انطلاق منافسات الدورة ال25 لرالي المغرب    السلطة المحلية تداهم مقهى للشيشة بطنجة    أمن طنجة يوقف واحدا من ضمن خمسة مجرمين مصنفين "خطرين" فروا من سجن بالبرتغال    في ما يشبه الإعتذار.. ماكرون لنتانياهو: إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها والتزام فرنسا بأمنكم لا يتزعزع    الحسيمة: 15 سنة سجنا نافذا في حق أستاذ اعتدى جنسيا على قاصر    الناخبون الأميركيون يخشون الأخبار المضللة الصادرة من السياسيين أنفسهم    طبيبان أجنبيان يعالجان مصابي الحرب في لبنان: "كأن شيئا لم يتغير"    اتحاد طنجة يخرج متعادلا من موقعته أمام الجيش الملكي    سجلت أدنى معدل مشاركة منذ ثورة 2011.. سعيد يفوز في انتخابات بلا منافسة حقيقية بنسبة 89%    الحكومة الإسبانية تؤكد دعمها للشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي: الرباط شريك أساسي لا غنى عنه    اختتام الدورة 15 لمعرض الفرس للجديدة باستقطاب 200 ألف زائر    إيران ترفع القيود عن الرحلات الجوية‬    انتقادات "الأحرار" تقلق "البام" بطنجة    إسرائيل تشن أعنف غارات جوية على بيروت    "أيقونة مغربية".. جثمان الفنانة نعيمة المشرقي يوارى الثرى في مقبرة الشهداء    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    اختتام المنتدى المتوسطي لرائدات الأعمال (MEDAWOMEN)    الملك محمد السادس يبعث ببرقية تعزية إلى أسرة نعيمة المشرقي    إعصار يتجه نحو فرنسا وهولندا وبلجيكا مع تأثيرات قوية على باقي الدول الأوروبية    الحنودي: اقليم الحسيمة سيستفيد من غرس 3000 هكتار من الأشجار المثمرة خلال الموسم الفلاحي الحالي    إسرائيل تجازف بوجودها.. في مهبّ عُدوانيتها    مهرجان "الفن" يشعل الدار البيضاء بأمسية ختامية مبهرة    طقس الاثنين .. امطار مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    ردا على قرار محكمة العدل الأوروبية.. الجمعية المغربية للمصدرين تدعو إلى تنويع أسواق التصدير    إسرائيل ربحت معارك عديدة.. وهي في طورها أن تخسر الحرب..    الملك محمد السادس يشارك الأسرة الفنية في حزنها لفقدان نعيمة المشرقي    7 سنوات على موجة "مي تو"… الجرائم الجنسية تهز قطاع صناعة الموسيقى بالولايات المتحدة    تغييب تمثيلية للريف باللجنة المركزية للاستقلال يقلق فعاليات حزبية بالمنطقة    قتيلة وجرحى في إطلاق نار جنوب إسرائيل    كارفاخال يخضع لعملية جراحية بعد إصابته الخطيرة    موكوينا: غياب الجمهور غير مقبول بالمغرب    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكيّف" الأشجار مع التغير المناخي    استقرار سعر صرف الدرهم مقابل الأورو وتراجعه أمام الدولار    تصفيات "كان" 2025.. نفاذ تذاكر مباراة المغرب وإفريقيا الوسطى بعد يوم من طرحها        مشروع لغرس 500 هكتار من الاشجار المثمرة ب 6 جماعات باقليم الحسيمة    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يكشف تفاصيل لقائه مع وزارة الصحة لتنفيذ اتفاق 23 يوليوز 2024    الآلاف يخرجون في مسيرة في الرباط تضامنا مع غزة وبيروت    المغرب يحاصر هجرة ممرضيّه إلى كندا حماية لقطاعه الصحي        منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    أنفوغرافيك | بالأرقام .. كيف هو حال إقتصاد غزة في الذكرى الأولى ل "طوفان الأقصى" ؟    الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالة المعطي منجب… خروقات تؤكد الجهل بالقانون
نشر في برلمان يوم 20 - 03 - 2018

“قيل ما الرويبضة يا رسول الله؟ قال ” الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”. كلّ تشابه بين أحكام هذا الحديث الشريف وأية شخصية أخرى، هو من باب الصدفة وليس فيه أي تلميح لهذه الشخصية أو غيرها.
كتب المعطي منجب مقالة في جريدة ” أخبار اليوم” تحت عنوان “اعتقال الصحافي بوعشرين…خروقات تؤكد طابعه السياسي”، التحف فيها عباءة المحامي والفقيه القانوني المنافح والمدافع عن توفيق بوعشرين، قبل أن يأخذ مكانه في منصة هيئة الحكم ويبت إعلاميا وغيابيا ونهائيا في القضية، معتبرا إياها قضية ” ذات طابع سياسي!”.
والمسترعي للانتباه، أن كاتب هذه المقالة أعدّ جيدا لمرافعته الافتراضية، نَهلَ فيها كثيرا من معجم المفردات القانونية، واستفسر أصدقائه من هيئة الدفاع، واستأنس بالتصريحات الإعلامية لعدد من المحامين المؤازرين لناشر “أخبار اليوم”. لكن كل ذلك لم يسعفه في “تبرئة” المتهم توفيق بوعشرين، كما أن ضعف حجته لم يمكنه من بلوغ الرجاحة القانونية الكفيلة بترجيح البراءة على الإدانة.
وإذا كان المعطي منجب قد تعمّد انتقاد عمل النيابة العامة بلغة التجريح والتشكيك في صلاحياتها في قضية توفيق بوعشرين، فإننا- على النقيض من ذلك- سنتوخى النقد دون التجريح، وتبيان الخطأ دون إظهار صاحبه بمظهر الإهانة، واستعراض الدفوع القانونية، بتجرد وتحفظ شديدين، دون الامتثال أو الرضوخ ل”ترجيعات” القناعات الإيديولوجية أو الإملاءات الشخصية التي حرّكت السيد المعطي منجب في مقالته الاستنادية.
التوقيف… والاعتقال
البداية ستكون من حيث بدأ كاتب المقالة، الذي زعم في السطر الأول بأن الشرطة “اعتقلت” السيدة عفاف برناني المستخدمة في مقاولة توفيق بوعشرين الإعلامية. وهنا، سوف لن نناقش طبيعة مهمة الشرطة القضائية التي كانت هي تنفيذ أمر الوكيل العام للملك القاضي باستدعاء المعنية بالأمر للحضور أمامه، كما ظهر ذلك لاحقا من وثائق الملف، وإنما سنناقش مفهوم لفظة “الاعتقال” التي استعملها المعطي منجب في “مقالته الترافعية”.
فمن بين مهام الشرطة القضائية، حسب منطوق المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية، أنها تبحث عن مرتكبي الجرائم بغرض توقيفهم وليس اعتقالهم! والفرق كبير بين المصطلحين سواء في المدلول أو الآثار القانونية. فالتوقيف هو إجراء من إجراءات البحث المنوطة بالضابطة القضائية، أما الاعتقال فهو إحدى العقوبات الضبطية الأصلية المنصوص عليها في الفصل 18 من القانون الجنائي، والتي هي عقوبة سالبة للحرية أقصى أمدها هو شهر واحد.
ولئن كان التوقيف هو بمثابة تدبير مسطري من اختصاص ضابط الشرطة القضائية، فإن الاعتقال هو عقوبة أصلية تصدرها المحاكم. بل إن المشرع المغربي تعمد عدم استعمال كلمة ” الاعتقال” في معرض حديثه عن صلاحيات النيابة العامة، بالرغم من كونها جزء أصيل من السلطة القضائية، وإنما خولها في المادتين 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية صلاحية إصدار الأوامر الدولية بالبحث و”إلقاء القبض”، وفي المادتين 47 و74 صلاحية الأمر ب”الإيداع في السجن”. والمرة الوحيدة التي استعمل فيها المشرع كلمة الاعتقال في هذا الإطار، كانت في المادة 73 من نفس القانون عندما خوّل للوكيل العام للملك صلاحية “وضع المتهم رهن الاعتقال إذا كانت القضية جاهزة”. والاعتقال هنا لم يأت بمفهوم العقوبة الضبطية الأصلية، وإنما تم إدراجه من منظور الإجراء القضائي.
فالمعطي منجب عندما ادعى بأن الشرطة ” اعتقلت” عفاف برناني، جانب الصواب في كل شيء باستثناء شيء واحد هو الذي يتشابه فيه التوقيف والاعتقال، وهو (رقم) الفصل القانوني المنظم لهما. فصلاحيات الشرطة القضائية في البحث عن المجرمين تنظمها المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية، أما “الاعتقال” كعقوبة أصلية ضبطية فينظمها أيضا الفصل 18، ولكن في هذه المرة من القانون الجنائي وليس من قانون المسطرة الجنائية.
ولم يكتف المعطي منجب بعدم القدرة على التمييز بين “التدبير المسطري والعقوبة”، بل إنه ارتكب أيضا جريمة التزوير! فعندما يدعي بأن عفاف برناني “سجلت دعوى الزور ضد النيابة العامة”، فإنه يكون قد ارتكب جناية التزوير التي هي تغيير الحقيقة بسوء نية. فالشكاية المودعة بمكتب الضبط بمحكمة النقض في 6 مارس الجاري تحت عدد 3773/2018، مسجلة لفائدة عفاف برناني في مواجهة ضابط للشرطة القضائية له اختصاص وطني، وليس في مواجهة النيابة العامة.
كما أن الأمر لا يتعلق ب”دعوى الزور” كما ورد في مقال المرافعة، لأن المشرع المغربي في المواد 334 إلى 391 من القانون الجنائي تحدث عن جرائم التزوير والتزييف، ولم يشر نهائيا إلى لفظة ” الزور”، التي هي عبارة قانونية تخضع لمسطرة خاصة ولمقتضيات أخرى، منصوص عليها في مسطرة الطعن بالزور الفرعي، سواء في المادة المدنية أو الجنائية.
و” التزوير” الذي يقصده المعطي منجب، تحدده الفصول 351 و352 و353 من القانون الجنائي، ويتمثل في تغيير جوهر الأوراق المتعلقة بمهنة الموظف العمومي أو القاضي، أو في ظروف تحريرها، وذلك بكتابة اتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف…، وهي العناصر التكوينية المادية والمعنوية التي ثبت، بالصوت والصورة، أنها لم ترتكب في قضية عفاف برناني، بعدما ظهرت في الشريط المسجل وهي تقرأ تصريحاتها الواردة في المحضر، كلمة بكلمة، وبعدما ذيلت إفادتها بتوقيعها المقرون بتدوين هويتها بخط يدها. وهي قرائن قانونية قوية على أنها هي صاحبة التصريح، مما ينتفي معه جُرم التزوير الذي ادّعاه المعطي منجب ومن سبقه لهذا الموضوع.
المحامي… والزبون
من أروع ما كتب المعطي منجب في مقالته/ المرافعة أن ” السبب الحقيقي لمتابعة زيان هو تسجيله دعوى الزور لصالح زبونيه برناني وبوعشرين”. فالثابت قانونا أن مهنة المحاماة هي جزء من أسرة القضاء بصريح المادة الأولى من القانون المنظم للمهنة، وأن مهمتها هي الترافع عن “الأطراف” أو مؤازرتهم والدفاع عنهم أو تمثيلهم أمام المحاكم والإدارات العمومية. و”الأطراف” هنا ينعتهم قانون المحاماة في المادة 28 منه ب” الموكلين” وليس “الزبائن”.
أكثر من ذلك، فقد أفرد القانون المنظم لمهنة المحاماة الفرع الرابع منه لتوضيح “العلاقات مع الموكلين”، مستعرضا في المادة 41 وما يليها كيفية استقبال المحامي لموكليه بمكتبه أو في مكاتب غيره من المحامين، وطريقة تحديد الأتعاب المستحقة عن أية قضية، وشروط سحب الموكل لتوكيله من المحامي المعين…الخ. فالمشرع المغربي، وباقي التشريعات المقارنة، يرتقي بالعلاقة بين المحامي والأطراف ويُنزّهها عن “العلاقة التجارية” التي تقوم بين البائع أو البقال أو الشركة وزبونها، ولذلك اعتبرها ( أي المشرع) علاقة “نيابة أو مؤازرة أو تمثيل بين المحامي وموكله”، بيد أن المعطي منجب كان له رأي مخالف وأسدل على المهنة وصفا لا يليق بها ولا يشرف نهائيا أسرة الدفاع.
وإمعانا في تشريف مهنة المحاماة، فقد اعتبر المشرع المغربي واجبات المحامي ” أتعابا”، وباللغة الفرنسية (les honoraires)، ولم يقل عنها ” ثمن الدفاع أو مقابل المؤازرة أو سومة الأداء”، وهذا أبلغ تعبير عن رمزية ورفعة المهنة ونبل رسالتها في الدفاع عن الموكلين وتمثيلهم ومؤازرتهم، وليس” الزبائن” كما أورد ذلك السيد المعطي منجب.
المرافعة … قبل كل دفع أو دفاع
في سياق مرافعته الإعلامية، بسط المعطي منجب مجموعة من “الأخطاء والخروقات القانونية”، التي زعم أن النيابة العامة سقطت فيها عند متابعتها لتوفيق بوعشرين بصك اتهام خطير. ومن جملة ما أفضى به، أنها تعمدت تزوير محضر الاستنطاق عبر إدراج ” حالة التلبس” عوض ” البحث التمهيدي”، ليتسنى لها الإحالة المباشرة على غرفة الجنايات عوض مؤسسة قاضي التحقيق.
لقد اطّلع المعطي منجب، أو بالأحرى تم إطلاعه على المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية، لكنه لا يعرف بأن القانون فيه “إحالات تشريعية صريحة وأخرى ضمنية” يتعين الإلمام بها لفهم واستيعاب الإجراءات المسطرية. فالمادة 73 أعلاه تتحدث عن استنطاق المتهم في الجنايات المتلبس بها، وأنها تستعرض قرارات الوكيل العام للملك بشأن إجراء الفحص الطبي على المتهم، وإمكانية إخلاء سبيله مقابل كفالة مالية أو شخصية، مع إمكانية الإحالة بشكل مباشر على غرفة الجنايات إذا ظهر له أن القضية جاهزة للحكم، ما لم تكن الجريمة المرتكبة تدخل ضمن الجرائم التي يكون فيها التحقيق إلزاميا طبقا للمادة 83 من نفس القانون.
فهذا الاستثناء الأخير، يفرض علينا الرجوع إلى المادة 83 لمعرفة القضايا التي تكون فيها النيابة العامة ملزمة بالركون إلى التحقيق الإعدادي، والمرور حتما عبر مؤسسة قاضي التحقيق. وهذه القضايا هي الجنايات المعاقب عليها بالإعدام والسجن والمؤبد والسجن المحدد الذي تصل عقوبته القصوى إلى 30 سنة، والجنايات التي يرتكبها الأحداث والجنح بنص خاص، وهي جرائم لا توجد ضمنها تلك الأفعال المتابع من أجلها توفيق بوعشرين، مما يعني قانونا أن النيابة العامة كانت سليمة في قرارها ولم ترتكب أي خرق عندما أحالت المتهم مباشرة على غرفة الجنايات.
وفي نفس السياق، فإن المادة 419 من قانون المسطرة الجنائية التي تحدد طريقة إحالة القضية على غرفة الجنايات، تؤكد بأن الإحالة المباشرة تتم إما من طرف قاضي التحقيق، أو الوكيل العام للملك طبقا للمادتين 49 و73 من هذا القانون، أو من الغرفة الجنحية عند إلغاء قرار قاضي التحقيق بشأن عدم المتابعة. وما يعنينا هنا، هو الإحالة التي يباشرها الوكيل العام للملك طبقا للمادة 49، والتي هي بمثابة القاعدة العامة التي تعطي لممثل النيابة العامة بمحكمة الاستئناف إحالة ما يتوصل به من محاضر وشكايات ووشايات إما على قاضي التحقيق أو مباشرة على هيئات الحكم المختصة، بما فيها غرفة الجنايات، بيد أن المادة 73 تتحدث عن آليات الاستنطاق والإحالة المباشرة في الجنايات التلبسية. فأين هو الخرق المزعوم في مقالة المعطي منجب؟
وعلى صعيد آخر، اعتبر المعطي منجب قاضي التحقيق ومسطرة التحقيق الإعدادي ضمانة كبيرة للمتهم كانت ستخول لهذا الأخير “الدفاع عن نفسه، وإثبات الحقيقة بالوسائل القانونية التي تتيحها مسطرة التحقيق”، وأنها ستجنب” الإسراع بإدانته كما هو ممكن في الإحالة المباشرة”. وهنا لا بد من وقفة موضوعية مع السيد معطي منجب، لكي يعلم بأن النيابة العامة التي يرفع عنها الحيادية في هذا الملف، هي خصم شريف ينوب عن المجتمع، وتملك من الصلاحيات القانونية ما يؤهلها للطعن في جميع قرارات قاضي التحقيق متى ارتأت أنها مشوبة بخرق القانون.
كما أن غرفة الجنايات التي يدعي أنها ستُسرّع ب”الإدانة”، في استباق ملغوم للقرار الصادر عنها، إنما تتألف من رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف ومستشارين، وليس قاض واحد كما هو الشأن بالنسبة لقاضي التحقيق، وهذا يضفي ضمانة أكثر على حياديتها وتحرّيها الدقيق للحقيقة (المادة 417). كما أن القانون يجيز للمحكمة متى ارتأت أن القضية غير جاهزة للحكم أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي تعين له أحد أعضائها للقيام بمهام التحقيق وفقا لمقتضيات مسطرة التحقيق الإعدادي (المادة 362).
منجب… وإجراءات التفتيش
ادعى المعطي منجب أن إجراءات التفتيش والحجز في قضية بوعشرين اعترتها خروقات عديدة، زاعما أن “الحجز في البحث التمهيدي يلزم الضابطة القضائية بالحصول على موافقة مكتوبة وخطية وموقعة من طرف المشتبه فيه”! كما أنه لم يكن دقيقا (أي الحجز) عندما لم يحدد الرقم التسلسلي لجهاز DVR المحجوز مما يتيح إمكانية استبداله بجهاز مشابه شكلا ولونا!.
وتوضيحا لكاتب هذه العبارات، لا بد من توضيح معطى بديهي في القانون مفاده أن المشرع المغربي اشترط الموافقة المكتوبة في إجراءات تفتيش المنازل وليس في إجراءات الحجز كما ادعى ذلك عن غير علم المعطي منجب. كما أن القانون يتحدث عن صاحب المنزل المعني بالتفتيش وليس عن “المشتبه فيه” كما جاء في المقال المرجعي. أكثر من ذلك، فإن الموافقة المكتوبة تكون في حالات محددة عند إجراء التفتيش في منزل شخص له علاقة بارتكاب جرم ما. والمشرع تحدث هنا عن “المنازل” دون غيرها من المكاتب والمحلات، باستثناء مكاتب المحامين التي تخضع لمسطرة خاصة (الفقرة الرابعة من المادة 59)، والأماكن المعدة لاستعمال مهني يشغلها شخص ملزم بكتمان السر المهني والتي يتعين فيها على ضابط الشرطة القضائية أن يخبر النيابة العامة وأن يتخذ التدابير اللازمة لضمان السر المهني (الفقرة الثالثة من نفس المادة)، وكذا المحلات التي يمارس فيها نشاط ليلي اعتيادي والتي لا تخضع لتقييدات التوقيت القانوني عند إجراء التفتيش (الفقرة الأخيرة من المادة 62).
وهنا يطرح سؤال كبير وعريض، هل يمكن اعتبار مكتب توفيق بوعشرين منزلا مسكونا أو مأهولا أو معدا للسكنى مشمول بالمقتضيات القانونية للتفتيش؟ الجواب بالنفي من الناحية القانونية، حتى وإن كان يضع في هذا المكتب أريكة يجلس عليها رفقة ضحاياه، لأن العبرة في تحديد مفهوم المنزل هي الإقامة والنأي عن الناس إعمالا لمبدأ حرمة المنازل المقرر دستوريا.
وتعريف المنزل في القانون حدده الفصل 511 من القانون الجنائي الذي حصره في كل “مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى، ثابت أو متنقل، سواء كان مسكونا فعلا أو معدا للسكنى، وكذلك جميع ملحقاته كالساحات وحظائر الدواجن والخزين والاصطبل أو أية بناية داخلة في نطاقه مهما كان استعمالها، حتى ولو كان لها سياج خاص بها داخل السياج أو الحائط العام”. كما أن الاجتهاد القضائي والتشريعات المقارنة توسّعا في مفهوم المسكن واعتبراه “كل مكان يكون فيه الإنسان بمنأى عن أنظار الغير، سواء كان مسكنا قار أو مؤقتا، وسواء كان من يشغله مالكا أو مستأجرا”. فمحكمة النقض المصرية اعتبرت أن المقصود بلفظ المنزل هو “كل مكان يتخذه الشخص سكنا لنفسه على وجه التوقيت أو الدوام بحيث يكون حرما آمنا لا يبيح لغيره دخوله إلا بإذنه (نقض جلسة 1969/1/6 س20 ق1ص1).
تأسيسا على ما سبق، يظهر أن مكتب توفيق بوعشرين لا يعدّ منزلا بالمفهوم القانوني! لكن، هل يمكن اعتباره مشمولا بالمسطرة الخاصة التي منحها القانون لمكاتب المحامين؟ الجواب أيضا بالنفي لأن هذه المسطرة تهم فقط مكتب المحامي دون غيره. وهل يمكن اعتباره محلا يلزم صاحبه بكتمان السر المهني؟ مبدئيا الصحافي يبحث عن المعلومة ليكتب عليها سري للغاية، وتبقى السرية مضمونة فقط بالنسبة للمصادر التي لا يمكن الكشف عنها إلا بمقرر قضائي في القضايا التي تتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو الحياة الخاصة للأفراد ما لم تكن لها علاقة بالحياة العامة (المادة 5 من قانون الصحافة والنشر).
ومن هنا، فالتدقيق القانوني في هذه المقتضيات التشريعية المتناثرة في أكثر من نص قانوني، يجعل مزاعم “الخروقات” التي تحدث عنها المعطي منجب مجرد حشو لغوي يفتقد للتقعيد القانوني، ولا يصلح لأن يكون دفعا يرتب بطلان إجراءات التفتيش، وليس الحجز كما جاء في مقالته.
أما باقي كلامه عن الرقم التسلسلي لجهاز تخزين الصور، فهو كلام لا يحتاج إلى رد، لأنه مردود عليه من حجته الضعيفة. لأن مناط الإقناع هنا هو بأشرطة الفيديو التي يظهر فيها المتهم بوعشرين نفسه، وهي التي تم حجزها ولا حاجة لاستبدالها أو تغييرها بأخرى، ما دام أنها تتضمن في حد ذاتها، وفي آن واحد، “الجرائم المرتكبة والأدلة عليها”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.