تعتبر التكتلات الإقليمية سمة العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة، حيث لا تخلو قارة أو إقليم من دول متجانسة ولها نقاط مشتركة إلا ودخلت في تكتل تحمي فيه مصالحها وتطور مواردها لخدمة مستقبل شعوبها. شمال إفريقيا وكمعظم تجمعات الدول، فطن نهاية الثمانينيات وبالضبط سنة 1989 إلى ضرورة الاتحاد والاندماج وبقدرته على تحقيق الكثير من الامتيازات لم تكن لتحققها منفردة، ولينشأ في ال17 من فبراير 1989 اتحاد المغرب العربي، أملا في خلق مستقبل واعد ومشرق لشعوب المنطقة ينسيه سنوات من النكسات التي عاشتها الدول العربية بصفة عامة ودول المنطقة خاصة. تبلغ مساحة اتحاد المغرب العربي، قرابة 5.782.140 كلم مربع ما يمثل 40 في المائة من مساحة الدول العربية مجتمعة، تتركز 41% منها في الجزائر، ويصل طول الشريط الساحلي لدول الاتحاد 6505 كلم، ويصل تعداد سكانه حوالي 80 مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2000, حيث يعيش 78% من سكانه مناصفة في الجزائر والمغرب، وتبلغ نسبة المساحة الصالحة للزراعة من مساحة الاتحاد إلى ما يقارب 3.7% تقع 43% من هذه الأراضي في المملكة المغربية، كما يبلغ مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول اتحاد المغرب العربي 389.6 مليار دولار أمريكي وهو ما يعادل حوالي 32% من إجمالي الناتج المحلي للدول العربية، ويصل معدل النمو السكاني لدول الاتحاد المغاربي إلى 1.7%. يعتمد اقتصاد الاتحاد بشكل كبير على الفلاحة والصناعة، حيث أنه يملك مقومات اقتصاد قوي لدول الاتحاد مجتمعة تعد بمستقبل زاهر إن أحسنت الاستغلال، وأحسن استغلال نقاط قوة كل دولة على حدة لتدفع بالاتحاد وباقي دوله إلى الأمام. المغرب… أقوى دول الاتحاد تعتبر المملكة المغربية من أقوى اقتصادات شمال إفريقيا والمغرب الكبير، حيث أن المغرب ورغم اعتماد اقتصاده بشكل كبير على القطاع الفلاحي، إلا أن اقتصاده يعتمد التنوع والانفتاح، كما أن الاقتصاد المغربي اقتصاد خدماتي بنسبة مساهمة تصل إلى 54.9 في المائة من الناتج الإجمالي في السنوات الأخيرة، كذلك يتوفر المغرب على مجموعة من الموارد الطبيعية باعتباره أول بلد مصدر للفوسفاط في العالم، وإطلالة المغرب على واجهتين بحريتين جعلت منه أول مصدر عربي للأسماك والثامن عشر عالميا، بالإضافة إلى مساهمة السياحة والتحويلات المالية للمهاجرين، غير أن الجديد في الاقتصاد المغربي هو التوجه الصناعي كإنتاج السيارات والنسيج والصناعات الغذائية؛ حيث وصلت مساهمة القطاع الصناعي إلى نسبة 35 في المائة من الناتج الداخلي الخام وتشغيل 20 في المائة من السكان النشيطين. الجزائر… أغنى دول الاتحاد يصنف المحللون الجزائر كأغنى دول اتحاد المغرب العربي، وذلك لكونها من أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي، والتي تشكل 95 في المائة من إجمالي صادراتها و60 في المائة من عائداتها، إلا أن تركيز الجارة الشرقية على تصدير المحروقات قد يشكل خطرا على الاقتصاد الجزائري الذي لا يعتمد التنوع في الموارد خصوصا في حال انخفاض أسعار المحروقات على الصعيد العالمي. ويعتمد الاقتصاد الجزائري، على الصناعات الميكانيكية مثل المحركات والحافلات والشاحنات والجرارات والآلات الفلاحية، كما أن للجزائر ثروات طبيعية أخرى مثل الحديد والفحم واليورانيوم والذهب والزنك والرصاص والنحاس والزئبق. تونس… أكثر دول الاتحاد استقطابا للسياح استطاعت تونس منذ بداية القرن الواحد والعشرين، تطوير بنياتها التحتية واستغلال مواردها البشرية والجغرافية لخدمة اقتصادها، رغم عدم توفرها على ثروات طبيعية من معادن وموارد طاقية. فتونس وهي أصغر دول الاتحاد مساحة، تعتمد على السياحة كأول مساهم في الاقتصاد الوطني، تتبعها الفلاحة والنسيج والخدمات، ويعتبر الاقتصاد التونسي من الاقتصاديات الأكثر تنافسية في القارة الإفريقية وعلى الصعيد العربي رغم قلة الموارد الطبيعية. إلا أن تونس وبعد ثورة 2011، شهدت ارتفاعا كبيرا في عداد العاطلين عن العمل كما عرفت سوء توزيع لثروتها، دون الحديث عن ضرب القطاع الأكثر حيوية وهو القطاع السياحي من خلال العمليات الإرهابية التي ضربت البلاد، وفقدان المستثمرين الأجانب الثقة في الاقتصاد التونسي بسبب عدم الاستقرار السياسي. 29 سنة بعد وضع أول لبنات اتحاد المغرب العربي بين الدول الخمس (المغرب الجزائرتونس ليبيا وموريتانيا)، وتصدع العلاقات بين الدول الجيران في مناسبات عديدة، أوقفت عمل الاتحاد بشكل شبه كامل، ويعود الحديث اليوم عن تأسيس اتحاد مغاربي يجمع هذه المرة ثلاثة دول فقط هي المغرب والجزائروتونس… يتمنى الجميع أن يوتي هذه المرة أكله أفضل من الأول. فتنوع اقتصادات دول الاتحاد واختلاف نقاط قوتها بين الفلاحة والصناعة والسياحة والمعادن… يجعل تكثل الإخوة الجيران في حاجة كبيرة للتلاحم فيما بينهم ودمج اقتصاداتهم، ليستفيد الجميع حكومات وشعبا ومقاولات… من قوة فلاحة وصناعة المغرب ومحروقات ومعادن الجزائر وسياحة تونس. تعثرات الاتحاد والمحن التي تمر بها معظم دول الاتحاد، تأتي اليوم لتطالب الدول بالتغلب على المشاكل السياسية، والتكتل فيما بينها وإنشاء بنية تحتية تسهل تنقل البضائع والأشخاص على غرار الاتحاد الأوروبي، لتحقيق اندماج اقتصادي من شأنه أن يجعل من الاتحاد المغاربي واحدا من أقوى اتحادات العالم.