في هندسة البناء الخطابي بمناسبة الذكرى 19 لعيد العرش، يحضر عنصر الأمن كمحدد أساسي لخلق بيئة مستقرة لتحقيق التنمية. ففي تصدير الخطاب الملكي جاء الحديث عن الأمن بوصفه شرطا تاريخيا مكن من الحفاظ على الاستقرار والوحدة وتجاوز الصعاب وساعد على تحقيق المنجزات وترصيد المكاسب، وفي مقدمة خطاب العرش تأكد هذا المحدد باعتبار الترابط القائم بين الأمن والتنمية. ضمن هذا السياق يُمكن أن نقرأ أيضا الرد على دعاة التشكيك والتبخيس والتوهيم الذي احترفه البعض، بسبب ارتباطهم بحسابات ذاتية وأحيانا بأجندات لاوطنية تروم التقليل من التراكم المنجز وهدمه بدل تقديم نقد بناء يساعد على تصويب الاختلالات وتثمين المكاسب. إن استدعاء معطى “الوطنية” كمحدد لتحليل الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وفق الخطاب الملكي، يروم تحقيق هدفين: الأول، التنبيه إلى مخاطر الانجرار وراء خطابات جلد الذات ومصادرة المجهودات المبذولة لتحقيق التقدم. أما الثاني، يبغي تجديد حالة التعبئة بما يُفشل “خطط المصادرة”، وهي تعبئة أساسها الثقة بين الملكية ومغاربة “لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية، وبائعي الأوهام، باستغلال بعض الاختلالات، للتطاول على أمن المغرب واستقراره، أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته. لأنهم يدركون أن الخاسر الأكبر، من إشاعة الفوضى والفتنة، هو الوطن والمواطن، على حد سواء”. في متن الخطاب الملكي ليس عبثا إثارة قضايا التنمية والإصلاح المؤسسي، وقد حدد الملك الأولويات المستعجلة كما درج على التذكير بالأوراش الأساسية لتحقيق التنمية، لكن الملاحظ أن تشخيص الوضع تم بشكل إيوالي وضمن هندسة لغوية تربط الوسيلة بالغاية، وهنا يحضر مرة أخرى عنصر الاستقرار والأمن كوسيلة لتحقيق الغاية، بالتأكيد على أن تدبير الشأن العمومي لن يتسنى له “رفع التحديات وتحقيق التطلعات إلا في إطار الوحدة والتضامن والاستقرار”. كثيرة هي النظريات التي ربطت التنمية بالحرية، واعتبرت أن الترابط بين المحددين وحده الكفيل بتحقيق نمو اقتصادي عبر تشجيع حرية المبادرة والاقتصاد المفتوح، مع الإبقاء على تدخل الدولة في القطاعات الاجتماعية حماية للمجتمع. واليوم يمكن القول إن الأهمية التي بات يكتسيها الاستقرار يجعل التنمية أمن، باعتبار السياقات الوطنية والإقليمية الدولية التي تجعل من العرض الأمني أساس العلاقات الاقتصادية.