يعتبر شهر رمضان، شهر الثواب والرحمة بالنظر لتعدد المكارم التي حلت بالمسلمين تزامنا مع هذا الشهر، بالإضافة إلى بروز مجموعة من الفتوحات الإسلامية البارزة التي تمكن المسلمون من خلالها من ترسيخ القيم والمبادئ الإسلامية السمحة، التي تعتبر الدعامة الأساسية والعدة التي لا يمكن للإسلام أن يحافظ على مكانته المتميزة داخل المجتمعات العربية وكذلك الغربية بدونها. ومن النعم الفاضلة التي هب نسيمها على المسلمين في شهر رمضان، فريضة الزكاة التي تلخص كمبدإ إسلامي مجموعة من القيم السمحة، التي تشمل قيمة التضامن والتآزر، في أفق الحرص على ضمان أجواء التعايش التي يشترط فيها تقوية الجانب الإنساني، ورعاية القيم الإسلامية التي تشد من أزر وعضد الدين الإسلامي، وتجعله يتصدر قائمة الديانات التي تقدس الجانب المرتبط بالأخلاق التي تحتكم لها المعاملات اليومية. تعرف زكاة الفطر بزكاة الأبدان، حيث شرعها الله تعالى على كافّة المسلمين، فتخرج للمحتاجين، والفقراء الذين لا يستطيعون تلبية حاجاتهم، والذين لا يمتلكون مصروفهم، كما يتمّ إخراجها قبل عيد الفطر بيومين أو يوم، علماً بأنّ وقت صلاة العيد هو آخر وقت لإخراجها. يشار في هذا الصدد إلى أن زكاة الفطر فرضت في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان، حيث خطب الرسول صلى الله عليه وسلم بالناس قبل يوم الفطر بيوم أو بيومين، وأمرهم بذلك، بهدف الإحسان إلى الفقراء، ومنحهم فرصة مشاركة أجواء العيد وفرحته مع الأغنياء من خلال إعطائهم ما يغنيهم عن السؤال في أيام العيد. من جهة أخرى فإن زكاة الفطر، تعود بالكثير من الخير على منفقيها، حيث تظهر شكر العباد لله تعالى على نعمة إتمام شهر رمضان، وفعل ما تيسّر من الأعمال الصالحة خلاله، بالإضافة إلى أنّها تطهرهم مما حصل في صيام رمضان من إثم، أو نقص، أو لغو. في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الزكاة تؤدَّى عن النفس، وعن كلّ من كفّل بنفقته، مثل الزوجة، والأولاد، علماً بأنّها لا تجب عن الجنين في بطن أمّه؛ لأنّه ليس من أهل رمضان، كما لا يجب إخراجها عن الخادم؛ لأنّه ليس ممّن يكفل المزكّي معيشته أو نفقته. وأما بخصوص حكم الزكاة، فهي تعدّ فريضة على كلّ مسلم سواء كان ذكراً أم أنثى، صغيراً أم كبيراً، حراً أم عبداً، حيث قال ابن عمر: ( فرَض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ، صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ، من المسلمينَ، وأمَر بها أن تؤدَّى قبلَ خروجِ الناسِ إلى الصلاةِ). في الصدد ذاته، يشار إلى وجود مجموعة من المعايير المحددة بشكل دقيق، والتي ترتبط أساسا بكيفية أداء فريضة الزكاة، وهو الأمر الذي لا يجب إغفاله في هذا الجانب، إذ يساوي مقدار زكاة الفطر صاعاً، وهو صاع أهل المدينة؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جعله بما يكال بمكيال أهل المجينة. حيث قال ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة)، وللصاع عدّة شروط، وهي: لا يعدل بالوزن؛ لأنّ الصاع يختلف وزنه باختلاف ما يوضع فيه. يساوي الصاع النبوي 3280 مليلترات، أي ثلاثة لترات، ومائتان وثمانون مليلتراً تقريباً. يمكن أن يكون صاعاً من الشعير، أو التمر، أو الزبيب، وذلك لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كُنَّا نُخْرِج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب).