في الصباح الباكر من يوم الاثنين الماضي، اعتقلت الشرطة السيدة عفاف برناني، وهي شابة في أوائل العشرينات، وتشتغل مستخدمة في جريدة «أخبار اليوم». مدير هذه الأخيرة متابع بتهم رسمية خطيرة منها «الاغتصاب والاتجار في البشر والاستغلال الجنسي». إن السيدة برناني هي المرأة الوحيدة من بين المجموعة الكبيرة ممن اُعتبرن رسميا «مشتكيات» أو «مصرحات» التي وصلت بها شجاعتها إلى أن تسجل دعوى بالزور ضد النيابة العامة، التي جعلت منها مشتكية ضد توفيق بوعشرين رغم أنها أكدت وتؤكد بنها لم تسجل أبدا أي شكاية ضد مدير «أخبار اليوم». في الصبيحة نفسها، انتشر بسرعة البرق خبر آخر يقول إن النيابة العامة أعلنت متابعة محمد زيان، وهو أشرس محاميي بوعشرين، وهو الذي سجل دعوى بالزور لصالح السيدة برناني، وكذلك لصالح الصحافي بوعشرين. لقد تسلم زيان، وهو يشغل كذلك منصب الأمين العام للحزب الليبرالي المغربي، استدعاء للمثول أمام محكمة الاستئناف يوم 23 مارس الجاري، من أجل متابعته بتهمة «التبليغ عن جريمة يعلم بعدم وقوعها». لا شك أن المبرر الرسمي لهذا الاستدعاء هو تصريحه بأن الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة حاول إقناع ناصر الزفزافي، زعيم حراك الريف، بالتآمر على النظام. إلا أن هذا التصريح كان قد قام به المحامي المذكور في شهر نونبر الماضي، كما أنه قد اُستمع إليه في حينه. لذلك، فإن بعض الملاحظين يعتقدون أن السبب الحقيقي لمتابعة زيان هو تسجيله دعوى بالزور لصالح زبونيْه برناني وبوعشرين. فالأخير يشتكي أن قضيته ابتدأت كبحث تمهيدي، كما هو واضح في البلاغات القضائية الرسمية، لتتحول في محضر الاستنطاق إلى «تلبس»، بعدما أدرج الوكيل العام للملك هذه الكلمة فيه. فالسيد بوعشرين ومحاميه زيان يعتبران هذا تزوير لأن الصحافي المتابع لم يعتقل أبدا في حالة تلبس. أُعطِيت إذن كل هذه الأهمية لتغيير كلمة بأخرى، لأنه حين نرجع إلى قانون المسطرة الجنائية، وخصوصا المادة 73، نرى أن الإحالة المباشرة لا يمكن أن تحصل إلا بشروط على رأسها التلبس بالجريمة. إذن، الإحالة المباشرة خرق قانوني تتحمل مسؤوليته النيابة العامة ضدا على حقوق المتابَع. والسؤال المنطقي الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا قررت السلطة القضائية الإحالة المباشرة رغم ما يجر عليها ذلك من انتقادات ومن اتهام بالتحيز من لدن الرأي العام، وما يؤدي إليه من شكوك في نوايا من قرروا اعتقال بوعشرين، ومتابعته بتهم خطيرة قد تصل عقوبتها إلى حوالي عشرين سنة؟ الجواب بسيط وهو أن الإحالة المباشرة تهدف إلى تفادي المرور عبر مسطرة التحقيق تحت سلطة قاضي التحقيق، وهو ما سيتيح للمتابَع الدفاع عن نفسه، وإثبات الحقيقة بالوسائل القانونية التي تتيحها هذه المسطرة، حتى لا يتم الإسراع بإدانته، كما هو ممكن في حالة الإحالة المباشرة. هناك خرق آخر مرتبط بالسابق: التفتيش والحجز الذي تم في مقر إدارة «أخبار اليوم» لم يحترم مساطر القانون. فالحجز الذي يتم في إطار بحث تمهيدي يُلزم الضابطة القضائية بالحصول على موافقة مكتوبة وخطية وموقعة من طرف المشتبه به. طبعا هذا لم يحصل. كما أن حجز الآلة المسجلة (الديفيير DVR) لم يحترم القانون ودقته، حيث لم يشَر في المحضر إلى رقمها التسلسلي، ما يتيح لأي كان أن يغيرها بأخرى تشبهها شكلا ولونا. كما أن محتواها السمعي-البصري المفترض لم يدقق فيه؛ فكأنك حجزت عربة سوداء ولم تشر إلى رقمها الإداري ولا إلى رقم هيكلها أو محركها. ثم يوما أو يومين بعد ذلك قلت أنك وجدت في محفظتها مخدرات أو أيا من الممنوعات، بل إن الشخص المشتبه به أكد لك لحظة الحجز أنه لا يملك قط هذه السيارة إذ لم يركبها أو يرها أبدا. فالسيد توفيق بوعشرين أكد أن الديفيير ليس في ملكه ولم يسبق له استعماله، كما أمر بالمناداة على تقني الجريدة الذي أكد الشيء نفسه. وهناك أمور أخرى تشير إلى أن متابعة الصحافي بوعشرين لها دوافع سياسية أكيدة؛ فحسب شهادة العاملين بالجريدة، حضر إلى مقر الجريدة وما يحيط بها العشرات من عناصر الشرطة. بل إن ما يقرب من العشرين منهم شاركوا في التفتيش داخل مقرها. كما تمت قراءة بلاغات الوكيل العام عدة مرات في القنوات الرسمية أياما متتالية، وبعضها تحدث عن الجاني والضحايا، مع ذكر اسم الأول أي الصحافي المعتقل، رغم أن القانون يمنع التشهير بالأشخاص المعتقلين وذكر أسمائهم قبل أن تتم إدانتهم. رواد الفضاء الأزرق تساءلوا: لماذا توبعت السيدة برناني ولم يتابع الصحافي بوعشرين رغم أن كليهما اشتكى التزوير، بل إن التزوير الذي يقول به الأخير أخطر من ذلك الذي تشتكيه المستخدمة؟ يظهر أن الحكمة في متابعة السيدة هي ترهيب المشتكيات حتى لا تتراجع إحداهن عن صفتها الرسمية كمشتكية. مؤشرات عديدة وأخرى غيرها تؤكد إذن الطابع السياسي لهذه القضية، ومنها الحملة العاتية التي تشنها الصحف والمواقع القريبة من السلطة على الصحافي بوعشرين، مع التذكير بادعاءات خدمته إعلاميا عبد الله بنكيران الممنوع من الإعلام الرسمي منذ حوالي سنة.