دبَج عضو هيئة دفاع المتهم توفيق بوعشرين المحامي عبد الصمد الإدريسي مساهمة فيسبوكية طويلة، نفث فيها ما يختلج صدره وما يساور ثنايا قلبه من أحقاد إزاء الجميع: مؤسسات قضائية، وزملاء في المهنة، وممثلي الادعاء، والضحايا اللائي رفضن التنازل عن شكاياتهن في حق توفيق بوعشرين، ومدير المؤسسة السجنية “عين برجة”، وضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ووسائل الإعلام غير تلك الموالية ل”أخبار اليوم”، دون أن ينسى عموم المواطنين الذين يعتبرون -في سرائرهم أو في العلن- بأن بوعشرين مذنب في حق ضحاياه. وكما شكّك عبد الصمد الإدريسي في كل شيء، وجرّح في كل المتدخلين المباشرين وغير المباشرين في هذا الملف، وخاصم هيئة المحكمة والضابطة القضائية والإدارة السجنية، منتهيا إلى أن “القضية فيها إنّ”، فمن حقه أيضا أن يسمع “رجع الصدى” لما كتبه في تدوينته، وأن يتأمل فيما تقوله الضحايا، ويمعن الإصغاء إلى الصوت الآخر الذي يقول “بأن القضية ليس فيها إن، وإنما فيها اغتصاب وهتك للعرض وتحرش جنسي ومتاجرة بالنساء عن طريق الاستغلال الجنسي”. إقناع الرأي العام… غاية من؟ يؤاخذ المحامي عبد الصمد الإدريسي على النيابة العامة وعلى زملائه في المهنة، ممن اختاروا مؤازرة الضحايا والمشتكيات، أنهم يتواصلون مع وسائل الإعلام في هذه القضية، ويدلون بتصريحات وإفادات لتنوير الرأي العام الوطني، بل قد وصل به الاندفاع، حتى لا نقول شيئا آخرا، حد توصيف حركية التدوين بأنها “إسهال مفرط”، في إيماءة قدحية وإشارة ازدرائية لكل من يكتب حول هذا الموضوع من جوانبه القانونية والقضائية والحقوقية. ولنا أن نتساءل مع المحامي عبد الصمد الإدريسي، من الذي كتب يوم 23 فبراير المنصرم، أي بُعيد توقيف ناشر جريدة “أخبار اليوم”، مساهمة في “الفيسبوك” يطالب فيها “النيابة العامة بتوضيح الأسباب الداعية للتوقيف”؟ ومن الذي قال كتابة “من حقنا طرح بعض الأسئلة: أين هو التواصل الذي سبق وتحدث عنه رئيس النيابة العامة؟ ألسنا أمام قضية رأي عام تقتضي توضيحا شافيا من أعلى رأس في النيابة العامة؟ إن أرشيف الحائط الفيسبوكي للمحامي عبد الصمد الإدريسي يحتفظ لنا بتدوينات وتعليقات يطلب فيها من الادعاء توضيح أسباب التوقيف، وتنوير الرأي العام في قضية اعتبرها هو شخصيا” قضية رأي عام”. فلماذا إذن يتنكر ويستنكر حين تخرج النيابة العامة ببلاغات صحفية لتوضيح أسباب التوقيف، وبيان التهم الموجهة للمتهم في هذا الملف، وتكذيب الأخبار والإشاعات والاختلاقات التي زعمت أنه تم توقيف صحفيات أخريات في هذه القضية”. وفي سياق متصل، من الذي نشر مرافعاته ودفوعاته الشكلية وطلباته العارضة واستنتاجاته في وسائل الإعلام قبل أن تتوصل بها هيئة المحكمة المنتصبة للبت في هذه القضية؟ هل دفاع المتهم توفيق بوعشرين أم دفاع الضحايا والمشتكيات والمطالبات بالحق المدني؟ أم أنها النيابة العامة بالدار البيضاء؟ ألم ينشر المحامي البريطاني، المحسوب على هيئة دفاع بوعشرين، مرافعة في القانون الدولي في موقع “اليوم 24” حتى قبل أن يعرضها على أنظار العدالة المغربية؟ ألم تنحُ المحامية الفرنسية “راشيل ليندون” نفس النحو عندما هددت بجرّ المغرب إلى القضاء الدولي عبر مرافعة “تافهة” منشورة في الموقع الإخباري ذاته؟ هل يقبل المحامي والحقوقي عبد الصمد الإدريسي نشر المرافعات افتراضيا على الإنترنت قبل بسطها أمام القضاء المختص؟ أم أنه حلال عليكم حرام على من يقف أو يصطف في الجهة المقابلة. ويحق لنا أن نتساءل أيضا، من الذي وسَم محاكمة توفيق بوعشرين بنعت “محاكمة القرن” في وسائل الإعلام، وصار هذا الاسم “ماركة مسجلة” وتدخل ضمن حقوق المؤلف الخاصة به؟ هل عبد الصمد الإدريسي أم ممثل النيابة العامة أم ضابط الفرقة الوطنية أم مدير سجن عين برجة؟ ومن الذي سجّل أكثر من 100 تصريح إعلامي في الثلاثة أسابيع الأولى من توقيف توفيق بوعشرين؟ هل هو المحامي محمد زيان من هيئة دفاع بوعشرين أم أنه المحامي التويمي وغيره من هيئة دفاع المشتكيات والضحايا؟ إن الذي يحاول إقناع الرأي العام، ويتمسك بالبراءة الإعلامية قبل القضائية، هو من يحاول تدويل ملف جنائي كغيره من الملفات الأخرى، وهو من يُعوّل على تقارير الجهات الصديقة في المنظمات الحقوقية الدولية، وهو أيضا من ينقل مرافعاته إلى الفضاء الأزرق غير عابئ بمكانها الاعتيادي في قاعات المحاكم. وأنتم السيد ممثل الدفاع، تعلمون جيدا من قام ويقوم بهذه الممارسات. فالذي حجته ضعيفة ووسائل إقناعه مترهلة، ليس هو الادعاء الذي رفض الدفع الرامي إلى إحضار الضابطة القضائية التي أنجزت المحضر أمام المحكمة، وإنما هو من يجتهد من اليوم الأول، وبجميع الوسائل، لاستبعاد أكثر من 50 شريطا، تتضمن ساعات طوال من المعاناة والاستغلال الجنسي والنفسي للضحايا والمشتكيات. قرينة البراءة…والتشكيك الممنهج من المفارقات الغريبة التي حبلت بها تدوينة عبد الصمد الإدريسي، أنه ارتدى عباءة المحامي الذي يؤازر المتهم توفيق بوعشرين وضحاياه في نفس الوقت، عندما قال “لن يكون أمام مدعي الحياد إلا أن يقف (وليس أن يقفوا كما جاء عن طريق الخطأ اللغوي في التدوينة) إلى جانب كل الضحايا سواء اللائي يدعين أنهن ضحايا بوعشرين أو ضحايا أقوال مثبتة في المحاضر…”. وهنا نطلب من المحامي والحقوقي الإدريسي أن يجيب على التساؤلات التالية، مثلما طرح على قراء تدوينته سيلا عارما من الأسئلة. من الذي يُمعن في خرق قرينة البراءة والتشهير بالضحايا رغم أن القانون يفرد لضحايا الاتجار بالبشر حماية خاصة؟ هل الذي تعمّد ذكر جميع المشتكيات والضحايا بهويتهن الكاملة وخصص لهن فقرة عريضة في مساهمته الفيسبوكية؟ أم أنها النيابة العامة وهيئة المحكمة التي كانت حريصة على تخصيص قاعة مستقلة لضمان الخصوصية للضحايا؟ وقد يزعم المحامي عبد الصمد الإدريسي بأن قرينة البراءة تنصرف إلى المتهم وليس إلى الضحايا. وهنا نتساءل معه أليس من واجبات المحامي والحقوقي أن يحفظ كرامة النساء ضحايا الاستغلال الجنسي ويصون حقهن في الحميمية، لاسيما وأن الأمر يتعلق بقضية فيها جوانب من الأخلاق العامة؟ ومن فوّض لمحامي المتهم بأن يتحدث بلسان الضحايا، من لازالت منهن تصر على المتابعة ومن تراجعت؟ ومن استباح له أن ينشر أسماءهن في وسائل الإعلام؟ وهناك عدة محامين منتصبين للدفاع عنهن وتمثيلهن أمام القضاء وأمام جميع الإدارات والمؤسسات، كما ينص على ذلك القانون المنظم لمهنة البذلة السوداء. كما أن استنباطات وتكهنات وتنجيمات عبد الصمد الإدريسي التي تفسر سكوت بعض الضحايا، أو عدم حضورهن لجلسات المحاكمة، على أنه مؤشر في صالح المتهم ويعضد فرضية التحامل عليه! إنما هي استنباطات واهية تحيلنا على المثل الشعبي القائل “لي كيحسب لوحده تا يشيط ليه”. فالعبرة بما جاء في المحاضر، وبما عرض أمام القضاء، أما اختيار الصمت أمام وسائل الإعلام في هذه المرحلة من التقاضي فهو حرية مكفولة للضحايا، وهو اختيار شخصي لا دخل فيه لأحد، لكنه لا يعني بأي شكل من الأشكال براءة المتهم أو انتصار لنظرية المؤامرة. والاحتفاء الذي خصّه عبد الصمد الإدريسي لنداء أمال الهواري، زميلته في الحزب ومنتدى الكرامة، لا يمكن أن ينسينا سيل السُباب والكلام الخادش الذي جاء في تدوينة سابقة منسوبة لأحد أعضاء هيئة دفاع توفيق بوعشرين في حق المعنية بالأمر، عندما كانت لاتزال تصر على المتابعة القضائية وتقدم نفسها على أنها ضحية لنزوات توفيق بوعشرين، حين قالت “إن المخزن لم يتجن عليه”، فردّ عليها المحامي وزميل الإدريسي بتدوينة جارحة لازالت محفوظة في ذاكرة الأرشيف، وإن كان قد حذفها بسرعة من حسابه الشخصي. وعلى صعيد آخر، فقد ادعى المحامي عبد الصمد الإدريسي بأن هناك شكًّا وتشكيكا في رواية النيابة العامة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، ناقلا ذلك عن من اعتبرهم “عموم الناس”، وكأنه يتوفر على استثمارات شخصية بأسماء هؤلاء المشككين. وهنا لا بد من استعراض بعض التصريحات والتعليقات لنعرف من يمتهن التشكيك؟ ومن يلوذ بالشك بعد أن فضحه اليقين؟. إن الذي تجاوز في شكه المدى، هو الذي بلغت به سوء النية حد التشكيك حتى في يوم توقيف توفيق بوعشرين حين قال “هل اختيار التوقيف يوم الجمعة يوم مقصود” و”اختيار ليلة الجمعة فيه ما فيه”، رغم أن الآثار القانونية الناجمة عن التوقيف يوم الجمعة لا تختلف عن ما إذا كان التوقيف يوم الإثنين أو الثلاثاء وغيرها من أيام الأسبوع. بل إن عبد الصمد الإدريسي شكّك حتى في ساعة التوقيف، عندما تساءل بسخرية سوداء “هل اختيار آخر اليوم أيضا هو أمر مقصود؟” وهنا يمكن الجزم بأن الاختيار لم يكن مقصودا، لسبب بسيط لم يدركه المحامي عبد الصمد الإدريسي. فتوقيف المتهم في آخر اليوم يؤدي عادة، وبالضرورة، إلى خصم عدة ساعات من أمد الحراسة النظرية، على اعتبار أن التقديم أمام النيابة العامة يكون عادة في الصباح أو في منتصف النهار أو مستهل الزوال من اليوم بعد الموالي، وهو ما يعني عدم استيفاء مدة 48 ساعة المقررة للحراسة النظرية كاملة. وبإعمال المنطق الحسابي والقانوني، فالفرقة الوطنية للشرطة القضائية لو كانت لها صلاحية اختيار وقت التوقيف، لآثرت أن توقف توفيق بوعشرين في صباح يوم الجمعة حتى تستنفذ أجل 48 ساعة كاملة في البحث وليست منقوصة. هذا طبعا دون احتساب أجل التمديد. والذي امتهن التشكيك كذلك، هو الذي خاصم هيئة المحكمة في إطار الإحالة من أجل تشكك مشروع، وجاء يناقش نفس الهيئة في طلب إحالته، بيد أن المواد 270 وما يليها من قانون المسطرة الجنائية تعطي صلاحية البت في هذا النوع من الطلبات للغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى. لكن دعونا نتساءل لماذا التشكيك في الهيئة المكلفة بالبت في قضية توفيق بوعشرين؟ هل لأن الهيئة القضائية تربطها علاقة قرابة أو مصاهرة مع أحد أطراف الدعوى؟ وهل لأنها معروفة بخلافات وحزازات مشهودة مع المتهم أو واحد من الضحايا؟ أم أنها انحازت لأحد أطراف الدعوى في خرق سافر للقوانين الإجرائية المنظمة؟ الجواب: لا شيء من هذا القبيل! فقد تمت مخاصمة القاضي والدفع بالإحالة من أجل تشكك مشروع، لأن رئيس الهيئة طلب من الضحايا مغادرة القاعة إلى غاية جلسة مقبلة، مع إمكانية عدم الحضور في جلسات الدفوع الشكلية المخصصة لهيئة دفاع المتهم. وأين هو مبعث التشكك المشروع في هذا القرار؟ وما دخل الضحايا والمشتكيات بدفوعات هيئة دفاع المتهم؟ أم أن امتهان التشكيك في ضباط الفرقة الوطنية والتشكي في مواجهة النيابة العامة ومخاصمة القضاة أضحى الوسيلة المتبقية للدفاع، بعدما أدرك وأيقن بأن وسائل الإثبات المستجمعة في حق توفيق بوعشرين، تصدح بما فيها من إقناع وحجج دامغة وأدلة قطعية. وفي الأخير، نطلب من المحامي عبد الصمد الإدريسي أن يصغي السمع لآهات الضحايا المكلومات، التي تترجمها الأبيات الشعرية التالية: قل لتوفيق بوعشرين…إن الله لا ينسى وقل لمن يناصره في الإثم… لا أراك الله مكروها في ذكر من رهطك ولا أنثى بالأمس كنت خفاش ظلام… وها أنت اليوم في عزلتك تأسى وكنت بجسدي عابثا…وها هي الأقدار منك تقتص وتقسى وكنت سلطان أريكة… فلا دامت تيجانك ولا سلطانك هو أبقى اليوم تتجرع كأسي بالأمس… ترتشف أساها ولي فيها المن والسلوى سبحانك اللهم ما أعدلك…أَفِي عيد ضحاياه يأسى كربه ويدمى ويضيق سجنه وتفسح دنياي… وتشتد أقراحه وأتراحي تفنى فها هي أصفاد الأمس بيدي أساور… وهو في أغلال طوقه يُنسى.