لا أحد يتمنى أن يكون هذه الأيام مكان فوزي لقجع، رئيس جامعتنا الملكية المغربية لكرة القدم، إذ كلما رن أحد هواتفه، ارتفعت درجة حرارة جسده، وتزايدت دقات قلبه، واصفر وجهه، وفقد توازنه وقال في داخله “وَقِيلة هُما”. فقد مر أسبوعان على إقصاء المنتخب الوطني من مونديال روسيا، ومر أسبوعان على عودة فوزي لقجع إلى أرض الوطن، ولم يكلف رئيس جامعتنا نفسه عناء تقديم الحصيلة للشعب المغربي الذي عبر عن مساندة منقطعة النظير للأسود قبل المونديال وخلاله وحتى بعد الإقصاء المبكر. مشاكل وفضائح بالجملة تداولها المغاربة وتقاسموها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، نذكر منها الطريقة التي صرف بها لقجع الأموال الباهظة التي وضعتها الدولة تحت تصرفه، وكذلك كيفية دعوة العشرات من الضيوف الغرباء الذين تكفلت الجامعة بتكاليف سفرهم وإقامتهم، وكلفة إقامة لقجع في روسيا بذلك الفندق الفخم، وكم أدى دافعو الضرائب من أجل سفريات لقجع على متن طائرات خاصة تكلف كل رحلة منها أزيد من 100 مليون سنتيم. وفوزي لقجع ملزم كذلك بأن يشرح للمواطنين، إن كان فعلا يحترم هؤلاء المواطنين، ظروف مشاركة الوفد المغربي وأسباب إقصاء الأسود المبكر، وأن يرفع اللبس عن القيل والقال وعن المُلاسنات الحقيقية والمفترضة بين أعضاء الوفد، وعن سر تواجد كاتبتين للدولة برفقته، وهل أخبرتا وزيريهما بذلك، علما أن لاعلاقة للقطاع الذي تعملان فيه بالرياضة. كما أنه ملزم بتزويدنا بخبايا إخفاقنا في الظفر بتنظيم مونديال 2026 هو الذي أوهمنا بأن 2026 “فالجيب” وأن هدف مشاركتنا في روسيا 2018 يتعدى التأهل إلى الدور الثاني. لم يقم لقجع بتنظيم ندوة صحافية، ولم يحل ضيفا على إحدى القنوات التلفزية، ولم يصدر ولو بلاغا للجامعة يشفي غليل المغاربة. على عكس ذلك، فوزي لقجع لم يكف عن المناورات، ولا عن الطعن من الخلف والضرب تحت الحزام، ليلقي بالمسؤولية وباللوم على الآخرين، عساه يتفادى الصفعات المباشرة على وجهه، أو عسى ذلك الاتصال الهاتفي المنتظر يكون خفيفا ورحيما بمستقبله الكروي بل وحتى بمستقبله بمديرية الميزانية لوزارة المالية التي يبدو أنه أصبح فيها مجرد شبح يتقاضى أجره مقابل التوقيع على بعض الوثائق الإدارية. لقد حاول فوزي لقجع تبرير إخفاقنا في الفوز بتنظيم مونديال 2026 بغدر المملكة العربية السعودية رغم أن هذه الدولة ليست وحدها من وفرت 135 صوتا لصالح ملف منافسينا. ولا أحد يجهل اليوم أن فوزي لقجع جند بعض المنابر والأبواق ليلقي مسؤولية الإقصاء المبكر على المدرب المقتدر إيرڤي رونار، وشيئا ما على عميد الأسود مهدي بنعطية الذي فضح تدخله، وتدخل بعض موظفيه في شؤون الفريق التقنية. وقد نعتت بعض هذه الأبواق إيرڤي رونار بعديم الكفاءة، وانهالت عليه وعلى بنعطية بالسب والشتم مقابل التطبيل والتمجيد والتبجيل حد التقديس لفوزي لقجع، الذي وصفه هؤلاء “العياشة” بمنقد كرة القدم المغربية. لكن المغاربة الذين تصدوا لهذه الحملة على الشبكة العنكبوتية، يدركون أن مسؤولية الإخفاقين يتحملها أولا وأخيرا لقجع، وهم يحسون ب”الحكرة” من عجرفته ولجوئه لهذه الأساليب الدنيئة لتبرئة ذمته، ولتجاهله لهم ولمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة. نحن نعرف أن الشعور ب”الحكرة” هو ما يدفع الناس للخروج إلى الشارع للتعبير عن مشاعرهم، وفي قضية فوزي لقجع تبدو “الحكرة” مزدوجة الشكل لأن رئيس الجامعة يسبح في بركة من الأموال بفضل رئاسته للجامعة من جهة، وبفضل منصب مدير الميزانية بوزارة المالية التي يتلقى منها مبلغا شهريا وتعويضات فصلية ومنحة سنوية غريبة الأطوار. فالعارفون بأمور وزارة المالية يدركون جيدا أن هذا الشخص يتقاضى رواتب خيالية، منها منحة سنوية تفوق 200 مليون سنتيم تذهب إلى حسابه البنكي مباشرة بعد مصادقة نواب الأمة على القانون المالي بصفته مديرا للميزانية، هذا طبعا زيادة على راتبه الشهري، وتعويضات تنقله، وحضور اجتماعات دولية. وتبدو المصيبة أعظم حين نعلم أن صاحبنا مجرد موظف شبح بهذه الوزارة لكثرة انشغالاته بهموم الكرة المستديرة التي يجوب بفضلها العالم كله حيث يرتاد أفخم المطاعم والفنادق وأماكن الأكل والشرب. أما جنود الخفاء الذين يعوضونه في غيابه عن الوزارة فهم رؤساء المصالح والأقسام الذين يُحضّرون القوانين المالية، ويسهرون على سير المديرية وعلى راحة مديرهم. لم يكن فوزي لقجع يحلم بهذا المنصب، هو الذي لا تتوفر فيه أدنى الشروط “لاحتلاله” لولا “لحيس الكاپا” لمقربين من دوائر القرار وعلى رأسهم إلياس العماري حين كان يرتعش منه الوزير وينحني له الوالي والعامل والمدير. لقد حصل فوزي لقجع على ديبلوم من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بمعدل جد متوسط. وبعد أن تدافعته الأمواج ليصبح رئيس مصلحة في وزارة المالية والانخراط في حزب التجمع الوطني للأحرار، تم تعيينه مديرا بالنيابة ثم مديرا للميزانية من طرف صلاح الدين مزوار، وذلك بأمر من “المخلوض الوطني” الذي نصّبه أيضا رئيسا للجامعة وكاد أن يلج به دواليب حزب الأصالة والمعاصرة. هنا أحس ابن بركان بأهمية منصب مدير الميزانية الذي يجعل منه المحاور الأول، قبل الوزير، للمؤسسات العمومية وللوزراء، وحتى لرئيس الحكومة الذي يلجأ لخدماته. هنا أيضا بدأت عجرفة لقجع وتنكره لماضيه البسيط ولأصدقائه، وظن أنه بالفعل رجل مهم فوق القانون، لا تطاله المحاسبة ولا تعنيه المساءلة ما دام “السي إلياس” في الدمة. ومع تنحي “جبلون” عن المواقع السياسية التي كان يحتلها، اقترب لقجع من مظلة السوبير وزير عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، في ما يشبه عملية “رابح-رابح”. لكنها تبدو عملية غير مضمونة العواقب كونها تشبه كذلك عملية “تمسك غريق بغريق”، لأن أخنوش نفسه بحاجة لحبل طويل وقوي يُخرجه من بعض الورطات وآخرها ورطة المقاطعة.