نشرت مجموعة من المنابر الإعلامية، خبرا يتضمن رواية لإحدى اللقاءات التي كان قد حضرها الأمين العام الحالي لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري، عام 2015، إلى جانب عدد من الفاعلين في المجال السياسي المغربي كأحمد عصيد، جواد بنعيسي، فوزية العسالي ووداد ملحاف، رفقة عدد من الأطر الشابة كان يعول على استقطابهم حينها للبام، وهو اللقاء الذي شهد “تفوّه” العماري بكلام ثقيل اتجاه المؤسسة الملكية والعائلة الملكية، دون اعتبار للعواقب. وبحسب ذات المنابر التي سردت القصة على شاكلة “وشاية نوستالجية” نقلا عن مصادرها، فإن إلياس العماري وأثناء لحظة انفعال من حديثه قال بالحرف أمام الجميع “لا يجب المراهنة على الملكية في محاربة الإسلام السياسي في المغرب.. الملكية لا تراعي إلا مصالحها الخاصة.. وإذا اكتسح الإسلاميون الانتخابات المقبلة فليس مستبعدا أن يفرض الملك محمد السادس ارتداء الحجاب على زوجته لالة سلمى”. الكلام المنقول عن إلياس من طرف تلك المنابر، ورغم أنه يبدو ناقصا غير كامل، إلا أنه يدق ناقوس الخطر إذا ما كان قد صدر فعلا عن إلياس الذي كان حينها نائبا للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، والمتحكم الحقيقي في شرايين الحزب ، كما يطرح عدة تساؤلات حول الأهداف الخفية للرجل المتحكم اليوم في حزب الجرار، والذي جرّ ويجُرّ جهة الريف منذ فترة نحو المجهول، بلباس قَبَلي أحيانا لا يغادر توظيف واستعمال الملك بطرق وأساليب مختلفة. فأن يقول إلياس في كلامه المنقول، بأنه “لا يجب المراهنة على الملكية”، دليل على أن الرجل لربما لم يستطع بعد فهم محددات أدوار الملك داخل الدستور المغربي ل2011، والذي جاء بإيجابيات وتنازلات تاريخية، نقلت الملك من الشخص المقدس، إلى رئيس الدولة الذي لا تخالف تحركاته وقراراته بأي شكل من الأشكال ما نص عليه الدستور، وحدد تحركات الملك والمؤسسة الملكية في العموم في إطار لا يتعدى أدوارها، مثلها مثل كل المؤسسات الأخرى للدولة، والتي سبق وأكدها بنكيران عقب تقلده رئاسة الحكومة، حين قال بأن الملك خاطبه بالحرف قائلا “إن جاءك توجيه مني يخالف الدستور فارفضه”. ثم لماذا يرمي إلياس وهو يقزم دور المؤسسة الملكية العريقة في المغرب في مسألة “محاربة الإسلام السياسي”؟ ويجعلها مؤسسة تراعي حسب وصفه “مصالحها الخاصة”؟ هل يفهم إلياس فعلا المعنى الحقيقي للمؤسسة الملكية المغربية ودورها في التأليف بين الأطياف السياسية والدينية والمجتمعية على امتداد تاريخ وحاضر المغرب؟ أم أنه لا يعي بالضبط خطورة الانزلاق الذي وقع فيه بتوصيفه للمؤسسة الملكية بوصف يقترب من قراءته المادية الخالصة للمصلحة السياسوية التي بنى عليها “مجده”؟! يبدو أن إلياس العماري وهو يتفوه بكلماته تلك أمام نزر من شباب كان يطمع في استقطابهم للحزب، الذي سيستولي عليه بعدما تأسس على أنقاض “حركة لكل الديمقراطيين”، كان يريد أن يظهر بمظهر “الزعيم السياسي الأعظم” الذي لا يخشى في السياسة لومة لائم، قبل أن يجد نفسه وحيدا بكلامه الذي لا يليق، متهما في ذات الإطار ومرة أخرى المؤسسة الملكية بعدم “الاهتمام بالمصالح العامة للبلاد”. وليس ما سبق وفقط هو كل “الجرم السياسي” الذي تضمنه كلام إلياس، بقدر ما تعداه إلى اختراق خصوصية العائلة الملكية، باعتباره أن “اكتساح الإسلاميين للانتخابات المقبلة قد يقود لأن يفرض الملك محمد السادس ارتداء الحجاب على زوجته لالة سلمى”، وهو ما يشكل تعارضا مع منطوق الفصل 46 من الدستور الذي يؤكد على أن “شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام”، واقتحاما للخصوصيات الملكية، ومحاولة لتصويره كشخص عادي تتحكم فيه المتغيرات السياسية الداخلية بمنطق الخوف والفزع والرضوخ للجماعات الدينية وغيرها من التيارات الإديولوجية. إن صمت إلياس العماري الذي سيلي حتما هذا التسريب، ولا مبالاته المتوقعة بإخراج الأدلة النافية لكلامه الثقيل ذاك، خصوصا وأن “الكذوب تايكون غير على الميتين”، مع أن جل الحاضرين موجودون بالحياة لنفي ما قيل أو تأكيده، سيؤكد مستوى الانحطاط السياسي الذي وصلت إليه البلاد، في ظل وجود هذه القيادات الشعبوية، التي صارت تتحكم في القرار السياسي الحزبي، في انعدام تام لشعورها بالمسؤولية، فيما يصدر عنها من أقوال وأفعال غير محسوبة العواقب، فمتى إذن ينتهي كل هذا العبث؟!