أثار سؤال كان قد طرح على طلبة كلية الحقوق بسطات في مادة الأنظمة الدستورية منذ يوليوز الماضي جدلا واسعا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، إذ توزعت الآراء بين من اعتبره فضيحة مدوية، وبين من اعتبر أن الأستاذ المعني أقحم الله في الشأن السياسي، مما أثار غضب الأساتذة وسخط وسخرية الطلبة بذات الكلية ومن ذهب إلى أكثر من ذلك، حين عمد البعض إلى اعتبار الجامعة بأنها تحولت إلى صناعة الجهل وتعميمه دون القدرة على تحليل معطيات السؤال بشكل علمي رصين، مما يشكل إعداما للرأي الأكاديمي بدون محاكمة مع تأثيث المشهد كله بنظرية المؤامرة والتخوين والتهويل وخطورة الواقعة إلى غير ذلك من النعوت والأوصاف. وفي هذا الصدد، أفاد محمد خمريش أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق بسطات، على متن توضيحات قدمها ل”برلمان.كوم“، حيث أكد أنه صاغ السؤال على الشكل التالي: “يوجد في قمة الهرم السياسي المغربي الله عز وجل ويتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم في المقام الثالث سبط الرسول الذي يسوس الأمة ويراقب ممثليها، وإذا كان الله أحد لا شريك له وتتجلى وحدانيته في إيمان ووعي كل مؤمن، فإن حضور الرسول عليه السلام، يتم عن طريق خليفته في الأرض جامع السلطات …”**محمد الطوزي “الملكية والإسلام السياسي في المغرب نشر الفنك، الدارالبيضاء، 2001، ص 91.*أوردها الأستاذ حسن طارق، في مؤلفه “الدستور والديمقراطية قراءة في التوثرات المهيكلة لوثيقة 2011،دار النشر طوبريس الرباط، الطبعة الأولى، 213، ص 8. وعلى ضوء هذه المقولة، حلل الصلاحيات السياسة والروحية للملك وفقا لمقتضيات دستور 2011؟ وكشف محمد خمريش، أن السؤال طرح على طلبة كلية الحقوق بسطات في امتحان الدورة الاستدراكية خلال شهر يوليوز المنصرم التي مرت في أجواء عادية ولم تثر أية ملاحظات تذكر، كما أن الإجابات كانت موفقة بشكل كبير. متسائلا “لماذا طرح الأمر في هذه الظرفية بالذات وبعد مرور مدة زمنية ليست بالقصيرة، علما أن الأستاذ يتمتع بصلاحيات واسعة في انتقاء أسئلة الامتحان انطلاقا من سلطته التقديرية ووفقا للمقررات التي تم تدريسها للطلبة مع ضرورة اعتماد مراجع أخرى ذات الصلة بالتخصص”. وبخصوص الإلتباسات المهيكلة للسؤال الإشكال، يقول محمد خمريش لبرلمان.كوم، إن طبيعة الإشكال تتوخى بالأساس التفريق بين الملك بصفته أميرا للمؤمنين وبصفته رئيسا للدولة، إذ أن هذا التمييز ليس اعتباطيا وإنما قصديا استهدفه المشرع الدستوري لترتيب مجموعة من الآثار القانونية والدستورية، مضيفا بالقول: “نسوق منها الأسانيد التالية على سبيل المثال لا الحصر: في السابق وقبل إحداث المحاكم الإدارية كان القضاء يرفض النظر في الطعون المرفوعة ضد القرارات الملكية بما في ذلك الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، بدعوى أن الملك مؤسسة فوق المؤسسات، واستنادا إلى نظرية الإمامة فالقاضي إمام، والملك بصفته أميرا للمؤمنين فهو القاضي الأول الذي لا يمكن التعرض ضد قراراته إلا على سبيل الاستعطاف والالتماس، لأنه لا يجوز لقاضي من الدرجة الدنيا أن يراقب قرارات صادرة عن قاض من الدرجة العليا مقرة بذلك أن الملك لا يعتبر سلطة إدارية، وقراراته لا تقبل أي طعن أو تجريح”. وأورد الأستاذ بكلية الحقوق بسطات، أنه بمقتضى الوثيقة الدستورية ل2011 التي جاءت بمجموعة من المستجدات وبالقراءة الاستنباطية والاستخراجية والتأويلية لتنصيصاتها يمكن إعمال المساءلة القضائية ضد القرارات الصادرة عن الملك خاصة إذا كانت مشوبة بالشطط أو التعسف أو التجاوز أو الانحراف في استعمال السلطة، ترتيبا على الحيثيات التالية: تفكيك الفصل 19 الذي كان دستورا مصغرا في حد ذاته، والذي بمقتضاه كان يعطي للملك صلاحيات مطلقة سواء على مستوى السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية. إلغاء صفة القداسة عن الملك، إذ لم يعد شخصا مقدسا، وإنما يضمن له الدستور التوقير والاحترام، وبمفهوم التبعية وعلاقة التابع بالمتبوع، فإن الظهائر والقرارات الملكية لم تعد تتمتع بحصانة مطلقة أصلا وفرعا. وشدد في معرض التوضيحات التي قدمها لموقع برلمان.كوم، على أن “المشرع الدستوري منزه عن العبث ولا ينطق عن الهوى، فحينما فرق بين الملك بصفته أميرا للمؤمنين والملك بصفته رئيسا للدولة يكون قد أضفى عليه صفة السلطة الإدارية وعلى قراراته صبغة القرار الإداري. قياسا على أن رئيس الحكومة يرأس الإدارة المغربية ويعتبر مرؤوسا لدى رئيس الدولة”. و من هذا المنطلق، يورد محمد الخمريشي فإن “تعيين القضاة وترقيتهم وتأديبهم وانتقالهم يعود فيها الاختصاص والولاية العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يرأسه الملك، فتعيين القاضي أو عزله أو تأديبه يعتبر قرارا إداريا وإن تم إلباسه لبوس الظهير، وإذا كان العزل أو التأديب غير مشروع فإنه يمس بأحد المراكز القانونية الفردية مما يستوجب إعمال المساءلة القضائية بشأنه تحت طائلة دعوى الإلغاء، ولا يمكن أن يؤول هذا الاختصاص لوزير العدل سابقا أو لاحقا باعتباره سيشكل اعتداءا ماديا على مبدأ توازي الشكليات وفق منطوقه القاضي بأن الجهة التي تسمي هي الجهة التي تعزل”. واعتبر أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق بسطات أن “المشروعية يقتضي بأن جميع القرارات الصادرة عن مختلف السلط إذا كانت غير مشروعة يمكن أن تتعرض للمخاصمة القضائية على اعتبار أن القاضي الإداري هو اللسان الناطق بالقانون إنشائي مبدع توسعي، خلاق للقاعدة القانونية ويسد الفراغات التي يتركها المشرع ما عدا أعمال السيادة التي تمتع بحصانة مطلقة كإعلان حالة الحصار أو الحرب… وعند ترأسه لأحد الدورات القضائية أقر الراحل الحسن الثاني بأنه صدرت ضده أربعة أحكام قضائية ونفذت ولا زال الكل بخير”. لكن الإشكال الذي يبقى قائما ومطروحا بقوة وتختلف بشأنه العديد من الأطروحات والكتابات، يورد ذات المتحدث، “أيهما أسمى البيعة أم الوثيقة الدستورية؟ باستحضار ايهما أولى بالتطبيق قوة المستند أم علو المصدر؟”. وأضاف أنه “ترتيبا على ذلك، فالمقولة السالفة الذكر المستعارة من مؤلف الأستاذ محمد الطوزي، كان الهدف من توظيفها بيداغوجيا إكساب الطالب مهارة التحليل والقدرة على التشابك مع الإشكاليات المطروحة وتفكيكها بشكل ممنهج”. وأشار الأستاذ في كلية الحقوق بسطات إلى أن “الكفاءة العلمية والتمكن المعرفي فأمره متروك للطلبة، فإما أنهم يتلقون تكوينا علميا متينا على يد الأستاذ المستهدف غصبا يؤهلهم لاجتياز مباريات الوظيفة العمومية وأسلاك الماستر والدكتوراه بنجاح باعتماد لغة الأرقام، وإما يعلنوا صراحة وبدون مجاملة أن تحصيلهم المعرفي وما يتلقونه مهلهلا مهزوزا وضعيفا، فالأمر يهم بالدرجة الأولى الجهة المتلقية التي هي الأقرب إلى قياس نجاعة وفعالية ودرجة التحصيل المعرفي بشكل موضوعي أكثر من أي جهة أخرى، التي يمكن أن تبقى أحكامها جاهزة نمطية تعتمد الإدانة هي الأصل بعيدا عن قرينة البراءة كضمانة مركزية للمحاكمة العلمية العادلة”. وبخصوص التصريحات التي رافقت الجدل الذي عرفته مواقع التواصل الاجتماعي، أفاد محمد خمريش أن “العالم والفقيه يفرض علمه على الآخرين، مثلا الأستاذ عبد اللطيف أكنوش لا يمكن الرد عليه لأنني من طلابه ومن علمك حرفا صرت له عبدا، عملا بنصيحة زملاء مشتركين لهم وزن بيننا لاكتسابهم تاريخا أكاديميا مشرفا خارج لغة التصابي، واقترحوا تنظيم حلقة للنقاش في بداية السنة الجامعية حول الإشكالية التي طرحت. أما بخصوص بنحمزة فالواجب العلمي يفرض الرد عليه باعتبار أنه ليست له كتابات تبرز مستواه العلمي، شريطة فهمه وإجابته عن السؤال ومدى القدرة على تفكيك سياقاته، دلالته، مآلاته ومضامينه كباقي الطلبة الذين توفقوا في ذلك إلى حد كبير لقياس تمكنه ومعرفته، خاصة وأنه أصدر حكما مبرما قطعيا حائزا لقوة الشيء المقضي به لا معقب عليه، منطوقه أن الجامعة بمثل هذه الأسئلة تنشر الجهل وتعممه دون القدرة على تحليل السؤال وتسبيب أطروحته، لذا كان حكمه مشوب بنقصان التعليل المنزل منزلة انعدامه،أو بالأحرى تعليلا معدوما فاسدا يتعين رده”. وذكر الأستاذ بكلية الحقوق سطات، أن “فيصل القاسم مهندس القلاقل الاجتماعية والتوثرات السياسية في البلدان العربية والذي يكن حقدا دفينا للمغرب والمغاربة عموما، بتغريدة مهزوزة مضطربة تفيد أنه لا يفرق بين الجماع والاجتماع وإجماع الأمة، لذا أطلب منه التفضل باستضافتي في برنامجه المعكوس لمقارعة كل الإشكالات بالأدلة العلمية والحجج الدامغة إن تجرأ على ذلك،خاصة وأنه يتطاول على القضايا الكبرى للوطن بشكل غير مهني سافر ومتحيز”. واعتبر محمد خمريش، في توضيحات التي قدمها لموقع برلمان.كوم، أن “الذين يتصيدون الفرص بتهويل القضية، فالنقاش الأكاديمي يسمو عليهم، لم يسألوا حتى عن هوية الباحث المعني ولا مصدر المقولة المستعارة،ولا عن مؤلفاته ليستوعبوا على الأقل عناوينها، وأقول لمن اختار هذا التوقيت بالذات، اسمعي يا جارة وجهي كشفته دوما فأين أنت؟ والأيام بيننا”.