لازال المقاتلون الأجانب في صفوف “داعش” يسقطون تباعا خلال رحلة عودتهم من بؤر التوتر بدول الشرق الأوسط، وذلك بعد هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” واشتداد الخناق على خلاياه بالمنطقة. وتشير التقارير إلى أنه رغم الهزيمة التي مني بها “داعش” وتوقف تدفق الأجانب للانضمام إلى صفوفه، إلا أن مقاتليه لايزالون بسوريا والعراق، ويقدر عددهم ما بين 20 و30 ألفا حسب الأممالمتحدة. وقالت الأممالمتحدة في تقريرها الصادر شهر غشت الماضي، إن المقاتلين المغاربة في صفوف تنظيم “داعش” يشكلون “النواة الصلبة” للمقاتلين الأجانب بالتنظيم، وذلك لاشتغال الكثير منهم في مناصب قيادية داخل الهرم التنظيمي للتنظيم. وفي هذا الصدد كشفت قوات كردية تقاتل على الأراضي السورية، أنها ألقت القبض على مغربي يحمل الجنسية الإيطالية يدعى “سمير بوغانا”، قاتل في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابي، وذلك خلال محاولته الفرار إلى الأراضي التركية. وأشارت القوات الكردية، إلى أن المقاتل الموقوف كان يلقب ب”أبو حُرَيّر المهاجر” و”أبو العبدلله المهاجر”، وجرى إيقافه في 27 من شهر غشت الماضي، أثناء محاولته الفرار إلى تركيا. ونشرت القوات الكردية تفاصيل التحقيق مع المقاتل الداعشي الذي اعترف بوجود علاقة بين المخابرات التركية والجماعات المقاتلة في سوريا وضمنها “داعش”. مشيرا إلى أن تركيا “دعمت” و”استخدمت” بعض عصابات “داعش” في محاربة الأكراد. “برلمان.كوم” اطلع على تفاصيل التحقيق الذي نشرته القوات الكردية وهذه تفاصيله. “من هو سمير بوغانا؟” ولد سمير بوغانا عام 1994، بإيطاليا من أبوين مغربيين، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا رفقة عائلته، وهناك تزوج بمواطنة تركية تحمل الجنسية الألمانية. خلال إقامته بألمانيا، التقى بوغانا بجماعات إرهابية منذ 2011، حيث توطدت علاقته بعد لقائه بأحد الإرهابيين يدعى “عبد الله الألماني” الذي كانت تربطه علاقات مع جهاز المخابرات التركي، ليقترح عليه السفر إلى سوريا والالتحاق بالجماعات الإسلامية المقاتلة هناك، وهو ما وافق عليه بوغانا في حينه ليسافرا معا إلى تركيا قبل إدخاله إلى سوريا. قال بوغانا إنه سافر إلى تركيا انطلاقا من مطار دوسلدورف إلى ألمانيا، وبقي في “معسكرات” تقيمها المخابرات التركية بأنطاكيا، حيث يتم تجميع المقاتلين الأجانب الراغبين في الانضمام إلى الجماعات الإرهابية بسوريا. واعترف بوغانا بأن المخابرات التركية توفر جميع احتياجات هؤلاء المقاتلين قبل إرسالهم إلى سوريا عبر جبال العقاد في اللاذقية، للانضمام إلى تنظيم “جند الشام” الذي يقاتل جيش النظام السوري، وهناك التحق بجماعة يقودها المدعو “أبو عمر العلمني” لينضم بعدها إلى صفوف تنظيم “داعش” بسوريا. “داعش يتلقى الأوامر من تركيا” وفي الاعترافات التي نشرتها القوات الكردية، قال بوغانا بأنه قاتل ضد ما أسماه “جيش البعث السوري” في اللاذقية، مشيرا إلى أن قادة “داعش” أمروهم بالذهاب إلى شمال حلب حيث تنشط المخابرات التركية، قبل دخول الجيش هناك في غشت 2016. وكشف بوغانا معلومات تخص تدخل المخابرات التركية لمساعدتهم في العبور من اللاذقية إلى طرابلس عبر أنطاكيا وعنتاب، “المخابرات التركية سهلت عملية انتقالنا ووفرت كل احتياجاتنا (…)، لقد فتحوا لنا الحدود وسمحوا لنا بالمرور مع أسلحتنا (…) وبعد عبورنا، أخبرونا بأننا سنقاتل الأكراد منذ ذلك الحين”. وأضاف المقاتل الإيطالي-المغربي في صفوف “داعش”، أنه انتقل إلى القتال بريف دير الزور رفقة “مجموعة الموت”، حيث ظل فيه لفترة قبل أن يشد الرحال نحو محافظة الرقة معقل “داعش”، ليشتغل هناك في فريق العلاقات الخارجية للتنظيم. وقال بوغانا إن مهمته الأساسية كانت تتمثل في استقطاب وتجنيد أعضاء جدد لفائدة التنظيم من دول أوروبا خاصة ألمانيا، مشيرا إلى أنه شارك في الهجوم على قاعدة كويرس الجوية في حلب التي كان تنظيم “داعش” يحاصرها منذ أواخر 2013. “علاقة تركيا بداعش” وفي حديثه عن علاقة تركيا بتنظيم “داعش”، قال بوغانا الملقب ب”أبو عبد الله المهاجر” إن مجموعته لم تواجه أي عقبات حينما تصرفت باسم تركيا، “لم يسألنا أحد عما كنا نفعله أو إلى أين نحن ذاهبون، لقد عبرنا الحدود مرارا وتكرارا (…)، الدولة التركية دعمتنا بكل أنواع الأسلحة والذخائر والموارد الأخرى، رأيت بأم عيني كيف نقلت الدولة التركية الأسلحة إلى منطقة تل أبيض”. وأشار المتحدث إلى أن تركيا تعتبر شمال سوريا أرضا خاصة بها، وتريد أن تحقق أهدافها الخاصة في المنطقة عن طريق “داعش”، من خلال تقديم الموارد والدعم له وللجماعات الإرهابية المرتبطة به لمهاجمة الأكراد بالمنطقة. “لقد أرادوا أن نقاتل الأكراد أكثر من جيش النظام السوري”. “تركيا تحمي عصابات داعش” واستمر بوغانا في فضح العلاقة المزعومة بين تركيا و”داعش”، حيث كشف أن هذه الأخيرة تحمي عصابات “داعش” من خلال إغرائهم بالعيش في تركيا كما يحلو لهم، ضاربا المثال بأحد عناصر التنظيم ذو الأصول النمساوية الذي لم تسلمه تركيا لبلاده رغم مطالبتها بذلك. وقال بوغانا، إن تركيا تدعي محاكمة عناصر “داعش”، لكن ذلك يبقى شكليا فقط، فهي تقدم لهم الدعم، وتستخدمهم لتحقيق مصالحها الخاصة (…). مشيرا إلى أنه لولا الدعم التركي لما أصبح تنظيم “داعش” بتلك القوة التي كان عليها، ولما تعمقت الحرب الأهلية في سوريا. لقد عملت تركيا على دعم هذا التنظيم والجماعات المقاتلة من خلال فتحها الحدود لعبورهم نحو سوريا، وهو ما دفع بالصراع إلى أخذ اتجاهات أكثر خطورة. “البسيج بالمرصاد” وكان عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، قد كشف في وقت سابق أن 1473 مغربيا لا يزالون في صفوف الجماعات الإرهابية بالشرق الأوسط، موزعين على كل من تنظيم “داعش”، و”شام الإسلام” و”فتح الشام” (جبهة النصرة سابقا) ومجموعات إسلامية مسلحة. وكشف الخيام أن 213 مقاتلا مغربيا في صفوف داعش عادوا إلى أرض الوطن، فيما قتل 596 في مختلف بؤر النزاع بالشرق الأوسط. ويسهر “البسيج” على تتبع خطوات المقاتلين العائدين، وكذا أصحاب الجنسيات المزدوجة الذين يبحثون عن طرق آمنة لدخول بلدانهم بعيدا عن الأنظار.