نظم مجلس جهة الشرق، أمس الخميس فاتح مارس 2018، ندوة وطنية حول موضوع “الجهوية المتقدمة ورهانات التنمية المندمجة والمستدامة”، بحضور عدة شخصيات أسهمت في إغناء هذا اللقاء بعروض ومداخلات حول الموضوع، تجسيدا للتوجهات الملكية السامية الكبرى لجلالة الملك محمد السادس، والمتعلقة بضرورة التشبع بقيم التضامن والعدالة الاجتماعية، وكذا انفتاح مجلس الجهة على باقي المؤسسات والهيئات المنتخبة والمصالح اللاممركزة وفعاليات المجتمع المدني والهيئات السياسية والنقابية. وقال عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية إن “هذه الندوة الوطنية تشكل تفاعلا مع مضامين الخطب الملكية السامية وتماشيا مع أهداف الرسائل المولوية الموجهة للمشاركين في مختلف المنتديات والملتقيات المؤسساتية، حيث ترسم هذه الوثائق المرجعية والأسس والمعالم الكبرى لبناء التنمية المندمجة والمستدامة والتي تعد طموحا مجتمعيا يُعتمد في تحقيقه على التراكم الإيجابي والتقييم والتقويم المستمر”. وأشار رئيس الجهة، إلى أن “انخراط مجلس جهة الشرق في تنظيمه لهذه الندوة الوطنية باعتبارها تفتح نقاشا تشاركيا بخصوص القضايا ذات الصلة بموضوع الجهوية المتقدمة، يترجم وعي المجلس بأهمية هذا الموضوع الذي يكتسي طابع الراهنية على مستوى التوجه الاستراتيجي للمملكة، ويعد أيضا مدخلا أساسيا لمعالجة مسألة التنمية، نظرا لتعدد الاختلالات المجالية التي تستلزم وضع رؤية متكاملة للمساهمة في تجاوز المشاكل الكبرى للتنمية المندمجة والمستدامة، فالتحديات كثيرة والإشكالات متشابكة تتطلب عملية التعاطي معها نهج مقاربة متجددة مبنية على ابتكار الحلول القابلة للتطبيق، كجواب على مجمل الإكراهات الحقيقية التي يعاني منها المواطنات والموطنين”، مؤكدا على أهمية مساهمة وانخراط الجميع في إعداد نموذج تنموي جديد قادر على تقديم الحلول للإكراهات المطروحة، ويستجيب للمتطلبات المتزايدة للتنمية المندمجة والمستدامة، وهي فرصة ثمينة لتعميق البحث وتبادل الآراء حول أفضل المقاربات الواجب اعتمادها في هذا السياق، والتي تأخذ بعين الاعتبار مختلف التحولات والنقلة النوعية التي تشهدها جهات المملكة”. وشدد بعوي، على أن تفعيل الجهوية المتقدمة يتطلب إخراج ميثاق اللاتمركز إلى حيز الوجود والذي سيحقق لا محالة التناغم المنشود بين المؤسسات الجهوية والإدارات المركزية وتحدد من خلاله حدود الالتزامات والمسؤوليات، مؤكدا على أن الجهوية المتقدمة تشكلرافعة لتكريس التنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبئيا، وتعتبر مدخلا للقيام بالاصلاح العميق لهياكل الدولة من خلال السير على درب اللامركزية والحكامة المسؤولة والديمقراطية التشاركية، وكذا مد هذه الوحدات الترابية بكل الامكانيات المالية والبشرية اللازمتين قصد ربح رهان التنمية وقطع اشواط مهمة على مستوى مختلف الابعاد والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، فضلا عن أهمية التركيز على دعم أسس علاقات التعاون الدولي اللامركزي وجعل آلياتها وسيلة لتحقيق اشعاع المملكة وتسويق صورتها الحضارية. والي جهة الشرق عامل عمالة وجدة أنجاد معاذ الجامعي ، بدوره وفي كلمة له أوضح أن “دستور المملكة لسنة 2011، خص الجهات بمكانة متميزة، سواء بين باقي المؤسسات الدستورية الأخرى أو بين باقي الجماعات الترابية، بحيث جعلها محور التنمية المجالية وأساس التنظيم الترابي للمملكة من خلال تبني خيار الجهوية المتقدمة كنمط وأسلوب للديموقراطية المحلية، يرتكز على ثلاث مبادئ أساسية، ألا وهي مبدأ المشاركة، ومبدأ التفريع، ومبدأ التدبير الحر"، مشيرا الى ان "فلسفة الجهوية المتقدمة والأهداف التي تصبو إلى تحقيقها قد جعل من الجهة المؤسسة الدستورية والجماعة الترابية الأولى التي تأتي في مرتبة مباشرة بعد الدولة، وهو ما يؤكد الأهمية المركزية للجهات على الصعيدين الوطني والمجالي ويعزز التوجه نحو المغرب الموحد للجهات كخيار استراتيجي”. وأبرز الوالي أن “الدستور الجديد للمملكة الذي أسس للجهوية المتقدمة، واكب تغييرات جذرية همت الشأن الترابي والجهوي، من خلال تبني هندسة ترابية جديدة تقوم على احتلال الجهة موقعا أساسيا في البناء المؤسساتي للدولة، وإصدار نصوص تعزز من مكانتها كرافعة أولى للتنمية المجالية، تتعلق أساسا بدعم المقاولات وجذب الاستثمار وإنعاش الاقتصاد الاجتماعي وحماية البيئة وتهيئة التراب، كما أضحت الجهة ذات سلطات تقريرية كاملة، بشكل يجعلها تضطلع بأدوار كبرى في تحقيق التنمية المجالية”، مشيرا إلى انه “إذا كانت تجربة الجهوية المتقدمة لا زالت فتية وفي بداياتها الأولى، فإنها تعتبر واعدة وتجسد الانتقال إلى الديمقراطية ذات البعد التنموي، وقد لا أبالغ اليوم إذا قلت بأن جهة الشرق عرفت نهضة تنموية منذ الخطاب الملكي السامي ل 18 مارس 2003، والذي سنحتفل بعد أيام بذكراه الخامسة عشر، والذي أسس لمبادرة ملكية لتنمية جهة الشرق مكنت من إرساء دعائم تنمية شاملة ومندمجة ومستدامة مزجت بين ما هو اقتصادي واجتماعي وفلاحي وبيئي وثقافي ورياضي وبنيات تحتية وخدمات للقرب ومشاريع همت مجالات مختلفة”. وأضاف الجامعي معتبرا إنه “إذا كان حظ جهة الشرق أن تكون الجهة الأولى التي تحظى بمشاريع كبرى مهيكلة جسدتها المبادرة الملكية، فإن تنزيل الجهوية المتقدمة بعد شتنبر 2015 قد أعطى دفعة قوية للتنمية بالجهة مكنت من تدارك عدة نواقص في المجالات الحيوية كالماء والكهرباء والطرق، كما أرست ركائز التنمية من خلال اعتماد البرنامج الجهوي لتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وتحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل، والتنمية القروية وتطوير المناطق الحدودية كخيارات استراتيجية للنهوض بجهة الشرق”، مطالبا من الجميع العمل على إنجاح هذا الورش الملكي الهام والاختيار الدستوري للتنزيل الجيد للجهوية المتقدمة وربح رهان التنمية وتجاوز الإكراهات الموضوعية التي لا زالت تعاني منها جهة الشرق والمتمثلة على وجه الخصوص في الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وارتفاع معدلات الفقر والهشاشة والبطالة، وضعف الاستثمار العمومي بالجهة، وغياب الشركات الاستثمارية الكبرى وضعف مبادرات المستثمرين الخواص. رئيس جامعة محمد الأول محمد بنقدور وفي كلمته أوضح أن “الجهوية المتقدمة هي قبل كل شيء شكل من أشكال المصالحة مع المجال، وإقامة نوع من التوازن بين مختلف جهات المملكة، على اعتبار أنها تشكل إمكانات كبرى لتعميم التنمية والتوزيع العادل للثروة في إطار التضامن بين الجهات"، مشيرا الى أن توسيع اختصاصات الجهة وتوفير الوسائل القانونية والاعتمادات المالية و الموارد البشرية لها، سيمكنها لا محالة من التدخل في جميع الميادين التي ترتبط بصفة مباشرة أو غير مباشرة بجميع المجالات التي لها علاقة بالتنمية، سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الأمر الذي سيمكنها من أن تلعب ادوار طلائعية في التنمية المجالية المستدامة، و خلق كل الشروط الملائمة و الكفيلة بالنهوض بالجهة للمستوى الذي يتطلع إليه سكانها”. وأبرز رئيس الجامعة أنه “في إطار الشراكة والتعاقد إلى خلق وتمتين علاقة الجامعة بمحيطها الذي لا يمكن أن ينجح إلا باستغلال الإمكانات العلمية والاقتصادية المحلية. كما أننا نعمل بشراكة مع مجلس الجهة على توسيع النسيج الجامعي وتفعيل دور الجامعة حتى تتمكن من تفعيل اختصاصاتها وأدوارها الطلائعية كتأهيل المقاولة والدفع بالإقلاع الاقتصادي المحلي والجهوي نحو المزيد من المساهمة في التنمية البشرية والاجتماعية الشاملة”، مؤكدا أن “الجامعة يمكن أن تكون قاطرة للتنمية الجهوية بمختلف مجالاتها، كما يمكن لها أن تواكب و تصاحب الجهة في التحولات الاجتماعية والاقتصادية و تلعب دورا في تحليل ودراسة أثر السياسات العمومية على الجهة. كما يمكن لها من خلال شبكتها المتعددة من التخصصات، ومن الكليات، والمدارس ومراكز التكوين والبحث، تعزيز انفتاحها وتقوية علاقات الشراكة، ولاسيما مع المنظمات والجامعات الدولية وبالتالي جلب الاستثمارات من أجل التنمية الشاملة”. محمد عبد الرحمان برادة، الاعلامي ومدير نشر موسوعة دفاتر الجهوية التي قدمت خلال الندوة المذكورة، في مداخلة له على إثر مشاركته بهذه الندوة الوطنية أوضح قائلا : “لم يكن بإمكان اي شخص مكاني قضى ازيد من اربعة عقود من عمره في خدمة الاعلام والصحافة والنشر ان يبقى بعيدا عن المشروع الجديد للحكامة الترابية المتمثل في الجهوية المتقدمة"، مضيفا "وبالتالي كانت الاستجابة لمناداة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للاسهام في البلورة الاعلامية لبعض جوانب هذه الحكامة الجديدة”. واشار محمد عبد الرحمان برادة، الى ان “فكرة الانخراط في المجهود الاعلامي جاءت بإصدار بعض المنشورات تتمحور كلها حول الجهوية للتعريف بها وكيف تم التوصل الى النموذج المغربي منها، الى غير ذلك من المفاهيم التي يجب ان تكون متوفرة لدى المواطن اي كان مستواه بصفة عامة (ثقافيا، اجتماعيا، اقتصاديا …). وأضاف برادة، “حين حظيت بشرف المثول بين يديه الكريمتين خلال اهدائي لجلالته نسخة من هذا الاصدار في غشت الماضي، امرني بان اعمل على تحقيق اوسع انتشار لهذه الكتب لتعميم فائدتها ولتكون من الحوافز التي تعطي للديمقراطية التشاركية مدلولها ولتكون هذه المقاربة الاعلامية والتربوية من الروافد المساعدة على فهم النموذج الجديد للحكامة المجالية لبلادنا”.