لحظة فارقة في الزمن السياسي المغربي، تلك التي يمر منها المغرب اليوم، بكل تعقيداتها التي تنهل من فترات تاريخية لكن بمستجدات حديثة، أفرزت اهتماما شعبيا واسعا بالأحداث السياسية، لم يعتده المغرب سابقا، انطلاقا من الانتخابات ونتائجها ومرورا بتشكيل التحالفات ومراقبة عمل الحكومة بكل تفاصيله الدقيقة، التي ابتدأت مؤخرا بالبرنامج الحكومي الذي أعاد النقاش للبرامج الانتخابية المطروحة في زمن الانتخابات، والتي قد لا يبقى لها ولوعودها أي معنى في غياب إمكانية تحقيق نزر منها. فالفضاء السياسي اليوم بالمغرب، وبالأخص في دائرة تشكيل الحكومة وما يحوم حولها، وبعدما حقق شيئا من إشباع المواطن بكل فئاته، في التعبير عن حنقه من الممارسات السياسية التي لم تعد تعبر عنه، بعد 6 أشهر من عطالة مؤسساته، وما نتج عنه من ضياع فرص عديدة عليه، بسبب سجالات سياسوية فارغة، ينظر اليوم بعين الريبة لما ستفرزه السجالات الثانية بخصوص ما يعرف “بالبرنامج الحكومي” والذي سيقدم من طرف التحالف الحكومي السداسي، لممثلي الأمة لإقراره، كأرضية عمل محتملة للحكومة الجديدة. في هذا السياق يرى عبد العزيز الرماني الخبير في الاقتصاد الاجتماعي أن “البرامج الحكومية ظلت لعقود تتشابه فيما بينها، كما أن البرامج الانتخابية التي دأبت على إغراء المواطن دون واقعية سياسية، قد يجعل من السياسة مستقبلا مجرد كذب وسفالة، خصوصا وأن الواقع السياسي، وما أفرزته المرحلة السياسية الحالية بكل تعقيداتها، زاد من تعميق الجرح الاقتصادي والاجتماعي في جل القطاعات، كالبطالة وحركية المقاولات، وكل ذلك بسبب كلام أو بسبب مفاوضات فاشلة تنعدم فيها بعد الرؤية”. ويوضح الدكتور عبد العزيز الرماني أن “البرنامج الانتخابي الذي يملأ الحملات الانتخابية، في الأساس برنامج سياسي الغاية منه إقناع المصوتين، وليست غايته التطبيق على أرض الواقع، خصوصا وأن النظام الانتخابي المغربي لا يسمح بالحصول على الأغلبية المطلقة لتطبيق برنامج انتخابي لحزب سياسي بعينه”. ويعتبر الرماني في تصريحات خص بها “برلمان.كوم” أن “طموحات البرامج الانتخابية تتسم بالتضخيم والمبالغة، خصوصا عندما نتحدث عن معدلات نمو لا يمكن بلوغها، في نظام اقتصادي يعتمد على القطاع الفلاحي، في غياب أرضية استثمارية، ودون تنويع للموارد والمداخيل”. ويشرح عبد العزيز الرماني الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط أن “صياغة البرنامج الحكومي في ظروف تتسم بالتباعد وعدم الانسجام بين الأطراف السياسية، يلجئ دائما رئيس الحكومة، لدعوة رؤساء الHحزاب لمحاولة إيجاد نقط الالتقاء بين البرامج السياسية السابقة في كل ما هو واقعي، لكن الحقيقة تؤكد أن البرنامج الحكومي لا يستشف أسسه من البرامج الانتخابية السياسية، بقدر ما يستشفها من توجيهات الملك الذي هو رئيس الدولة، والتي ترد في خطبه ورسائله في قضايا من قبيل إصلاح الإدارة والسياسات الخارجية وغيرها، مع محاولة لأن يراعي البرنامج الحكومي السياسات العمومية والقطاعية الموجودة على أرضية الاستمرارية”. وحول مدى جدية البرامج الانتخابية وانعكاسها على البرنامج الحكومي علق الرماني الخبير أيضا بمجال الاتصال والتنمية قائلا: “البرامج الانتخابية ورغم أن أرقامها تتغير في كل مناسبة انتخابية، فإنها تحافظ على أغلب الوعود، وعلى امتداد كل السنوات بحملت شعارات من قبيل “محاربة الفساد”، “تخليق الحياة العامة”، لكن الواقعية اليوم في البرامج الانتخابية أو الحكومية أصبحت منشودة، خصوصا وأن أولى التجارب الحكومية في ظل الدستور الجديد والتي قادها بنكيران قبل خمس سنوات من الآن أظهرت أن النجاح في تنزيل بعض الوعود الانتخابية تقابله خيبة كبيرة في توقع عدد من الإنجازات”. لذلك فإننا اليوم بحاجة، يتابع الدكتور الرماني لأن “يعود رئيس الحكومة بعد انتهاء ولايته الحكومية، وقبل أن يعين رئيس حكومة الجديد، ليحاسب ضمن إطار محدث، عن وعود برنامجه الحكومي السابق، وتسليم ما لم يطبق في عهده لرئيس الحكومة البديل، قصد العمل على تحقيقه، وإلا فإن غياب المحاسبة، سيفرز لنا –ولا شك أنه حاصل- تملص رئيس الحكومة الجديدة من الالتزامات الإصلاحية السابقة وهو ما سيجعلنا أمام فشل مؤسسة رئاسة حكومة”. كما يعتبر خبير الاقتصاد الاجتماعي أن “استمرار تواجد الريع الذي يعكسه اليوم الغضب والتسابق على المحاصصة في المناصب الحكومية، قد يفرز لنا تعديلا حكوميا بعد سنة أو سنتين، قد يؤدي لخروج أحد الأحزاب من التكتل الحكومي السداسي الحالي، ودخول حزب آخر في إطار تعديل تكتيكي، وهو ما سيؤكد على أن البرنامج الحكومي بلا جدوى، على اعتبار أن الحزب الوافد لم يكن مساهما في صياغته خلال نيل الحكومة الثقة”.