هناك مجموعة من القوانين الأوروبية والدولية التي أنصفت المثليين والمتحولين جنسيا، غير أن الأمر ظل حبيس هذا الصدد، ولم يتمكن من خلق نوع من القبول والتعايش الاجتماعي في إطار هذا الاختلاف، الذي يعتبره أفراد المجتمعات المحافظة بما فيها المغرب جريمة نكراء. “المغرب مجتمع يرفض التعايش مع الأقليات…” كريم الشاب المغربي الذي رفض التصريح بلقبه العائلي اتقاء لشر التبعات، قام بجميع المحاولات الممكنة للعيش بسلام في المغرب في ظل اعترافه بمثليته الجنسية، إلا أنه يقول في تصريح لجريدة “برلمان كوم” أنه وجد الأمر أشبه بالمستحيل، ليقرر حينها الهجرة إلى بريطانيا وهو يحاول الحصول على وضعية قانونية تضمن له العيش بسلام كلاجئ. أطلعنا كريم أنه شخص مثلي، الأمر الذي لم يكن اختيارا منه، بل هو قضاء حتمته عليه الأقدار حسب قوله، ومن ثم كشف من خلال ذكر مجموعة من التفاصيل التي لا يتسع المجال لإيرادها كاملة، أن إعلانه عن مثليته بالمغرب كان السبب المباشر في تعرضه للاعتداء لمرات عديدة. وهو الأمر الذي اضطره من أجل تغيير مكان إقامته اضطرارا وليس اختيارا اتقاء لشر الاعتداءات. عبد الرحيم مثلي ومصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، يرى أن ترحيله إلى المغرب قد ينتهي به في السجن وقد يواجه عقوبة تصل إلى ثلاث سنوات. وكان الشاب البالغ من العمر 25 عاما، أحد المؤسسين لجمعية أقليات التي منعت السلطات المغربية تشكيلها عام 2016. “تعرضت للكثير من المضايقات في المغرب، سواء من جانب المواطنين أو السلطات. بعد الإعلان عن الرغبة في تأسيس الجمعية واجهتنا الكثير من المضايقات وكان ذلك سببا في اتخاذ قرار مغادرة المغرب”، يوضح عبد الرحيم. محمد عبد الوهاب رفيقي: “هناك تعميم غير دقيق لموضوع المثلية الجنسية” محمد عبد الوهاب رفيقي، باحث في الدراسات الإسلامية في المغرب، يقول “إن موضوع المثلية الجنسية معقد حتى في تعريفه، وهناك تعميم غير دقيق في إطلاق هذا المصطلح، لأنه يشمل عدة أنواع وان كان الغالب ميول الشخص لنفس جنسه، وبعض الأشخاص لديهم إشكال خلقي، وفي المقابل هناك من ليس لديهم أي تشوه خلقي لكن يستحبون ويبيحون لأنفسهم الميول تجاه نفس الجنس سواء ارتبط الأمر بالرجال أو النساء، وتظل العومل التي تتحكم في هذه التوجهات مختلفة ومتعددة. علي الشعباني: “المثلية الجنسية” تعبير ملطف لما يعرف باللواط أو السحاق”و “والمثليون لا يعتبرون أقلية، بل هم فئات تمارس الشذوذ الجنسي، وشرائح واسعة من المغاربة يعتبرونهم مرضى” من جهته يقول علي الشعباني الباحث في علم الاجتماع، إن “المثلية الجنسية” تعبير ملطف لما يعرف باللواط أو السحاق، وهما تلك العلاقة الجنسية التي تتم بين الذكر والذكر الآخر، أو بين الأنثى والأنثى الأخرى”. مشيرا إلى أن هذه الممارسات كما هو معروف عبر التاريخ الطويل للبشرية، ممارسات تخالف الطبيعة والفطرة، واعتبرتها كل الديانات السماوية والأعراف الاجتماعية في كثير من المجتمعات قديما وحديثا، ممارسات شاذة وعلاقات منحرفة. يربط علي الشعباني التطور الذي عرفه النقاش حول موضوع المثلية الجنسية والتحول الجنسي بالدول المتقدمة وليس المغرب، كون الأمر أمر يهم هذه الدول وهي حرة فيما تقرره وما تسنه من قوانين وما تعترف به من سلوكيات وممارسات حسب تعبيره، أما فيما يتعلق بالمجتمع المغربي، فالمغرب، كما هو معلوم، لم يتراجع عن شيء في هذا الشأن، فهذه الممارسات كانت دائما ولازالت منبوذة اجتماعيا وممنوعة قانونيا ومحرمة دينيا. معتبرا أن الدولة المغربية لا تقوم إلا بما يفرضه عليها واجبها في حماية مواطنيها والعمل على استتباب الأمن بينهم، ولا تترك فرصة لمن يريد أن يخالف قوانينها وأعرافها وثقافة وقيم مجتمعها. والذي يحرض على تطبيق القانون لا يكون هدفه فرض الوصاية على المواطنين. والمثليون أو الأشخاص الذين أقدموا على تغيير جنسهم، أو على الأقل بعض المثليين ومن وراءهم يسعون إلى اختراق قوانين هذا البلد. ومن يريد التطاول على قوانين البلاد من المحتمل أن يتعرض لمضايقات، بل إلى الاعتقال إن اقتضى الحال. من جهة ثانية، أشار الباحث الاجتماعي إلى أن التحول الجنسي والمثلية الجنسية: “لا يمكن اعتبارهما حقوقا طبيعية، بل مكتسبة، قد يكتسب هذا “الحق” في مجتمعات تحولت نظرتها وتبدلت مواقفها من هذه الممارسات، ولم يعد فيها التزام بعدد من المبادئ والقيم المرتبطة بهذه الممارسات، كما هو الأمر في عدد من الدول الغربية. فالأفراد في هذه المجتمعات لم تعد تعنيهم كثيرا تلك الحياة الاجتماعية في ظل الأسرة والمحيط الاجتماعي الضيق، بل إن استقلال هؤلاء الأفراد عن هذا الوسط يأتي مبكرا، وكل فرد يعيش لنفسه ويكون نمط حياته الخاص بقناعات فكرية أكثر خصوصية”. محمد آلمو: القانون الجنائي بصيغته الحالية لا يعاقب على حمل الهوية الجنسية المثلية وإنما يعاقب على الممارسة محمد آلمو محامي بهيئة الدارالبيضاء يناقش الموضوع من زاويته القانونية، من خلال التأكيد على أن القانون الجنائي المغربي يجرم كل فعل شاذ جمع بين شخصين من نفس الجنس، خصوصا أن المشرع تحدث عن المثلية الجنسية كشذوذ جنسي، رغم أن منظمات حقوق الإنسان والصحة العالمية تجاوزت مفهوم الشذوذ في السبعينات من القرن الماضي وعوضته بالمثلية الجنسية. وبما أن المغرب من الدول الرائدة في تحقيق وتكريس كلي لحقوق الإنسان، فإن هذا النص القانوني يسقط إذا كان الغرض من القوانين المغربية هو الوصول إلى المحاكمة العادلة، أي المحاكمة التي تتخذ المواثيق الدولية أهم مرجع لها. عبد الكريم القمش: المثلية الجنسية جزء من “الحياة” و”الوجود” من جانبه عبد الكريم القمش، الفاعل الحقوقي والمدافع عن الأقليات في المجتمع المغربي، يعتبر أن المثلية الجنسية هي الانجذاب على المستوى “الجنسي” و”العاطفي” إلى إنسان من نفس الجنس.. قد تكون من حيث النسبة استثناء للتوجه الجنسي العام لبني البشر، وقد تكون موضوع استهجان أخلاقي ولكنها جزء من “الحياة” و”الوجود”.. يمكن بهذا الصدد الرجوع إلى الإحصاءات المتوفرة عن “المثلية” بين الحيوانات وما إذا كانت المثلية وفق هذه المقاربة “شذوذا” أم مجرد تمظهر آخر لبيولوجيا “الكائنات الحية”. يقول إن “المسألة في حاجة إلى دراسة سوسيولوجية عميقة ولو أن العناوين الكبرى لقراءة الظاهرة تظل جلية بشكل من الأشكال”… فالمثليون جزء من المجتمع نراهم كل يوم ويعيشون بيننا في أحيائنا وداخل أسرنا ولكنا نتعامل معهم بتسامح معين، بالنهاية نفس التسامح يختفي حين يحاول أحد المثليين الخروج عن دائرة “الله يعفو” إلى دائرة “أريد حقوقي الإنسانية” سواء كان ذلك رأيا معبرا عنه أو مظهرا ولباسا يتخذه المثلي لكي يعلن عن وجوده في المجتمع. ويختم بالقول إن “الحياة لن تتوقف.. النسل سيتواصل، ومن حق الآخر أن يعيش على منواله ووفق ما يرضيه أما المعايير الأخلاقية فتتوقف عند “الإضرار بحقوق الآخرين”.. وهنا ينتهي الكلام. المجتمع ليس معطى ثابتا.. إنه “كينونة” تتطور”.