فلوسنا على الماكياج غير باش ندوزو ويبقاو يشوفو فينا. داكشي علاش حاجة زوينة تحس البنت باللي عجبات شي حد ولكن الواعرة هي يقوليها راكي عجبتيني..”.
طاكسي الغرام.. مصيدة تلاقي واحتكاك الأجسام
اشتكت الكثير من النساء اللاتي التقاهن “برلمان.كوم” مما يتعرضن له داخل سيارات الأجرة ذات الحجم الكبير تحديدا من تحرشات. نتيجة وقوعهن الاضطراري فريسة مختلف حيل الاحتكاك، والتي بالرغم من إتقان محترفيها لعملية التظاهر بأنها عفوية. إلا أن تسلقها لمراحل موالية من التقدم سرعان ما يكشف للمستهدفات غرضها المقصود. فهذه الورطة، كما تحسبها جميلة، البالغة 42 سنة، من الصعب جدا الاحتجاج عنها مخافة توجيه كل اللوم للمشتكية وتحميلها تهمة الافتراء على الجاني الحقيقي، أو في أحسن الأحوال “السخرية منك بالعبارة المألوفة: هادا را طاكسي كبير وإلى بغبيتي تمرحي شدي بتي طاكسي..”. ليبقى الوضع معروفا لدى الجميع ومستورا من طرف الجميع أيضا. وعلى رأسهم السائقون الذين قال أحدهم “مادام كيركبو 4 لور مسألة طبيعية يتلاصقو بيناتهم ولكن ما يمكن تقدر تتهم حتى واحد بشي حاجة واخا انت عارف أش كيوقع”. مضيفا بأن “كاين اللي كاع كيرجع دراعو بلعاني لور وكيعنق أو كيدير رجليه على رجل المرأة. ومنهم اللي كيمشي بعيد ويحط يديه على شي بلايص”.
فدوى، صحافية
تكاد معاناتنا، كنساء، من التحرش الجنسي لا تنفصل عن عادات متاعبنا اليومية. وفي ذلك تشترك العاملة والطالبة والعاطلة من خلال تعرض الجميع لسيل من الألفاظ التي تتلون بين التحرش الشفهي من قبيل التعاليق المستفزة والتلميحات الجنسية والأسئلة اللاأخلاقية والنظرات غير البريئة. وصولا إلى التجرؤ على اللمس والتحسس والجذب. الأمر الذي يتسبب في أذى نفسي وإهانة مذلة للمستهدفات خاصة إن حدثت هذه التصرفات أمام عموم الناس بالشارع. ومع ما يبدو من حاجة ماسة لمحو مثل هذه المشاهد من مجتمعنا، وما يمكن أن يساهم به القانون المقترح مشروعه لتحقيق هذه الغاية. إلا أن الأخير وبقدر ما خلف الإعلان عنه من ارتياح لدى بعض النساء، زرع من جهة أخرى قلقا في وسط أخريات ربما يفوق ذاك الذي يرتابهن عند تعرضهن للتحرش. وذلك على أساس أنه وفي الوقت الذي توجد من بين المتحرش بهن من تمتلك الجرأة الكافية لإعلان احتجاجها صراحة، والذهاب إلى أبعد من ذلك بالتبليغ عن الجاني. هناك من تحسب ألف حساب قبل الإقدام على نظير هذا الفعل لما ترى فيه من تكلفة قد تصل إلى حد الفصل عن العمل إن كانت عاملة، أو النيل، عموما، من سمعتها. بداية من المقربين إليها، ومرورا بردة فعل “المتعاطفين” مع المتحرش من معارفه، وانتهاء بكل من بلغه الخبر من أفراد هذا المجتمع الذي لازالت تعتريه وللأسف أحكام مسبقة بكون المرأة دائما في موقع المخطئة حتى دون النظر أو معرفة تفاصيل الواقعة.
والنتيجة هي تخبطها في حالة من الصراع النفسي الذي يتقاذفها بين ما تستدعيه فعلا خطورة الانتهاك من إجراءات وما يترصدها من صعوبات الإثبات وحجية الاعتداء وأيضا مواقف الازدراء. فيكون الصمت، غالبا، سيد الموقف، مع ما يوحي به من رضى ضمني بالظاهرة وتشجيع على استمرارها. بل الأكثر أنه يفهم كذلك. والحقيقة، أنني لن أجد من مثال أقرب إلى توصيف هذا الوضع من حادثة خاصة عشتها صيف السنة الماضية حين كنت في تدريب بإحدى الإذاعات الخاصة، أستحسن عدم ذكر اسمها. إذ وما إن التحقت بالأخيرة حتى وجدت نفسي محاصرة بدعوات غذاء وعشاء من طرف رئيس التحرير. إلا أنني ومن منطلق مبدأ حسن النية الذي أحتفظ به في بداية تعاملي مع أي كان، وكذلك بحكم طبيعة مكان اللقاء الذي ليس إلا فضاء عموميا، قبلت الدعوة الملحة لأستشف بأن مقاصدها تتجاوز حدود نقاش مواضيع المهنة والزمالة إلى أمور سعيت جاهدة ألا أوليها أكثر من الإلقاء بها في الركن المهمل من ذاكرتي. ومع ذلك، واصلت التدريب رغم ما كنت أنزعج به مرارا من همسات الشخص المذكور حين يترصدني منفردة ك”امتى غادي تواضعي معانا..” و”أنا كنموت على اللي راسهم قاسح..”. ليُعرِّي ذات يوم عن منتهى هدفه السخيف والمنحط مباشرة برسالة عبر الفايسبوك وهو الرغبة الجامحة في إقامة علاقة جنسية. وبطبيعة الحال، كان وقع تلك الصدمة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وأزاحت كل ضغوطات التردد في المغادرة. لأنتصر أخيرا لكرامتي على حساب حاجتي للخبرة المهنية رغم قضائي مجرد 3 أسابيع بتلك المحطة الإذاعية. فانسحبت وكلي ألم، ليس لما آلت إليه تجربتي التدريبية فحسب، وإنما أيضا استحضارا لمئات النساء والفتيات الأقل حظا مني، واللاتي يجبرهن أمل تحصيل راتب آخر الشهر لظروف اجتماعية نعلمها جميعا على تحمل مثل هذه الإكراهات. وعليه، أرى بأن المشكل أكبر من أن يتم القضاء عليه بمجرد سن قوانين تجرمه، وأن المقاربة القانونية والزجرية للسلوك الإنساني الجانح لن تفي بالغرض المطلوب إن لم تصاحبها تنشئة اجتماعية كفيلة بتغيير التمثلات التي يحملها المجتمع عن المرأة. طالما أن الموضوع يحتِّم توعية شاملة، وترسيخ حقيقي لثقافة احترام الإنسان إن كان امرأة أو رجلا من لدن الأسرة و المؤسسات التربوية والمناهج التعليمية والإعلام وغيرها.
زهيرة، موظفة
الحديث عن التحرش الجنسي في الشارع بالخصوص أو ما يصطلح عليه ب”النكان” يقودنا مباشرة إلى نقاش درجات الوعي التي بلغها شبابنا المغربي. وبالتالي لا يمكننا انتظار الشيء الكثير مما سمعناه مؤخرا عن فرض عقوبات زجرية على المتحرشين في ظل انعدام ثقافة تربوية لدى هؤلاء المحتمل تورطهم. إذ كما يقول المثل الدارجي “اللي ماقاليه راسو ماعندك ماتقوليه” وتحديدا في مثل هذه الأمور. وشخصيا عانيت الكثير ومازلت من تلك السلوكات. والغريب حتى من رجال قد تستبعد إلى حد أقصى نزولهم إلى هذه المستويات سواء لكبر سنهم أو لمظهرهم الذي يوحي بنيلهم حظا محترما من التعليم الدراسي. لذلك قلت بأن المسألة مرتبطة أولا وأخيرا بالتربية والوعي أكثر من أي عامل آخر خاصة وأن الكثير من المتحرشين لا يُقْدمون على تلك تصرفات إلا للتسلية والاستفزاز دون النظر إلى ما يمكن أن تخلفه العبارات الجارحة من وقع سيء على نفسية المتحرش بها.
سميرة، فاعلة جمعوية
هي بالفعل ظاهرة نستنكرها لما لها من تضييق على حرية النساء، وتكبيل لحقهم في المرور بتلقائية. فمن العار ونحن نسير في طريق إعادة الاعتبار للمرأة والنضال من أجل نيل حقوقها كاملة أن نظل أسيري هذا التعامل البدائي. والأفظع كوننا أصحبنا نرى من لا يحترم حتى مرافقي هؤلاء الفتيات من أفراد عائلاتهم، ولا يعيرون اعتبارا للأمهات والأزواج كذلك. الأمر الذي يبقى معه الضرب على أيدي المنحرفين أخلاقيا مسألة حاسمة في تقويم الاعوجاج. وهنا لابد أن أشير في كلمة موجهة للفتيات بأن مسألة التغاضي والتجاوز لم تعد مقبولة من جانبهن، والكرة في ملعبهن للتبليغ عن أي انتهاك لعرضهن وسمعتهن، لأن مجرد السكوت هو بمثابة تقديم شيك على بياض لتشجيع المتحرشين على عادتهم، وموافقة ضمنية على قبول مثل تلك التجاوزات المهينة لأنوثتهن بالأساس.
حسناء، طالبة
بكل أسف لم يعد التحرش في مجتمعنا استثناء وإنما قاعدة. بحيث وبصرف النظر عن طريقة لباس الفتاة أو وظيفتها أو شكلها صارت مدركة وهي تغادر بيتها تعرضها لكلمة من هنا أو هناك، ومنها ما تخدش الحياء أحيانا. أما في وسطنا التعليمي وأعني تحديدا الثانوية التي أدرس بها، فإنني أحمد الله كثيرا لعدم تفشي هذه الظاهرة برحابها مع أنني أعرف صديقات لي يدرسن في مؤسسات أخرى يعشن المشكل حتى من طرف بعض أساتذتهن وهذا مأزق بعواقب أفدح لما لهؤلاء المدرسين من سلطة ضاغطة. وبالمقابل، أؤكد بأنه وعلى أبواب ثانويتنا تتعرض الكثير من الطالبات إلى هذه التحرشات سواء من طرف بعض التلاميذ أو من غرباء منهم من يمتطي دراجة ومنهم من يركب سيارة ومنهم الراجلون أيضا. لكن الجميع بهدف واحد حتى أنه يُخيَّل لك بأنهم يمتهنون التحرش لما يواضبون عليه من انضباط في الحضور خاصة ساعات العاشرة والثانية عشرة والرابعة والسادسة مساء.
مروان، مستخدم
أعتقد بأنه ضرب من ضروب الخيال انتظار حلول يوم بدون تحرش جنسي في مجتمع تغلب عليه فئة الشباب وما نعرفه عن حاجاتها الطبيعية في هذه المرحلة. ومن ثمة، ينبغي النظر إلى الموضوع من وجهة مختلفة تماما عن تلك الداعية إلى العقاب والزج في السجون. وهذا لا يعني بأنني ضد الجزاء إذا ما تطورت الحالة إلى عنف جسدي ومس مباشر لسلامة المرأة، لكن إن بقيت في إطار ألفاظ الإعجاب فهذا أمر لا يخلو منه بلد مهما ارتقت درجات نموه وحضارته. بَيد أن ما يجب الانتباه إليه في هذا الصدد وأخذه بعين الاعتبار هو عدم وضع الذكور فقط في قائمة المغضوب عليهم، والالتفات إلى أن ليس هناك دخان من غير نار. أي بعبارة أوضح ماكان لهذا التحرش أن يحصل، في غالب الأحيان، دون تحريض نسائي. فكفى من محاولات حجب الشمس بالغربال والنظر من حولنا إلى ما أصبحت ترتديه الفتيات من ألبسة فاضحة لأعضائها الحساسة. وكمجرد سؤال “هادي اللي خارجة معرية صدرها ومزيرة على مؤخرتها وأحيانا مبينة بوطها..علاش كتقلب؟ّ”.
فريد، فاعل جمعوي
حتى نكون واضحين يجب أن نقر ابتداء بأننا نعيش في مجتمع المتناقضات. إذ في الوقت الذي نشدد فيه على ضرورة الامتثال لمجموعة من القيم الإنسانية نجد ممارسات معاكسة على أرض الواقع ومن الشارع بالخصوص تكون مخالفة لما نتبناه من ادعاءات. وفي مسألة التحرش أو ما يسميه البعض النكان أقول بأن الإنسان وكما هو معلوم خلق بغريزة جنسية من الله، ولكن منحنا أيضا إمكانية التحكم في هذه الغريزة كصفة تمييز عن الحيوان. والأكيد أن ظاهرة التحرش ليست بالأمر الجديد في المجتمع، إنما الملاحظ هو تطورها بشكل فظيع إلى حد التلفظ بعبارات مشينة والإمساك بأذرع النساء. مما يعد انتهاكا لحريتهن والدفع بهن إلى التخوف من النزول للفضاء العام. وهذا ما يستدعي فعلا تطبيق النصوص الزجرية. ولو أن مشكل آليات هذا التطبيق والإثبات ستظل محور نقاش مثير على أساس عدم الخلط بين التحرش ومقاصد الاستلطاف المستوفية لمبادئ الاحترام والتي لا محيد عنها لربط علاقات اجتماعية سامية.
سعيد، مجاز عاطل
لا أدري صراحة الدافع الحقيقي الذي أجج الآن تعالي هذه الأصوات الناقمة على “النكان”. في حين أن الظاهرة موجودة منذ أن وجدت البشرية لارتباطها بما هو غريزي. لا أقول هذا من منطلق موافقتي على جميع مظاهر هذا التحرش التي تتعدى فعلا الخطوط الحمراء في بعض الأحيان. لكن واقعنا يفرض أن نسائل أنفسنا على أمور أعمق وهي الكفيلة بمنحنا تأشيرة القطع مع العديد من المسائل التي تبدو لنا غير طبيعية ومنها تحرش الرجال بالنساء. فهل منا من استفسر مثلا عن سبب اجتماع الشباب في راس الدرب أو بالمقاهي لترصد المارات بكلماتهم التغزلية. الجواب طبعا هو افتقارهم لعمل يشغل وقتهم، ولو وجدوا ما يملؤون به ذلك الفراغ لما تبقى لهم وقت لضياعه في التحرش. فهنا تكمن المشكلة. يْخدّْمو الشباب ويديرو ليه فين يقضي يومه ويضمنو ليه مصدر رزق محترم. وحينذاك سنرى كمَّ المزالق الاجتماعية الذي سيتقلص. فالشباب المغربي يعاني حرمانا لا يتصور وعلى جميع المستويات، ويقاسي مكبوتات تلزم المسؤولين ضرورة التفريج عنها لا الطواف حول المشكل وإهمال أصله.
حمزة، مدرب رياضي
دعنا نكن صرحاء ونعترف بأن الجميع يتحرش، لكن كل حسب طريقته. الفارق هو أن بعض التحرشات تمر مرور الكرام تبعا لظروفها الخاصة، وأخرى تسلط عليها الأضواء وأصابع الاتهام كما هو الشأن بالنسبة لما يمارس في الشارع العام من شباب ربما لم يبلغ النضج الكافي فيتمادى في سلوكه. في حين كما قلت نجد الأب الناهي في بيته يتحرش. والمحامي المدافع عن المتحرشات يتحرش، والأستاذ الملقن لأدبيات التربية يتحرش وقس على ذلك. والخطير في الأمر هو أن الكل كيْخرّْج عينيه ويفصل نفسه عن الشريحة المتحرشة وكأنه ملاك. فمن يتحرش إذن؟. وهذا ما ينبئ بأن الظاهرة ستستمر مادامت ثقافة الاعتراف ضائعة، والرغبة في الانطلاق من إصلاح الذات غائبة. ثم، لما كل اللوم موجه صوب تحرش الرجال بالنساء، وغض الطرف عن تحرش النساء بالرجال مع أن هذه الظاهرة متفشية إن بشكل مباشر أو غير مباشر وكأن الرجل خُلق ليصور دائما ذلك الشخص المعتدي الشرير، والمرأة هي المسكينة المغلوبة على أمرها المظلومة العفيفة، مع أنها وبشهادة التاريخ سبب شر البلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.