يبدو أن الإدارة الأمريكية تخلت عن مدينة كوباني المحاصرة. فهل يعني ذلك فشل إستراتيجية أوباما في مواجهة تنظيم “داعش”؟ الضغوطات كثيرة، حتى من الرئيس الأسبق جيمي كارتر بسبب موقف أوباما المتردد. الأصوات التي تتحدث عن قرب سقوط مدينة كوباني المحاصرة والمعروفة باسم عين العرب في الإعلام الأمريكي كثيرة. قائد الجيش الأمريكي مارتين ديمبسي نفسه صرح لقناة أي .بي. سي الأمريكية: “أخشى أن تسقط مدينة كوباني” دون الإشارة إلى إمكانيات حدوث عكس ذلك. كما أوضح وزير الخارجية الأمريكي كيري أن حماية كوباني لا تشكل هدفا إستراتيجيا للولايات المتحدة. فرغم فظاعة ما يحدث هناك فإن “الأهداف الحقيقية تركز على مراكز القيادة والبنية التحتية لتنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميا ب “داعش”، حسب الوزير الأمريكي. غير أن زيادة وتيرة الضربات الجوية المشتركة التي قامت بها القوات الأمريكية وحليفاتها خلال الأيام الأخيرة في محيط كوباني لم تحد من تقدم “داعش”. وفي هذا السياق اعتبرت صحيفة واشنطن بوست أن “الولاياتالمتحدة توجد أمام كارثة الانهزام في حرب تعامل معها أوباما منذ البداية بمواقف التحفظ والقيود المفروضة أو التقيد الذاتي”. إستراتيجية خاطئة؟ من جهته عبر مايك أوهانلان من مؤسسة بروكينغس عن اعتقاده أن عدم نجاعة الضربات الجوية الأمريكية في محيط كوباني لا يعني بالضرورة فشل إستراتيجية الرئيس الأمريكي. وقال: “قد يكون سقوط مدينة أخرى أمرا مأساويا، غير أن ذلك لا يثبت بالضرورة أن تلك الإستراتيجية خاطئة”. أما الخبير في قضايا الشرق الأوسط جيم فيليبس من مؤسسة thinktank heritage المحافظة في واشنطن فقد عبر عن اعتقاده في لقاء مع “دوتش فيليه” أنه يجب الانتظار بعض الوقت لمعرفة مدى تأثير الضربات الجوية القوية ضد التنظيم. غير أنه أستدرك “أن القنابل وحدها غير كافية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية أو القضاء عليه”. وأضاف: “دون وجود تحرك أفضل على الأرض لن تكن نتائج الضربات الجوية مؤثرة بالشكل الذي تحاول به الإدارة الأمريكية إقناع المواطنين به”. بالنسبة للولايات المتحدة تختلف ظروف التحرك في سوريا عن الظروف في العراق. فليس لها في سوريا حلفاء حقيقيون على الأرض يمكنهم التحضير للضربات الجوية أو مرافقة عملياتها العسكرية، كما يلاحظ الخبير جيم فيليبس. وبما أن الأولوية في الإستراتيجية الأمريكية تركز حاليا على العراق، فإن الجيش الأمريكي يؤكد على أهمية قطع الطريق على تنظيم “داعش” انطلاقا من سوريا وبالتالي الانتصار عليه حينئذ في العراق. الطريق إلى سوريا بعيد من جهته عبر الخبير مايك أوهانلان من مؤسسة بروكينغس عن اعتقاده أن الإستراتيجية الأمريكية في سوريا لم تنضج بعد وأوضح في هذا السياق قائلا : “نحن نخطط كذلك لتشكيل وحدة قتالية سورية من 5000 رجل، بعد 12 شهرا من التدريب.” إنها البداية فقط بالنظر إلى عدد مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” وحجم القوات العسكرية للرئيس السوري حافظ الأسد. إذن فالطريق للوصول إلى سوريا لازال طويلا. ورغم تأكيدات الرئيس أوباما هناك طبعا تخوف كبير لدى المواطنين الأمريكيين من انجراف الولاياتالمتحدة إلى حرب جديدة. وهذا ما دفع بصحيفة نيويورك تايمز للتساؤل نيابة عن عدد كبير من الأمريكيين، ما إذا كانت “سوريا ستصبح فيتنام جديدة”. ولذلك حثت الصحيفة الرئيس أوباما على نهج مواقف حذرة، رغم الانتكاسات المؤلمة والنصائح العكسية للجيش. انتقادات لأوباما بسبب التردد التحفظ الذي يتسم به موقف الرئيس أوباما في كيفية تعامله مع موضوع “داعش” يقابل أيضا بانتقادات قوية من طرف الجمهوريين والديمقراطيين على السواء. فالسيناتور جون ماكين يأخذ على الرئيس أوباما أن موقفه المتردد يحول دون توصله إلى بدائل مهمة. وفي نفس السياق يوضح الخبير في قضايا الشرق الأوسط جيم فيليبس قائلا: “إن البيت الأبيض مازال يرفض حتى الآن دراسة إمكانية تحرك الجيش الأمريكي على الأرض”. ويضيف أنه بإمكان قوى أخرى مثل المقاتلين السوريين المعتدلين ملء هذا الفراغ. وفي نفس السياق جاءت انتقادات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي اعتبر أن المواقف المترددة لأوباما ساهمت في تقدم تنظيم “داعش”. مسؤولية الآخرين المقربون من الرئيس أوباما يعتبرون من جهة أخرى وجود جهات أخرى مسؤولة عن النتائج غير المؤثرة للضربات الجوية. وينتقد مايك أوهانلان من مؤسسة بروكينغس أن تتحمل الولاياتالمتحدة وحدها عبء المعارك. ويضيف: “يبدو أن أغلبية دول الناتو والحلفاء العرب لا يريدون المساهمة بشكل قوي.” وفي هذا السياق أشار الخبير إلى ألمانيا التي أعلنت أخيرا أنها تسعى إلى أخذ مسؤولية أكبر في السياسات الخارجية. الإدارة الأمريكية تنتقد حاليا ما وصفته “بعدم التحرك التركي” كما تعتبر بأن تركيا هي المسؤولة عما حققه تنظيم “داعش” من نجاح في سوريا، حسب الواشنطن بوست. فالرئيس طيب رجب أردوغان، كما ذكرت الصحيفة استنادا إلى الإدارة الأمريكية، لم يستطع إيقاف تدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود التركية السورية أو من وقف صفقات البترول مع “داعش”. واستخلص جيم فيليبس قائلا: “إن الرئيس أردوغان يرى أن خطر الأكراد السوريين الذين يرتبطون بحزب العمال الكردستاني في تركيا أكبر مخاطر أكبر من خطر تنظيم الدولة الإسلامية”.