في اليوم الثاني من رمضان عام 114 هجرية حدثت معركة بلاط الشهداء الشهيرة، التي اشتعلت بين المسلمين بقيادة "عبد الرحمن الغافقي" والفرنجة بقيادة "شارل مارتل"، وقد وقعت في منطقة بواتييه الفرنسية. فتح المسلمون الأندلس سنة 92 ه، 711م في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد المالك، وغنموا ملك القوط على يد الفاتحين العظيمين طارق بن زياد وموسى بن نصير. وأصبحت الأندلس منذ ذلك الوقت ولاية إسلامية تابعة لدولة الخلافة الأموية، وتعاقب عليها الولاة والحكام ينظمون شؤونها ويدبرون أحوالها، ويواصلون الفتح الإسلامي إلى ما وراء جبال “ألبرت” في فرنسا. ولم يكد يمضي على فتح الأندلس سنوات قليلة حتى نجح المسلمون في فتح جنوبي فرنسا واجتياح ولاياتها، وكانت تعرف في ذلك الحين بالأرض الكبيرة أو بلاد الغال، وكان بطل هذه الفتوحات هو "السمح بن مالك" والي الأندلس، وكان حاكما وافر الخبرة، راجح العقل، نجح في ولايته للأندلس؛ فقبض على زمام الأمور، وقمع الفتن والثورات، وأصلح الإدارة والجيش. عبد الرحمن الغافقي لم تكن أحوال البلاد جديدة عليه، فقد سبق أن تولى أمورها عقب استشهاد السمح بن مالك، وعرف أحوالها وخبر شؤونها، ولا تمدنا المصادر التاريخية بشيء كثير عن سيرته الأولى، وجل ما يعرف عنه أنه من التابعين الذين دخلوا الأندلس ومكنته شجاعته وقدراته العسكرية من أن يكون من كبار قادة الأندلس، وجمع إلى قيادته حسن السياسة وتصريف الأمور؛ ولذا اختاره المسلمون لقيادة الجيش وإمارة الأندلس عقب موقعه "تولوشة". غير أن هذا الاستقرار والنظام الذي حل بالأندلس نغصه تحركات من الفرنج والقوط واستعداد لمهاجمة المواقع الإسلامية في الشمال، ولم يكن لمثل الغافقي أن يسكت وهو رجل مجاهد عظيم الإيمان. كان الجيش الإسلامي قد انتهى بعد زحفه إلى السهل الممتد بين مدينتي “بواتييه” و”تور” بعد أن استولى على المدينتين، وفي ذلك الوقت كان جيش شارل مارتل قد انتهى إلى نهر اللوار دون أن ينتبه المسلمون بقدوم طلائعه. وحين أراد الغافقي أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكمل استعداده فاجأه “مارتل” بقواته الجرارة التي تفوق جيش المسلمين في الكثرة، فاضطر عبد الرحمن إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييه وتور، وعبر شارل بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من جيش الغافقي. وفي ذلك السهل دارت المعركة بين الفريقين، ولا يُعرف على وجه الدقة موقع الميدان الذي دارت فيه أحداث المعركة، وإن رجحت بعض الروايات أنها وقعت على مقربة من طريق روماني يصل بين بواتييه وشاتلرو في مكان يبعد نحو عشرين كيلومترا من شمالي شرق بواتييه يسمّى بالبلاط. وهي كلمة تعني في الأندلس القصر أو الحصن الذي حوله حدائق؛ ولذا سميت المعركة في المصادر العربية ببلاط الشهداء لكثرة ما استشهد فيها من المسلمين، وتسمّى في المصادر الأوروبية معركة "تور- بواتييه".