نظم، أول أمس الخميس بمقر مجلس العموم البريطاني، لقاء علمي حول تجربة المغرب في مكافحة التطرف والإرهاب، شارك فيه الخبير المغربي البروفسور المصطفى الرزرازي بعرض قدم خلاله تفاصيل التجربة المغربية في مكافحة التطرف و الإرهاب. اللقاء، الذي يتزامن مع تخليد أحداث الأعمال الإرهابية ضد مترو لندن عام 2005، وضمن جو تهمين عليه أسئلة في الشارع البريطاني ترتبط بما بعد قرار خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، كان فرصة لإعطاء حفل تقديم النسخة الإنجليزية من كتاب “حرب المغرب ضد الإرهاب – دروس في التعاون الأمني-“، إطارا متميزا وفرصة لتبادل وجهات النظر بين مختصين وخبراء وبرلمانيين بريطانيين حول خصوصيات الأداء المغربي المتميز في مكافحة الإرهاب، و سبل التعاون الثنائي بين المملكة المتحدة و المغرب. وقد قدم الاستاذ الرزرازي خلال هذا اللقاء عرضا، شرح فيه كيف أن النموذج المغربي متميز في مقاربته متعددة الجوانب، اقتصاديا وقانونيا وحقوقيا ودينيا ودبلوماسيا، ثم إنها متميزة أيضا في موازنتها للتعاون الأمني في شقيه متعدد الأطراف و الثنائي. وعن الشق المتعلق بطبيعة الأداء المغربي في تدبير الشأن الديني، شرح الدكتور الرزرازي أن مقومات إعادة هيكلة الحقل الديني بالغرب من خلال تعزيز دور إمارة المؤمنين، المؤسسة العريقة التي تمنح للمغاربة عمقا تاريخيا للاستقرار و الامن الروحي، وتنزع عن المتشددين أية شرعية دينية في خطابهم السياسي المتأدلج بلغة الدين. كما توقف الرزرازي عند شرح ما يميز تجربة المغرب في تدبير الحقل الديني عن غيرها داخل النسيج العربي الإسلامي العام، موضحا أن الامر يتعلق بمقاربة لم تعنى بمضمون العقيدة الدينية فقط، من خلال التركيز على المذهب الأشعري المالكي المعتدل، بل شملت أيضا حقل تنظيم مراكز التعبد، ثم الاهتمام بالفاعليين الدينيين من أئمة ومرشدين بإعادة تأهليهم، وكذا إدماجهم داخل سلك الوظيفة العمومية، بما يجعل المؤسسة الدينية بالمغرب تتبنى مفهوم الأئمة المعتمدين، وانطلاقا من ذلك فهي تقطع الطريق على ظاهرة التطوع في تدبير المساجد. كما عرض الدكتور الرزرازي أهم محطات التطور التي شهدتها الظاهرة الارهابية بالمغرب منذ منتصف التسعينيات، مشددا أن أحداث 2003 بالدار البيضاء كانت محطة مركزية في تجديد المغرب لوسائل عمله في التعاطي مع الظاهرة، وتبنيه لمقاربة شاملة تتقاطع فيها الاصلاحات القانونية والاجتماعية والاقتصادية وإعادة هيكلة الحقل الديني مع إعادة تجديد بنيات المؤسسات الأمنية التي تبنت مقاربة استباقية تتناسب مع حجم التهديدات الإرهابية التي أثبتت أن الخطر الإرهابي لا يحتل الاستكانة إلى مقولة الاستثناء، وأن الحذر المستمر والتعاون الأمني مع الشركاء الأوربيين والأفارقة ومن العالم العربي والولايات المتحدة وآسيا هو السبيل الأمثل لقطع الطريق على ظاهرة الإرهاب العابرة للأقاليم. وفي معرض حديثه عن التعاون الدولي في مكافحة الارهاب، أشار المحاضر إلى أن المغرب لم تقتصر مساهمته في التعاون الامني مع شركائه في اندماجه في تعزيز التنسيق والتعاون المعلوماتي والعملياتي، بل إنه بات اليوم رائدا في تأسيس عقيدة جديدة للتعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وهي عقيدة تتأسس على رفع التعاون الأمني إلى درجة فوق دبلوماسية، بما يفيد أنها علاقات تعاون لا تتأثر بحالات الفتور التي قد تقع بين الحكومات. أما عن معوقات هذا التعاون الأمني، فقد أشار الرزرازي إلى أن النجاحات في التعاون الأمني تتخللها للأسف بعض المعوقات التي تستمد أسسها من خلفيات سياسية، كما هو الشأن بالنسبة للتعاون المغربي الجزائري شبه المنعدم، رغم وجود تهديدات أمنية مشتركة تهدد البلدين من الساحل ومن جهة البحر الأبيض المتوسط ومن ليبيا، وذلك بسبب عدم وجود رغبة لدى الجزائر بفك الارتباط بين خلافاتها مع الرباط حول ملف الصحراء، وبين الحاجة إلى رفع عتبة التعاون إلى ما فوق الخلافات. ثم هناك معوقات فنية – يضيف المحاضر – ترتبط باعتماد بعض الدول خاصة بإفريقيا على قوات الجيش في مكافحة الارهاب، على اعتبار أن الجماعات الإرهابية نجحت بهذه الدول في تأمين مناطق نائية للتحرك لتنفيذ عملياتها، عكس مقاربة الاستخبارات الحضرية التي تتأسس على الترقب، وتفكيك الخلايا، قبل نموها ونزوحها نحو الجبال أو نحو خلق بؤر للتموقع المجالي. من جهة أخرى تفاعل الحضور بشكل إيجابي، مؤكدا على أهمية التعاون المغربي البريطاني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف باعتبارهما شركاء في بناء السلم والامن العالميين. وفي هذا الاطار، أشاد النائب البرلماني البريطاني دانييل كاوتشينسكي بالتجربة المغربية في مجال مكافحة التطرف، داعيا إلى ضرورة رفع عتبة التعاون المغربي البريطاني ضد التهديدات الإرهابية التي تتزايد كل يوم، والتي لم تعد تقتصر على بلد دون آخر و لا قارة دون أخرى. وهي نفس الخلاصات التي انتهى إليها المحاضر الدكتور الرزررازي، الذي ذكر بأنه بعد ضرب الإرهابيين لمواقع قريبة جدا من أقدس مكان للمسلمين وهو الحرم النبوي الشريف، أصبحت الحاجة اليوم أكثر من أي مضى إلى ميثاق عالمي للتعاون الأمني ضد الإرهاب يتجاوز مجمل الخلافات الثانوية سياسية كانت أم اقتصادية، على اعتبار أن الإرهابيين لا يتسللون عبر الحدود، ولكنهم يستغلون أيضا لحظات التوتر القائمة بين عدد من الدول للتسلل عبرها واستغلال لحظات التراخي الأمني. وحرص الدكتور الرزرازي في هذا اللقاء على التنبيه إلى أن اختيار المغرب الانفتاح الإعلامي والتواصل مع الرأي العام الدولي حول مخاطر الإرهاب التي تتربص بعدد من الدول، هي اختبار حضاري ينسج مع خيارات المغرب الديموقراطية في توفير المعلومة للرأي العام، علاوة على كونها مقاربة تقطع الطريق على التشويش الإعلامي الذي تقوده وسائط التواصل الإعلامي المتطرفة.