وحده المعطي منجب من لا تنطلي عليه ألاعيب المخزن، ووحده من يسبر أغوار مكائد الدولة العميقة، ووحده من يجهض الدسائس والمؤامرات التي تحاك في الظلام للإيقاع بفلول اليسار ومريدي الإسلام السياسي… وحده المعطي منجب الذي أسعفه فنجانه في قراءة أفكار “القوى التي تطلق الحروب الإعلامية”، التي زعم بأن حيّلها انطلت على السياسيين والإعلاميين والمدونين والرأي العام بمختلف تلاوينه وأطيافه، بينما مكث هو بمفرده محصنا ضد كل إغراءات السياسة وغواية السياسيين.. ووحده المعطي منجب، من اشتقّ النجابة من لقبه، وتلمّس في عتمة السياسة أن هناك جهات ما تحيك بالليل المؤامرات لمن كان يغتصب النساء فوق هودج الأريكة، ومن أسهم برجله في قتل الطالب وسحل جثته على رصيف شوارع ظهر مهراز، ولمن أصبح ” لباس الشغل” ماركة مسجلة باسمها في براءات النفاق السياسي.. وحده دون غيره، من أدرك بأن اعتقال توفيق بوعشرين كان بسبب افتتاحية تناولت “رمال الشاطئ” وليس بسبب “فانتازما” الجنس، سابغا على الضحايا والرأي العام والصحافة والقضاة والمحامين في هذه القضية دور “الكومبارس” الذين يتحركون كالدمى من خلف ستار.. وبمفرده دون سواه، من أيقن بأن روح الطالب الفقيد تم تسخيرها هي الأخرى للمشاركة في ملحمة استهداف “قارئ الوثيقة الدستورية”، مبخسا حق عائلته ورهطه في العزاء والسلوان، وواصفا إياهم بكثير من التلميح وقليل من الحياء بأنهم مجرد باعة للذكرى ومتاجرين في الحزن والشجن.. ووحده المعطي غير النجيب، الذي يصور الصحافة كساحة حرب، يحركها لواء من السراب، ويتقاتل فيها الإعلاميون برصاص القلم، ويموت فيها حصريا ضحايا مناوؤون للسلطة، ومجاهرون بسلطويتها، من قبيل المغتصب ومزهق الروح وصاحبة الزي الإسلامي المتغير بحسب المكان والزمان… ووحده المعطي منجب، الذي ليس له من النجابة إلا اشتقاق اللقب، من أدرك بأن حرب اليسار والإسلام السياسي هي حرب مفتعلة، يتطاحن فيها قتلة مأجورون، ترسانتها الصورة والكلمة، بينما الرابح الأكبر فيها هو مركز السلطة… أي نجابة هذه، أو بالأحرى أي سفاهة هذه، تلك التي تسوغ لشخص كان ولا زال موضوع ارتياب في معاملاته وأفكاره، بأن يصور الصحفيين والمدونين الذين كتبوا ويكتبون في قضية لباس ماء العينين بأنهم مجرد مدفعية مأجورة، ومشاة بلا قرار، ومقاتلون بدون عقيدة. وأي تحليل سياسي هذا، الذي يسمح لصاحبه بأن يقفز بالوقائع القانونية من نطاقها القضائي إلى العالم الأزرق الافتراضي، ويقصي الضحايا وحرية التعبير ومبادئ العدالة وعدم الإفلات من العقاب، ويقدم مغتصب النساء بأنه ضحية كيد النساء، مثلما قالها بلا خجل فقيه المقاصد والكفايات في وقت سابق، وأن يصور مشتبه به في قضية إزهاق روح الطالب القتيل على أنه ضحية مواقف سياسية بأثر رجعي. وأي بسالة، بمفهومها الموغل في العامية المغربية، تلك التي تسلّح بها السيد المعطي منجب في دفاعه عن هندام ماء العينين الباريسي، حتى كان أكثر دفاعا عليها من زملائها في حزبها السياسي وجناحه الدعوي، محاولا تصوير ازدواجية مواقفها ولباسها بأنها من مفرزات الحرب المفتعلة من “أصحاب الحال”، وكأن ماء العينين التي وصفها بالزعيمة المحافظة النادرة هي امرأة بمواهب خارقة، لا يمكن كبح جماحها إلا بالغوص في حياتها الشخصية. لكن المثير في كل استنباطات المعطي منجب وتكهناته واستيهاماته العديدة، هو أنه لازال يخندق رموز العدالة والتنمية في الجانب الآخر من السلطة، ويبقيهم على مسافة بعيدة من دائرة القرار السياسي، رغم أنهم يمسكون بمقاليد الحكومة وتدبير الشأن العام المحلي في كبريات المدن منذ أكثر من سبع سنوات، وذلك في تماهي حد التطابق مع شعار عبد الإله بنكيران السريالي حول التماسيح والعفاريت وغيرها من شخصيات “كليلة ودمنة”، مع فارق طفيف بينهما، وهو أن بنكيران خضع مؤخرا لحصص المناصحة الدينية وبات ينافح عن الحريات الفردية، في حين أن المعطي منجب لازال يصر على النظر إليه بمنظور الماضي ويعتبره من رموز الإسلام السياسي. فالذي يحاول زرع الانقسام بين اليساريين والإسلاميين في المغرب ليس هي الجهات التي تشتغل في جنح الظلام، حسب الخيال الدافق والمتدفق للسيد المعطي منجب، وإنما هي تلكم الأفكار الشاردة لبعض أشباه المثقفين، الذين يخونهم إحساسهم بالواقع، ويصدقون أنهم يقرأون ما وراء السطور، وما خلف العبارات، وهم في حقيقة الأمر يهيمون في متاهات نظرية المؤامرة. والذي يحاول عزل المنتقدين ليس هو النظام، وإنما أولئك الذين يعزلون أنفسهم ضمن أفكار عدمية، تصور الدولة كعدو للجميع، وتقدم الإعلام والصحافة كمزامير للنظام، إن هي لم تنطق بما تهوى أنفسهم، وتقدم الأصوات الأخرى، كل الأصوات المعاكسة والمخالفة أو المختلفة، بأنها ” عياشة”. وفي كلمة أخيرة، على السيد المعطي منجب أن لا ينسى، وهو يكتب عن الحرية المنشودة، بأنه يدوس بأقدامه على حريات الآخرين ويصادر حقهم في الاختلاف وفي اختيار أفكارهم وتعبيرهم، وأن لا ينسى كذلك وهو يبرئ المغتصب والمشتبه به في القتل بأنه يمتهن كرامة الضحايا وأولي الدم، ويجهز على حقوقهم الدستورية التي تسمح لهم بالحق في طلب القصاص القانوني وجبر الضرر المادي والمعنوي. فحسبه أن يتحدث فيما يعرف.. وإن كان لا يعرف سوى الانتقال السلس من الفشل إلى الفشل الذريع.